25-أكتوبر-2018

ينتشر في قطاع غزة نوعان من عملة الدولار، "جديد وقديم"، وتتفاوت بناء على ذلك أسعار صرف هذه العملة لدى محلات وشركات الصرافة، ما أنتج أزمات وخلافات بين المواطنين أنفسهم، ومع تُجار العملة والبنوك. هذه الظاهرة لن تراها إلا في قطاع غزة، فالدارج حول العالم هو استبدال العملات التالفة والقديمة بعملات جديدة أولاً بأول، إلا أن البنوك في قطاع غزة ترفض تحمل أعباء ذلك، ما أبقى على عملات قديمة وتالفة بين أيدي المواطنين، وأوجد سعرين لذات العملة في ذات الوقت والمكان.

ولا يُمكن التقليل من حجم هذه الأزمة في بقعة تتقاضى نسبة كبيرة من موظفي القطاع الخاص فيها رواتبهم بالدولار، إذ يجد هؤلاء عند تصريف العملة إلى الشيكل أن الفارق يصل إلى 20 شيكل في كل 100 دولار، ما يؤثر سلبًا - تحديدًا - على أصحاب الدخل المحدود منهم. هذا بعد أن ترفض محلات صرافة عديدة تصريف هذه العملة بأي سعر.

بنوك غزة ترفض استقبال الدولار القديم من عملائها عند الإيداع لكنها تدفعه لهم عند السحب

وعلم الترا فلسطين أن البنوك في غزة ترفض استقبال الدولار الأخضر القديم في حال أراد العميل إيداعه في حسابه، لكنها في حال أراد السحب من حسابه فإنها تدفع له المبلغ المطلوب من الدولار القديم.

اقرأ/ي أيضًا: التكييش يغزو الأسواق مسببًا خسائر فادحة

تعود هذه الأزمة وفق الخبير الاقتصادي معين رجب إلى الحصار المتواصل منذ أكثر من 10 سنوات لقطاع غزة، وإغلاق جميع المعابر ومنع الحركة والسفر لأوقاتٍ طويلةٍ من هذه السنوات، "فمحدودية حركة أهالي القطاع وتنقلهم خارجه كدّس العملات القديمة والتالفة، كما أن بعض البنوك في غزة تُدقق في العملات التي تردها وتُفضل العملات الجديدة، وهذه سلوكيات شخصية غير صحيحة جعلت الصرافين يحذون حذوهم، نظرًا لأنها تحقق منافع كثيرة" كما قال.

يُضيف الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة سببًا آخر أنتج هذه الأزمة، "فالأمر له علاقة بإدخال إسرائيل للعملة الجديدة واستقبالها للعملة القديمة من الدولار، وذلك حسب اتفاق باريس الذي ينص على أن تأخذ إسرائيل جزءًا من الشيكل وتحوله إلى دولار، أو جزءًا من الدولار وتحوله إلى شيكل حسب ما هو متوفر في البنوك الفلسطينية".

وتابع، "إسرائيل تعيق هذه العملية، كما أنها تعيق استبدال الشيكل بالدولار أو العكس، هذا أوجد فائضًا في البنوك من العملة القديمة، والبنوك تصرفها للمواطن الذي يتحمل أعباء المشكلة وحده".

يشرح صاحب محلٍ للصرافة في غزة آلية احتساب صرف هذه العملات مبينًا أن الأمر يستند إلى الورقة وصلاحيتها، إذ يتراوح الخصم من 1 شيكل إلى 5 شواكل مقابل كل 100 دولار، "لكن في حال كان الدولار مهترئًا وأصابه تلفٌ شديد أو كان ممزقًا فالخصم يصل إلى 20 شيكل.

تصل خصومات محلات الصرافة بغزة إلى 20 شيكل مقابل كل 100 دولار قديمة أو تالفة تصرفها

ويبيّن أنه بعد شراء الدولار من المواطنين يتم ترحيله إلى الضفة الغربية وإيداعه في البنوك التابعة لسلطة النقد؛ حتى يتم استبداله من إسرائيل، مضيفًا أن خصم 2 شيكل على المئة دولار في حال أصابها الضرر هي تكلفة ترحيله إلى الضفة الغربية، "وفي حال كان الدولار الأخضر القديم نظيفًا فيُصرف دون خصومات مثل الدولار الأزرق الجديد".

اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات "الشيكات البنكيّة"

يعتقد الخبير رجب بضرورة إيجاد رقابةٍ حقيقيةٍ وكاملةٍ من إدارة الرقابة على البنوك، وتوجيه تعليماتٍ صريحةٍ لها بالتوقف عن رفض استقبال العملات القديمة، معتبرًا أن هذا كله يندرج في إطار الأزمات الناتجة عن حالة الانقسام التي يستفيد منها البعض.

يؤكد أبو مدللة أيضًا على ذلك، مبينًا أن سلطة النقد تتحمل المسؤولية عن ما يحدث بسبب غياب رقابتها على البنوك ومحلات الصرافة، لكنه رأى في الوقت ذاته أن إجراءات البنوك تعود إلى الضغوط التي تمارسها إسرائيل عليها بعدم استلام هذه المبالغ أو استبدالها، مستفيدة بذلك من الانقسام.

والخصم من قبل محلات الصرافة، مسألة تقديرية تتوقف على حالة السوق ورغبة الصراف، إذ أوضح رجب أن الأمر شخصي غير مرتبط بسياسة محددة، بل مرهون باجتهاد موظف الصراف في رغبته الحصول على أكبر مكسب ممكن.

ويُعلق أبو مدللة بأن الصرافة بهذه الآلية "فيها استغلالٌ لحالة المواطن الذي يكون بأمس الحاجة لكل شيكل". ويضيف، "هذه الأزمة تُنتج أيضًا ظلمًا حين يحصل الشخص على الدولار القديم كاسترداد دين أو بدل إيجار، بالتالي فإن ما يُخصم عند تصريف العملة سيظلم أحد الطرفين ويُؤدي لاختلافهما.

أزمة الدولار القديم أنتجت مشاكل بين الناس عند استرداد الديون أو الحصول على بدل الإيجار

تظهر هذه المشكلة أيضًا عند استلام الحوالات المالية من الخارج أو إرسالها، إذ يكون الفارق بين المبلغ الذي يتم تحويله وبين ما يتم صرفه كبيرًا.

ويرى رجب أن سلطة النقد تستطيع حل المشكلة بالضغط على الجهاز المصرفي لإصدار تعليماته والعمل على حل المشكلة بسرعة، ومن خلال وضع قوانين تضبط عمل البنوك وتحدد سعر صرف عملة الدولار في محلات الصرافة، لمنع استغلال حالة الموظف بغزة، وحفاظًا على القيمة المالية للعملة.

الترا فلسطين تواصل مع محافظ سلطة النقد عزام الشوا للحصول على إجابات لأسئلة محددة في هذه القضية، لكنه امتنع عدم الرد، فيما أبلغتنا العلاقات العامة بسلطة النقد أن الشوا يكتفي بما أوضحه في مقاله الذي نشره خلال محاولتنا التواصل معه.

وقال الشوا في مقاله على موقع سلطة النقد إن سلطة النقد تُلزم المصارف والصرافين في مناطق السلطة عامة باستبدال الدولار ذو الطبعة الجديدة دون أي عقبات أو تسعيرة مختلفة، مضيفًا أن سلطة النقد استبدلت الدولار التالف ومن الفئات القديمة في قطاع غزة مؤخرًا، وأدخلت ما يلزم من عملة الدولار ذو الطبعة الحديثة.

ورغم أقوال الشوا إلا أن الوقائع تُخالف ذلك، فالدولار القديم لازال موجودًا بقوة في أيدي الناس والصرافين وحتى في خزنات البنوك التي لا زالت تدفعه للعملاء عند حصولهم على أموالهم منها.


اقرأ/ي أيضًا:

ثورة آلات صناعية بالضفة.. هل تهدد الأيدي العاملة؟

ملايين الدولارات خسائر غزة بخداع الربح على الانترنت

الضفة: محلات إلكترونية تسرق زبائنها