04-سبتمبر-2018

يشكو آلاف المواطنين في مدينة غزة منذ عدة أشهر من غزو اتصالات دولية مجهولة المصدر لهواتفهم النقالة، مسببة لهم حالة من الخوف، سيما أن غالبيتها تصِلُهُم في ساعات متأخرة من الليل، وفي ساعات الصباح الباكر، وقد تزامنت مثل هذه الاتصالات مع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

الترا فلسطين حصل على شهادات عدة لمواطنين تلقوا اتصالات دولية، وتبين أنهم تعرضوا لسرقة رصيد هواتفهم النقالة بمجرد التفاعل معها، فيما انتشرت تحذيرات عبر مواقع التواصل من سرقة بيانات الهواتف حال التفاعل مع هذه الاتصالات.

اتصالات من أرقام دولية على هواتف فلسطينيين تنتهي بسرقة أرصدتهم فور التفاعل معها

المواطن محمد البنا (29 عامًا) تعرض لسرقة رصيد هاتفه فور تعامله مع أحد هذه الاتصالات، يقول إنه استيقظ في الصباح فوجد مكالمة فائتة وردت هاتفه عند الساعة الواحدة فجرًا، "في بداية الأمر اعتقدت أن أحد أصدقائي أو معارفي في الخارج قد اتصل بي. أعدت الاتصال بالرقم وعلى الفور تم فتح الخط بشكل آلي، أخذت أردد ألو.. ألو .. ألو دون أن يجيبني أحد فقطعت الاتصال، وبعدها تبين لي أن رصيد هاتفي قد نفذ بالكامل".

اقرأ/ي أيضًا: ذوو إعاقة: زيارة شركات الاتصالات في غزة هم مركب

المواطن شاكر اصليح (35 عامًا) تعرض أيضًا لحادثة مماثلة، إذ فقد رصيد هاتفه النقال بعد تفاعل مع اتصال دولي ورده في ساعات مبكرة من الصباح.

يقول شاكر: "تفاجأت بورود مكالمة دولية على هاتفي على غير العادة، للوهلة الأولى استغربت من ذلك، غير أني اعتقدت أن أحدًا في حاجتي ويود مني الاتصال به، وعند محاولتي معاودة الاتصال، أفادتني رسالة من شركة الاتصالات بنفاذ كامل رصيد هاتفي".

وأظهرت الشهادات التي اطّلع عليها الترا فلسطين أن أسلوب من يقفون خلف هذه المحاولات واحد، وهو إجراء اتصال سريع لا يتعدي ثانيتين ثم قطع الاتصال، طمعًا في قيام المتصل به بإعادة الاتصال، وهنا تتم عملية سرقة الرصيد آليًا بمجرد المحاولة.

وأظهر البحث عن مفاتيح بعض الأرقام الدولية المُستخدمة في هذه الاتصالات أن الأرقام مجهولة المصدر ولا تتبع أي دولة، فيما أظهرت بعض نتائج البحث أن أحد الأرقام من أفريقيا، ورقم آخر من كوبا.

جوال تحذر

تواصلنا مع شركة "جوال" ووضعنا أمامها مجموعة من الأسئلة في محاولة للفهم، كيف تتم هذه العملية؟ وما هي قدرات القراصنة على اختراق أنظمة الشركة أو هواتف المشتركين؟ وهل تتعدى أهداف العملية من سرقة الرصيد إلى سرقة بيانات المشتركين؟ لكن بعد ثلاثة أيام من الانتظار اعتذرت الشركة عن الإجابة المباشرة على أسئلتنا، وزوّدتنا برابط لأحد المقالات يتضمن إجراءات وقائية لحماية بيانات ومعلومات المشتركين.

ويُشير المقال إلى وجود مخاطر باتت تنتشر عالميًا بشكل ملحوظ وتُهدد مستخدمي تقنية الاتصالات الحديثة، كما يُحذر من التعاطي مع الاتصالات الدولية مجهولة المصدر، لأنها تهدف في حقيقة الأمر إلى سرقة رصيد الهواتف.

ويدعو المقال، المشتركين، في حال تلقيهم أي مكالمة للمسارعة والاتصال على مركز الاستعلامات وإبلاغها بها، ليتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لحجب مثل هذه المكالمات.

