تناولت صحيفة "هآرتس" في تقريرين منفصلين من إعداد هاجر شيزاف وكارولينا لاندسمان، التحوّلات الحاسمة التي تشهدها الضفة الغربية، حيث يعزز المستوطنون سيطرتهم عليها، فيما انتقلت "الصهيونية الدينية" إلى الفكر الكاهاني، وأصبحت التيار الأساسي داخل الحكومة الإسرائيلية.
المستوطنون يعززون سيطرتهم في الضفة، والصهيونية الدينية تتحول إلى الفكر الكاهاني، مما يعكس تحولات حاسمة في الحكومة الإسرائيلية والسياسات الاستيطانية
رأت هاجر شيزاف في تقريرها أن المستوطنين يمرون بمرحلة فارقة، حيث أصبحوا يهيمنون على المراكز الحيوية المتعلقة بالمشروع الاستيطاني، ما يعكس تطلعات متزايدة نحو ضم المزيد من الأراضي. وأوضحت أن التغيرات المرتقبة في القيادة الأمريكية، إلى جانب القرارات الداخلية في "إسرائيل"، تُظهر قدرة المستوطنين المتزايدة على تخطّي العقبات لتحقيق أهدافهم، ما يبرز تضافر الظروف السياسية لتسهيل عملية الضم.
الحرب السياسية
أمّا كارولينا لاندسمان فقد خلصت في تقريرها إلى أن الحرب التي تخوضها الحكومة الإسرائيلية ليست مجرد حرب سياسية لتأجيل محاكمة نتنياهو، بل هي حرب تهدف إلى تنفيذ أجندة سياسية كبيرة تشمل الاحتلال، والترحيل، والاستيطان. وعبّرت عن أسفها لأن الإسرائيليين قد لا يدركون حجم التغيير الذي سيحدث إلا بعد فوات الأوان "عندما يتحقق الكابوس وتكتمل العملية".
العقوبات الأمريكية والاعتقالات الإدارية
وبالعودة إلى مقال شيزاف فقد لفتت النظر إلى حدثين رئيسيين أثّرا على المستوطنين، وهما: العقوبات الأمريكية على حركة "أمانا" الداعمة للاستيطان، وقرار وزير الجيش الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بوقف استخدام الاعتقالات الإدارية ضد اليهود. وأكدت أن هذين الحدثين يشيران إلى "لحظة محورية"، خاصة مع حكومة إسرائيلية هي الأكثر دعمًا للاستيطان، بالتوازي مع بوادر تغيير محتمل في السياسات الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.
الاعتقالات الإدارية
وتناولت شيزاف موضوع الاعتقالات الإدارية، مشيرة إلى الفوارق الكبيرة بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في تطبيق هذا الإجراء. وذكرت: "حاليًا، يوجد حوالي 3400 معتقل إداري فلسطيني بموجب قرارات قائد المنطقة الوسطى (في الجيش الإسرائيلي)، بينما تُعتبر أوامر الاعتقال الإداري ضد اليهود قضايا بارزة تُثير الجدل وتواجه معارضة قوية. وإعلان كاتس الأخير يفتح الباب أمام طعون قانونية بسبب اقتصاره على فئة واحدة فقط".
ضعف أداء الشرطة الإسرائيلية
وجاء في المقال أنّ ضعف أداء الشرطة الإسرائيلية في التصدي للجرائم القومية اليهودية أسهم في تصاعد استخدام الاعتقالات الإدارية. وأكد إيلي باكر، المستشار القانوني السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الشاباك أنّ "قرار كاتس يمثل خطوة خطيرة تُضعف سيادة القانون، ما يُظهر تراجعًا في تعامل إسرائيل مع العنف المتزايد من المستوطنين".
تأثير العقوبات الأمريكية على حركة "أمانا"
كما تناولت شيزاف تأثير العقوبات الأمريكية على حركة "أمانا"، التي تُعتبر ركيزة في بناء المستوطنات. وأشارت إلى أن زئيف حيفر، مدير عام الحركة، يتمتع بعلاقات وثيقة مع القيادة السياسية الإسرائيلية، ما يجعل العقوبات محل قلق دولي بسبب احتمالات ردود الفعل الإسرائيلية. وأضافت أن تأجيل مناقشة مشروع قانون لتجاوز العقوبات يعكس تطلع الحكومة الإسرائيلية لتخفيف الضغوط الدولية مع تغييرات محتملة في الإدارة الأمريكية. كما أشارت إلى العلاقات المتنامية بين زعماء المستوطنين وشخصيات يمينية بارزة في الولايات المتحدة لتعزيز مكانتهم.
الفكر الكاهاني في الحكومة
في تقرير آخر، كتبت كارولينا لاندسمان عن تقارب الأيديولوجيا الحكومية الحالية مع فكر الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة "كاخ"، مستعرضة حفل التأبين السنوي الذي أقيم له، وموضحة أن: "رحلة الصهيونية نحو التطرف الديني أصبحت أكثر وضوحًا، حيث تحولت أيديولوجيا كاهانا من تيار هامشي إلى التيار الأساسي في الحكومة الحالية." وحركة "كاخ" تعتبر وفقًا للقوانين الإسرائيلية والأمريكية والكندية تنظيمًا إرهابيًا، أسسها الحاخام مائير كاهانا، ونفذت عمليات إرهابية أدت لمقتل فلسطينيين.
انحراف نتنياهو نحو اليمين
وأوضحت كارولينا لاندسمان أن انحراف بنيامين نتنياهو نحو اليمين يأتي نتيجة الضغوط السياسية والمحاكمات التي يواجهها. وعلقت بالقول أنه "رغم التحفظات التي أبداها نتنياهو وحزب الليكود سابقًا تجاه الكاهانيين، فقد أصبح تحالفه معهم ضرورة سياسية، ما يجعله عاملًا رئيسيًا في تمهيد الطريق لهيمنة هذه الأيديولوجيا".
وعبّرت لاندسمان عن قلقها إزاء غياب الوعي العام بحجم التحولات التي تحدث في "إسرائيل"، وختمت بالقول: "قد يدرك الإسرائيليون حجم التغيير فقط بعد فوات الأوان، عندما يتحقق الكابوس، وتكتمل العملية التي تعيد تشكيل إسرائيل بشكل جذري. هذه الحرب ليست حربًا تتأثر بمصالح رغبة نتنياهو بالبقاء في المشهد السياسي، ولا تستخدم ذريعة لتأجيل محاكمة نتنياهو، بل هي حرب تلحق ضررًا غير مسبوق بسكان قطاع غزة، وتُستخدم كبرنامج سياسي يشمل الاحتلال، والترحيل، والاستيطان".