01-فبراير-2023
منزل الأسير صبحي صبيحات بعد هدمه، وهو منفذ عملية مستوطنة إلعاد مع أسعد الرفاعي | تصوير ناصر اشتية

منزل الأسير صبحي صبيحات بعد هدمه، وهو منفذ عملية مستوطنة إلعاد مع أسعد الرفاعي | تصوير ناصر اشتية

الترا فلسطين | فريق التحرير

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرًا أوضحت فيه أن سياسة هدم منازل منفذي العمليات الفلسطينيين فشلت في تحقيق هدفها الأساسي، وهو تشكيل رادع لفلسطينيين آخرين يمنعهم عن تنفيذ عمليات.

واستعرضت "هآرتس" في تقريرها الأساس القانوني لعمليات هدم المنازل أو إغلاقها، والانتقادات الموجهة لهذه السياسة، وكيف تسببت في تقاعد مبكر لأحد قضاة المحكمة العليا الذي كان رافضًا لها.


ما هو الإغلاق؟ وما هو الهدم؟

يشمل إغلاق المنزل صب الباطون في غرف المنزل وهي عملية لا رجعة فيها. إن الإغلاق الذي تم تنفيذه في منزل خيري علقم، ومن المقرر أن يتم في منزل محمود عليوات ليس دائمًا، ويشمل فقط إغلاق الأبواب و نوافذ المبنى. وهذا الإجراء أصبح ممكنًا بموجب أمر عسكري جديد لم يتم استخدامه من قبل، إذ يتم تعريف الأمر على أنه "أمر إغلاق عسكري مؤقت"، وسيكون ساري المفعول لمدة عشرة أيام. يترك هذا الإجراء لـ"الدولة" خيار التراجع عن الإغلاق واتخاذ قرار مختلف في المستقبل.

منذ شهر تموز/يوليو عام 2014 تم هدم 75 منزلاً أو غرفة في منازل، ثمانية منها في شرق القدس والباقي في الضفة الغربية. وفي ذات الفترة، تم أيضًا إغلاق 12 منزلاً أو غرفة

من وجهة نظر قانونية، لا يوجد فرق بين إغلاق المنازل أو هدمها، فكلاهما منصوص على شرعيته في نفس اللائحة. في كل من حالة الإغلاق الدائم والهدم، تقوم "الدولة" بإبلاغ الأسرة مسبقًا بنيتها تنفيذ الإغلاق، ويمكن للأسرة المستهدفة أن تقدم طلبًا لاستئناف القرار إلى الجيش، وإذا تم رفضه من قبل الجيش يتم تقديم التماس إلى المحكمة العليا لإلغاء قرار الإغلاق أو الهدم.

لماذا ومتى يتم هدم المنازل أو إغلاقها؟

اتبعت إسرائيل منذ سنوات سياسة هدم منازل منفذي العمليات الفلسطينيين بهدف معلن وهو خلق الردع، وبالتالي منع تنفيذ الهجمات في المستقبل. منذ حرب حزيران 1967 (النكسة) هدم الجيش الإسرائيلي مئات المنازل. وفي عام 2005، قررت لجنة برئاسة اللواء أودي شاني، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في هيئة الأركان العامة، أن هدم المنازل وإغلاقها ليس قانونيًا بنسبة 100%. ونتيجة لذلك، توقفت عمليات الهدم في عام 2008، لكن تم استئنافها لفترة وجيزة في أعقاب موجة عمليات الدهس في القدس. ثم في عام 2014، بعد خطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم في الخليل، واندلاع موجة عمليات، عاد إجراء الهدم أو الإغلاق ليصبح جزءًا من الأدوات المستخدمة لدى الجيش الإسرائيلي.

وبحسب معطيات مركز حماية الفرد الإسرائيلي، الذي يمثل الأسر الفلسطينية في التماسات ضد عمليات الهدم، فقد تم منذ شهر تموز/يوليو عام 2014 هدم 75 منزلاً أو غرفة في منازل، ثمانية منها في شرق القدس والباقي في الضفة الغربية. وفي ذات الفترة، تم أيضًا إغلاق 12 منزلاً أو غرفة، نصفها في شرق القدس.

وينفذ الجيش إجراء هدم المنازل في حالة العمليات التي يسقط فيها قتلى إسرائيليون. وليس في العمليات التي تؤدي لإصابات فقط. وهذا خلافًا لما متبعًا في الانتفاضة الثانية، حيث تم هدم منازل في حالات محاولة تنفيذ عملية. لكن الآن، في العملية الأخيرة التي نفذها محمد عليوات في سلوان، صدر أمرٌ "إغلاق مؤقت" لمنزل عائلته في سلوان، رغم عدم وقوع قتلى.

ما هو المطلوب للمصادقة على الإغلاق الدائم أو الهدم؟

يتم توقيع أمر مصادرة منزل أو إغلاقه من قبل اللواء قائد منطقة الضفة الغربية أو من قبل قائد الجبهة الداخلية إذا كان المنزل داخل الخط الأخضر أو في شرق القدس. وبحسب الجيش، يتم اتخاذ القرار بتنفيذ الهدم والإغلاق بعد التشاور بين المستوى السياسي وجهاز المخابرات "الشاباك". وبعد ذلك، يتم استلام توصية "الشاباك" وإحالتها إلى الجيش، حيث تتطلب موافقة المدعي العام العسكري والمدعي العام المدني.