كما حذر المقال المشتركين من التعاطي مع الرسائل النصية SMS التي تظهر كأنها مرسلة من بنك أو مؤسسات تفيد بربح مبالغ مالية أو جائزة معينة، وعدم الرجوع كذلك باتصال على أرقام معينة، بحيث يتم طلب بعض المعلومات الخاصة (كرقم البطاقة الائتمانية، أو رقم سري).

ولفت المقال إلى أن الشركة لا تطلب معلومات المشتركين البنكية، أو الرمز السري الخاص، أو أرقامًا لبطاقات تعبئة الرصيد كجزء من أي عروض أو أي مكالمة هاتفية مع المشتركين.

اتفاقات مبطنة

سألنا مهندس الاتصالات هيثم شمالي عن الآلية التي تتم بها هذه العمليات، فأعرب عن اعتقاده بأن الذي يحدث هو اتفاقات مبطنة أشبه بالقرصنة مع بعض الشركات خارج البلاد لإجراء اتصالات دولية فيكون لكلا الطرفين نصيب من المال، مبينًا أن هناك طرق شبيهة بهذه العملية وعلى غرارها.

وعن إمكانية سرقة بيانات الهواتف النقالة بمجرد تلقي اتصال أو معاودة الاتصال بهذه الأرقام، قال شمالي: "بخصوص شبكات الـGSM يستحيل فعل ذلك بسبب أن الاتصال الصوتي يكون بتقنية الـCS ولا يمكن في نفس الوقت فتح قناة PS في ذات الاتصال، إضافة لبطء سرعات الـPS، وهذا الأمر يُصعب عملية زرع برامج مخفية في جهاز الضحية".

أما شبكات الجيل الثالث (3G) والجيل الرابع (4G)، فقد تمنح - وفق شمالي - إمكانية فتح قناة PS بسرعات عالية وتتيح المجال لزرع برامج في جهاز الضحية، مبينًا أن من يسعى لسحب بيانات وأغراض أمنية يلجأ إلى استخدام هذه الطرق.

تقنيات الجيل الثالث والجيل الرابع تُتيح زرع برامج في جهاز الضحية من خلال الاتصال به

وعن إمكانية تتبع مصدر المكالمات، أوضح شمالي أن الرقم الذي يظهر بشكله الكامل يمكن تتبع مصدره، "لكن لا أدري إن كان بالإمكان معاقبتهم بالقانون"، مُبينًا أن أبسط طريقة لمواجهة هذه الظاهرة هو استخدام برامج حظر المكالمات بناء على جهة الاتصال.

ولاستخدام أكثر أمنًا للهاتف، نصح شمالي المشتركين باستخدام قاعدة خدمات مغلقة إلّا التي يحتاجها، "فمثلاً لاحاجة لخدمة الاتصال الدولي لمن لا يتعامل به، ولاحاجة لخدمة التجوال إلاوقت الحاجة".

مسؤولية مشتركة

ولمواجهة هذه الظاهرة، فإن هناك مسؤولية مشتركة - كما يُبين المختص في أمن وتقنية المعلومات أشرف مشتهى - تقع على عاتق المواطن وشركات الاتصالات، مؤكدًا أنه يتوجب على الشركات حجب مصادر هذه الأرقام تمامًا، بحيث تمنع تحقيق الاتصال مع المشتركين بالكامل.

وأضاف، "وفي الطرف الآخر يجب على المشتركين عدم التعاطي مع مثل هذه الأرقام بأي حال من الأحوال، ووجوب قيامهم بإبلاغ مزودي خدمات الاتصالات المختلفة بهذه الأرقام التي تتصل عليهم بشكل دوري، كي تقوم بحجبها".

ودعا مشتهى إلى استخدام البرامج الموثوقة التي توفر خاصية الأمان للحفاظ على سرية وخصوصية البيانات الخاصة بالاتصالات، واستخدام البرامج التي تقوم بحجب الاتصالات المزيفة والتي تتم باستخدام الأرقام الدولية المختلفة.


اقرأ/ي أيضًا:

شركات الاتصالات الإسرائيلية تُغطي الضفة بالكامل قريبًا

تخفيض أسعار خط النفاذ.. محتجون: هروب للأمام

شركات الاتصالات.. السلطة الرابعة