16-يناير-2017

لافتة وضعها ضباط سابقون إسرائيليون في تل أبيب - Getty

اقتحم مقطعٌ مصورٌ الفضاء الافتراضي في فلسطين خلال الـ24 ساعةٍ الأخيرة، كما ولوائح إعلانيةٍ ضخمةٍ في عددٍ من المدن والبلدات داخل الخط الأخضر، حتى أن المقطع يقفز عنوةً في كل ما يُشغّلُ عبر يوتيوب في الشبكة الإسرائيلية.

بعيدًا عن التقنية الإنتاجية العالية التي يقوم عليها الإعلان الصادر عن عشرات الضباط والخبراء الأمنيين الإسرائيليين السابقين في جهازي "الشاباك" والشرطة خصوصًا، إلا أن الدعوة التي يصرح بها الإعلان بشأن أن المليونين ونصف عربيٍ فلسطينيٍ من ساكنة الضفة الغربية سيدمرون الموازين الديمغرافية "للدولة اليهودية" في حال ضم الضفة "رسميًا" لإسرائيل، كان من شأنه تبرير العودة لملاحظاتٍ أساسيةٍ طفيفةٍ بشأن "الدولتين، الدولة، والديمغرافيا". 

حل الدولتين: لا يعول عليه

لا تضيف ضجة الحديث عن حل الدولتين وتناوله في أي آوان شيئًا إلى سلة الخيالات المجمدة بشأن فلسطين. فمنذ 1974 ونقاط منظمة التحرير العشر وكل التغني بالقرار الدولي 242 المتعرض لحل دولتين في فلسطين، والذي لم يعط للفلسطينيين ما أعطاه قرار التقسيم 181 حتى، بالرغم من التغني الشيوعي به حتى اللحظة، وانتقال عدوى 181 إلى محمود عباس في أكثر من خطابٍ في الأمم المتحدة، إلا أن كلا القرارين بما يصبان نحوه من إسنادٍ لمقترح حل دولتين في فلسطين لا يتوفران على إجماع فلسطيني، وإن كانت الفصائل تراوح في خطابها حول حل الدولتين وتراوغ، لأنه المتوافق على قبول الحديث عنه دوليًا، إلا أن ما يهم الفلسطينيين هو كل فلسطين، وهو ما يهم ما يختص بحقوقهم المعترف بها دوليًا، على الأقل في قرار الجمعية العامة 194 بخصوص العودة وجبر الأضرار التي ترتبت عن التهجير القسري. وخبرتهم، أي الفلسطينيين، تقول بالترهل الدبلوماسي في استغلال ما يمكن أن تطرحه فوائد الاعتراف بالتمثيل الفلسطيني الحالي في الأمم المتحدة من طرف من يفترض نفسه جزءًا من حل الدولتين.

تراوغ الفصائل في خطابها حول حل الدولتين، وما يهم الفلسطينيين هو كل فلسطين، كما لا ينعم الإسرائيليون بتوافقٍ حول هذه المسألة

إذن، المسالة ليست بالاستسهال المطروح رسميًا، محمود عباس يطالب، بنيامين نتنياهو يرفض، أو يوافق، لا فرق. وفي الوقت عينه لا ينعم المعسكر الإسرائيلي بتوافقٍ حول هذه المسألة حتى، فاغتيال إسحق رابين لم يكن بعيدًا عن حالة الرفض لأي شي "يعطى" للفلسطينين، حتى الشكل الحالي من الإدارة "الذاتية".

اقرأ/ي أيضًا: حيفا المخيّم

وعليه يكون التساؤل عن ممكنات حل الدولتين في الميدان؛ حتى لو توافقت عليه الأطراف الراعية، فأي شروطٍ تتوفر لدولتين تستطيعان الحياة في فلسطين التي لم تعرف النشوء المعتاد للدولة يومًا لا مصادرها وجغرافيتها، ولا حدودها المشتقة من آخر تقسيم استعماري عقب الحرب العالمية الأولى؟

حل الدولة: في ذمة تفكيك الاستعمار وحظر الصهيونية

لا ممكنات معقولة قائمةً على أرض الواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي في فلسطين تبشر بأيٍ من الحلين حاليًا، دولتين أو دولة واحدة. لكن يبقى الحفاظ على الوضوح بشأن الرؤية للحل عنصر استمرارية ونجاحٍ نسبيٍ في أي قضية.

في الوقت عينه، لا يمكن القول إن النقاش أو العمل نحو مشروع حل دولةٍ واحدةٍ ديمقراطيةٍ علمانيةٍ لجميع من هو مواطنٌ فيها من الموجودات في فلسطين اليوم. بالرغم أن تمثيلات العمل على تفكيك الاستعمار لم تنتهِ من المشهد الفلسطيني، فالمقاومة مستمرة، حتى لو أمكن القول إن الحركة الوطنية بالشكل الذي انطلقت فيه في ستينيات القرن العشرين انتهت.

ولا يمكن القول أيضًا إن المقاومة الفلسطينية تتفق على تفاصيل مشروعٍ سياسي للحل لو أصبح متاحًا في أي وقت. هذا كله بالترافق مع قدم الحديث عن هذا الشكل من الحل، أي الدولة الواحدة، وعراقة الأسماء التي تطرقت له ومركزيتها، جورج حبش وعزمي بشارة مثلاً. 

الديمغرافيا.. كأنها الخلاص!

تحضر الديمغرافيا في مجمل الخطاب السياسي المتعلق بفلسطين، سواءً خطاب الفلسطينين أو أي خطابٍ آخر بما فيه الخطاب الصهيوني. كما تأخذ الديمغرافيا أبعادًا أكثر خطورةً عندما تتلاحم مع الاستسهال الشعبوي لخلط الديمغرافيا واللاهوت وعلم المستقبل! 

وفي خطورة التركيز على الديمغرافيا، بما أن المسألة لا تدور حول احتياجات عناصر هذه الديمغرافيا ولا حقوقهم، بل تتم شيطنتهم والتحذير من "الغول" الذي سيشكله هؤلاء على مستقبل مشروع إسرائيل في استنساخ إفريقيا الاستعمارية في فلسطين.

المسألة بهذه البساطة، الصهيونية ترى فلسطين بلا فلسطينيين/عرب، وإن راتهم فهي لها منظورها للعرب الأخيار المطبعين المتحالفين معها للتستر على عورات مشاريعهم الفاشية أيضًا. وأي تضخيمٍ أو انجرارٍ وراء موجات الإبهار العنصري الإسرائيلي المصور الذي يذكر باليوتيوبات الداعشية وتقنياتها عالية التوحش، يبقى في دائرة التلهي بالمفروغ منه، بما أن ساحة الشان الفلسطيني باتت عامرةً بالتلهي، ليس آخرها موتمر باريس الذي لم يقل ما يمكن اعتباره شأنًا جديًا فقط، بل وأعاد التأكيد أن لا تغييرات كبرى، أمريكا وإسرائيل والعالم وفلسطين، كلٌ في موقعه المعتاد، وتبقى شيكسبيرية المشهد محتكرة في "أن نكون أو لا نكون". 

اقرأ/ي أيضًا: 

منابع الطابع الإلغائي للصهيونية

يستطيع امتلاك مليونيّ شيكل ويفضّل بيع الذُّرة

إسرائيل عندما تعوِّل على الواقي الذكري