ما هو السند القانوني لهدم المنزل أو إغلاقه؟

الأساس القانوني الذي يسمح للمنظومة الأمنية الإسرائيلية بهدم أو إغلاق منازل منفذي العمليات بغرض الردع يستند إلى المادة 119 من أنظمة الدفاع في حالات الطوارئ، التي ورثتها "إسرائيل" من الانتداب البريطاني. وبحسب نفس البند، من الممكن مصادرة أو تدمير مبنى للاشتباه في أنه استخدم في تخزين أسلحة، أو أن سكانه ضالعون في "ارتكاب جريمة".

الأساس القانوني الذي يسمح للمنظومة الأمنية الإسرائيلية بهدم أو إغلاق منازل منفذي العمليات بغرض الردع يستند إلى المادة 119 من أنظمة الدفاع في حالات الطوارئ، التي ورثتها "إسرائيل" من الانتداب البريطاني

يعترف النظام القانوني للمحكمة العليا الإسرائيلية بالمادة 119 ووجود الصلاحيات الممنوحة للقائد العسكري في المنطقة التي يتواجد فيها المنزل. وفي معظم الحالات، ترفض المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماسات ضد هدم المنازل، معتمدين في ذلك على آراء تقدمها جهات أمنية.

متى لا يتم هدم أو إغلاق المنزل؟

كانت هناك حالاتٌ قليلة على مر السنين نجحت فيها اعتراضات العائلات الفلسطينية في إلغاء أوامــر الهدم. على سبيل المثال، في عام 2018، ألغى الجيش الإسرائيلي أمر هدم لمنزل فلسطيني قتل مستوطنًا، بعد أن أثبتت العائلة، ممثلة بمركز حماية الفرد، أنه يعاني من مرض انفصام الشخصية وأنه خضع للعلاج في الضفة الغربية. نوع آخر من الحالات التي تمكنوا فيها من إلغاء الأوامر كان عندما أثبتوا أن عائلة الفلسطيني تعيش في شقة مستأجرة لا يمتلكونها، وبالتالي فإن هذا من شأنه أن يلحق الضرر بممتلكات ليست ملكهم. أيضًا، أدى التماس إلى تقليص أمر إغلاق المنزل إلى إغلاق غرف معينة فيه.

آخر مرة ألغت فيها المحكمة العليا الإسرائيلية أمر هدم كانت في قضية هدم منزل فلسطيني أدين بقتل جندي في قرية يعبد عام 2020 بعد إلقاء حجر عليه من سطح أحد المباني. سبب الإلغاء كان أن زوجة الفلسطيني وأولاده لم يكونوا على علم أو شاركوا في التخطيط لأفعاله، كما أنهم لم يبدوا دعمهم له بأثر رجعي، وبالتالي فإن القرار غير مناسب، وقد ألغت المحكمة أمر الهدم، لكنها قررت أن الجيش يمكن أن يفكر في إغلاق غرفة في منزله، وقد تم ذلك بالفعل.

من بين القضاة العاملين حاليًا في المحكمة العليا الإسرائيلية، أعرب ثلاثة قضاة سابقًا عن موقف معارض لهدم منازل منفذي العمليات. ومع ذلك، فإن معظم القضاة يسمحون بهدم المنازل لأسباب أمنية ولتحقيق الردع. على سبيل المثال، رفض قضاة المحكمة العليا مؤخرًا التماسين ضد أمر الهدم الصادر عن قائد قيادة الجبهة الداخلية للشقة التي كان يعيش فيها عدي التميمي.

ورأى القضاة أن "القانون واضح ولا يحتاج إلى إعادة نظر ". لكن القاضي ميني مزوز، أبرز قاضٍ في المحكمة العليا، أصدر حكمًا مخالفًا للقانون التقليدي الذي يسمح بهدم منازل الفلسطينين، وقد كانت قضية هدم منازل منفذي العمليات أحد أسباب تقاعده المبكر من عمله في القضاء.

قال القاضي ميني مزوز بعد تقاعده: "اعتقدت أن هدم المنازل هو خطوة غير أخلاقية ومخالفة للقانون ومشكوك بفاعليتها. وبحسب رأيي، يتم هدم المنازل لإرضاء الرأي العام، حتى أن القيادة تعرف أن هذا ليس ما سيمنع الهجوم التالي"

وفي مقابلة أجرتها معه هآرتس بعد تقاعده، قال ميني مزوز: "اعتقدت أن هدم المنازل هو خطوة غير أخلاقية ومخالفة للقانون ومشكوك بفاعليتها. وبحسب رأيي، يتم هدم المنازل لإرضاء الرأي العام، حتى أن القيادة تعرف أن هذا ليس ما سيمنع الهجوم التالي".

ما هو جوهر الانتقادات الموجهة الى إغلاق وهدم البيوت؟

الانتقاد الرئيسي الموجه لهدم المنازل الذي تردده منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة هو أنه عقاب جماعي مخالف للقانون الدولي، لأن المتضررين من الهدم هم أفراد الأسرة وسكان المنزل وليس الشخص الذي تُنسب إليه العملية، الذي يواجه  بنفسه في الوقت ذاته محاكمة جنائية وسجنًا، إذا لم يُقتل أثناء الهجوم.

فحصت اللجنة العسكرية برئاسة اللواء أودي شاني ما إذا كان هدم منازل عائلات منفذي العمليات يحقق هدفه المتثمل بـ"ردع المزيد من الفلسطينيين من الضلوع في الهجمات". وفي النهاية توصل شاني إلى استنتاج مفاده أنه لم يتم إثبات أن الهدم ينتج عنه رادع فعال، إلا في حالات قليلة نسبيًا، وأن أضرار عمليات الهدم تتجاوز فائدتها، لأن الردع، الذي يقتصر على الحد الأدنى، لا يساوي الكراهية والعداوة التي تثيرها هذه الخطوة القاسية في أوساط الفلسطينيين.