10-أكتوبر-2015

اعتقال فتاة فلسطينية في شمالي مدينة الخليل

الجميلات هن الثائرات. الأمس واليوم وغدًا. عبارة نجحت تحركّات الفتيات الفلسطينات الأخيرة بإخراجها من "الكليشيه"، الّذي هو عادة المصير الحتمي لأبيات الشعر الأزلية. قالها درويش يومًا. وها هنّ جميلات القدس والضفة الغربية يثبتنها حقيقية يومًا بعد يوم. 

لم يقتصر دور المرأة على الدعم والصمود، بل نزلت إلى ميدان القتال الفعلي وجهًا لوجه مع العدو

لأخبار وصور المقاومات من فلسطين وقع آخر ومختلف في النفوس. فالمرأة وإن قاومت، فهي لا تتحدى العدو فقط، بل تتحدى الطبيعة والتقاليد وكل من أرادها يومًا أن تكون مخلوقًا ضعيفًا غير قادر على الدفاع عن نفسه أو إنجاز أمر عظيم. تتحدى الكينونة الدينية الّتي أرادتها "حرمة" بلا دور ظاهر. هاهن جميلاتٌ وعظيماتٌ بمقاومتهنّ، بالحجر بالسكين وبكلّ ما أوتينَ، يقاومن جنبًا إلى جنب مع أبناء فلسطين.

ليس جديدًا فعل المقاومة على المرأة الفلسطينية. فلطالما قاومت كأم وأخت وزوجة لمعتقل أو شهيد أو مقاوم. لكن، مع الوقت لم يقتصر دور المرأة على الدعم والصمود، بل نزلت إلى ميدان القتال الفعلي وجهًا لوجه مع العدو. لتصبح هي بدورها معتقلة وشهيدة ومقاومة بطلة. فالتاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية بدأ في ثلاثينيات هذا القرن، وإن كان سلميًا سياسيًا اجتماعيًّا من خلال ندوات توعية وحملات تبرعات قمن بها، لدعم المقاومين ضد الانتداب البريطاني أو من خلال طهي الطعام وإيصاله للمقاومين المرابطين في الجبال.

ليس هناك من تأريخ واضح لبدء تاريخ العمل النضالي، لكن جميع المصادر تتحدّث عن جمعيات نسائية تشكلت في بدايات القرن الماضي لأسباب اجتماعية أولًا، لتتحول فيما بعد إلى حركات سياسية نضالية، وإن لم تنخرط النساء بشكل مباشر في القتال. إلّا أنه كان لهذه الجمعيّات أثر كبير، في محاربة الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي فيما بعد. وكانت أشهر هذه الجمعيات في ذلك الوقت: "اتحاد السيدات العربيات في فلسطين" و"الاتحاد العربي" و"الحركة النسائية الفلسطينية".

وبموازاة ذلك نشأت حركات نضالية نسائية في الكفاح المسلّح، حيث تدرّبت النسوة على حمل السلاح واستخدامه. وكانت أشهر هذه الحركات "الكف الأسود"، و"زهرة الأفحوان" الّتي أسستها الأختان خورشيد، و"رفيقات القسام" التي تدرّبت عضواتها على يد عز الدين القسام شخصياً، ففي ذلك الوقت كان الرجل مؤمنًا بدور المرأة في النضال ودرّب العديد من النساء، ولو بشكل سري.

يزخر التاريخ النضالي الفلسطيني بالفتيات الفلسطينيات الّلواتي ناضلن وضحين في سبيل بلادهن، بدءًا بفاطمة غزال، أول شهيدة فلسطينية حملت السلاح إلى جانب المقاومين الذين تصدّوا للاحتلال البريطاني في العام 1936، إلى ليلى خالد المناضلة الفلسطينية الّتي كانت أول امرأة تقوم بخطف طائرة إسرائيلية وتحويل مسارها بهدف الإفراج عن معتقلين فلسطينيين. إلى دلال المغربي اللاجئة الفلسطينية في مخيم "صبرا" الّتي هربت من بيت العائلة في المخيّم، لتشارك في "عملية دير ياسين" حيث خطفت باصًا، كان متجهًا من حيفا إلى تل أبيب، واستشهدت في العملية.  

ومع بدء الانتفاضات في العام 1987، كان للمرأة دور فعّال ومفاجئ، في التظاهرات والحراكات، لتخرج المشاركة النسائية من مشاركة الناشطات حصرًا، لتشمل غالبية فئات المجتمع. كنّ في الصفوف الأمامية يرمين الحجارة ويشاركن بالتظاهرات، يحرقن الأعلام ويرفعن الأعلام الفلسطينية ويدافعن عن رفاقهن في النضال. 

في 2002، انتهجت المرأة الفلسطينية سبيلًا آخر في النّضال، وكانت وفاء إدريس أول فتاة تنفذ عملية استشهادية في القدس

وعلى صعيد آخر، كان للمرأة الدور الأساسي في تحدي الحصار المفروض على أهالي القرى والمخيّمات، فعملت النسوة في ذلك الوقت على زراعة الأرض، وتخزين الأطعمة بالطرق التقليدية، وفي غياب الكهرباء والغاز، كانت النسوة يعجنّ ويخبزن على الأفران القديمة لتأمين الخبز اليومي تحدّيًا للتجويع الذي أراده الاحتلال عبر حصاره. وكان لهنّ الدور الأوّل في مقاطعة البضائع الإسرائيلية. كما دأبت الفتيات على إنشاء ما عرف بـ"التعليم الشعبي" كبديل عن غياب المدارس الّتي دمّرت إسرائيل معظمها في ذلك الوقت.

في 2002، انتهجت المرأة الفلسطينية سبيلًا آخر في النّضال، وكانت وفاء إدريس هي أول فلسطينية تقوم بعملية استشهادية في القدس، بعد أن كانت العمليات الاستشهادية حكرًا على الرجال. لتكر السّبحة بعد ذلك، وتنهج نهجها آيات الأخرس وفاطمة النجار وغيرهن من المناضلات الجميلات. 

وهاهن الآن الجميلات ملاحَقات ومرصودات بعين الاحتلال. ها هنّ يساعدن الشباب في إعداد الزجاجات الحارقة وقذف الحجارة. ها هنّ بطلاتنا الصّغيرات معتقلات لا لشيء إلّا لأنّهن جميلات ثائرات. 

شيماء وراية ولبنى وعدن كل الحب وقلب صغير.