07-يناير-2019

التدقيق في التفاصيل التي نشرتها وسائل الإعلام العبرية حول اعتقال المستوطنين الإرهابيين الذين ألقوا الحجارة على سيارةٍ فلسطينيةٍ؛ وقتلوا السيدة عائشة الرابي في الضفة الغربية، يوضح أهم سمات تنظيم "تدفيع الثمن" الإرهابي، وأساليب عمله، ومدى نفوذه في أروقة الحكم داخل إسرائيل، ومدى التعاطف الذي يحظى به الإرهابيون في المجتمع الإسرائيلي.

المراسل العسكري للقناة العاشرة أور هيلر، عرض العملية الإرهابية بوصفها "كمينًا"، قائلاً إنها قضية الإرهاب اليهودي الأخطر منذ قتل أسرة دوابشة في قرية دوما صيف عام 2015. المعطيات تُفيد أنه في يوم الجمعة بتاريخ 12 تشرين أول/أكتوبر، عند الساعة العاشرة ليلاً، سافر الزوجان الفلسطينيان يعقوب وعائشة الرابي، بسيارتهما من الخليل  نحو قرية بديا، وبعد مئات الأمتار من حاجز "مفرق تفواح" قرب نابلس، تعرضت الأسرة الفلسطينية لـ"كمينٍ" تخللته رشقةٌ ثقيلةٌ من الحجار، وبعد أن وصلت سيارتهم عيادة حوارة، كانت عائشة الرابي قد ماتت متأثرة بجروحها، وعلى الفور اشتبه زوجها بالإرهاب اليهودي.

"الشاباك" وشرطة الاحتلال استجابا لطلب حاخامات بعدم اعتقال قتلة عائشة الرابي فور قتلها

المكان الذي وقع فيه الهجوم الإرهابي، يقع تحديدًا بجوار مستوطنة "راحليم"، وهي أحد معاقل الإرهاب اليهودي. في ذلك الوقت من اليوم، لم يتواجد في المنطقة إلا المستوطنين والجنود، ولذلك كان واضحًا لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" أن الحديث يدور عن عمليةٍ إرهابيةٍ نفذها يهود. وبما أن أقرب مستوطنة من مكان الجريمة هي مستوطنة "راحيليم"، فقد كان بالإمكان مراجعة تسجيلات الكاميرات المثبتة على مدخل المسوطنة ومحيطها، وبالتالي اعتقال الإرهابيين بعد ساعاتٍ على أبعد تقدير.

الإذاعة العبرية العامة، كشفت -أمس الأحد- أن "الشاباك" والشرطة استجابا لطلب الحاخامات بعدم تنفيذ اعتقالاتٍ في المستوطنة إثر العملية، حتى لا يتم انتهاك حرمة السبت التي تدخل حيز التنفيذ مساء الجمعة، ولكن مجموعةً من قيادة تنظيم "تدفيع الثمن" انتهكت حرمة السبت بناءً على فتوى من كبار الحاخامات، وهو أمرٌ نادر، فجاءت بالسيارة من مستوطنة "يتسهار" إلى مستوطنة "راحليم".

توقعت الإذاعة أن يتم الإفراج عن القتلة، لأن معظم الملف الذي طرحه "الشاباك" أمام القضاء مبنيٌ على معلوماتٍ استخباريةٍ وليس اعترافات وأدلة تسمح بإدانتهم بالقتل.

المجموعة التي وصلت من مستوطنة "يتسهار"، أبرز أفرادها، الإرهابي مئير اتنغر، وهو يترأس المجموعة الأكثر تطرفًا داخل "تدفيع الثمن"، باعتباره تنظيمًا يطبق اللامركزية في تنفيذ العمليات، وحتى من الناحية الفكرية، فهو رغم وجود هيكليةٍ تنظيميةٍ تؤهل العناصر والمجموعات لتنفيذ الاعتداءات، وتمنحها الرعاية القضائية بعد الاعتقال، إلا أنه يسمح بوجود مجموعاتٍ مغلقةٍ تم اعتبارها تنظيماتٍ صغيرةٍ تتفق معه فقط في استهداف الفلسطينيين، وتختلف عنه في رفض الفكر الصهيوني باعتباره فكرًا علمانيًا.

"مجموعة يتسهار" بمجرد وصولها إلى "راحليم"، أخضعت طلبة مدرستها الدينية لتدريباتٍ مكثفةٍ تؤهلهم للصمود والتزام الصمت ورفض الإجابة على أي تساؤل يُطرح عليهم خلال التحقيقات التي من المتوقع أن يجريها "الشاباك". وكان المتحدث الرئيسي في تلك الدروس، الإرهابي المذكور أعلاه أتنغر، علمًا أنه تعرض للاعتقال عدة مراتٍ بسبب صلته بعملياتٍ إرهابيةٍ من بينها حرق وقتل أسرة دوابشة، وحرق كنسية داخل الخط الأخضر، وقد تم الإفراج عنه بحجة أنه التزم الصمت خلال تحقيقات "الشاباك"، ولعدم كفاية الأدلة.

لم يتعرض أي مستوطنٍ للاعتقال على خلفية الكمين القاتل خلال الشهور الثلاثة التي أعقبته، وهي فترة كافية لتدريب الإرهابيين على إخفاء الحقائق والأدلة. قبل أن يُعلن "الشاباك" اعتقال ثلاثة صبية بناءً على معلومات استخبارية تُفيد بأنهم نفذوا الجريمة.

قتلة عائشة الرابي تدربوا على التزام الصمت في التحقيقات وإخفاء الأدلة، وتحت هذه الذريعة سيتم الإفراج عنهم

بعد الإعلان عن اعتقال القتلة، شن اليمين الإسرائيلي هجومًا لاذعًا ضد "الشاباك"، شارك فيه كبار الحاخامات، إذ نشر الحاخام دفيفد دروكمان -وهو المرجعية الدينية لأحزاب تيار الصهيونية الدينية- شريط فيديو، طالب فيه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو بإصدار تعليماتٍ فورية بالإفراج عن المعتقلين، وذلك بالتوازي مع تظاهراتٍ شارك فيها المئات من المستوطنين، بعضها نظمت في محيط مقر نتنياهو، وأخرى تخللها إغلاق مداخل القدس.

وللرد على الهجوم الذي تعرض له، نشر جهاز "الشاباك"، فيديو، يُظهر أن المجموعة التي قتلت عائشة الرابي كانت تُحرق أعلام إسرائيل في طقوسها، وتكتب "الموت للصهانية"، وترسم شعار النازية، وهذا يشير إلى أن أفرادها ينتمون إلى تنظيم "تمرد" الذي يعتبر اتنغر مُنظّره الرئيسي.

وتتراوح أعمار عناصر "تمرد" بين 16 - 30 عامًا، وهو يؤمنون بعدة مبادئ: إعادة "مملكة إسرائيل" لتسود على كل "أرض إسرائيل الكاملة"، وإقامة "الهيكل" مجددًا على أنقاض المسجد الأقصى، وطرد العمال الأجانب من المسلمين والمسيحيين وكل من لايؤمن  بـ"آله اليهود."

ويرى عناصر "تمرد"، وفق ضابطٍ سابق في "الشاباك"، أنه لدى إسرائيل نقطة ضعف يجب ضربها لدفعها إلى الانهيار، ثم استبدالها بـ"مملكة إسرائيل"، عبر مهاجمة العرب، بحيث يؤدي الأمر إلى عزل "دولة إسرائيل" دوليًا، ثم تدمير المسجد الأقصى حتى تندلع حربٌ مع العالم العربي.


اقرأ/ي أيضًا: