26-يناير-2016

أغلب أهالي غزة يحرصون على الإبقاء على حالة الهدوء(كريستوفر فورلنغ/Getty)

يقول أحدهم إن الفلسطينيين في قطاع غزة يعيشون استراحة بين حربين، ذلك أن إسرائيل لا تتوانى عن شن عملية عسكرية على القطاع بين فترة وأخرى للقضاء على صواريخ المقاومة. وهذه باتت حقيقة مجردة على أساس أن المدة الممتدة ما بين عامي (2008-2014) شهدت ثلاث عمليات عسكرية موسعة على غزة، (أي بما يعادل مواجهة كل عامين).

ما بين عامي 2008 و2014 حصلت 3 عمليات عسكرية موسعة على غزة، أي بما يعادل مواجهة كل عامين

صحيح أن الواقع يعطي دلالة قوية على أن طرفي الصراع (إسرائيل والمقاومة) ليسا في حاجة لمثل هذه المواجهة الآن على الأقل، لاعتبارات متعددة من بينها عدم رغبة إسرائيل فتح جبهة على حدود القطاع في ظل استمرار حالة التوتر على الحدود مع الجولان ولبنان، كما لا يرغب الفلسطينيون بلفت الأنظار عن انتفاضة القدس، وهم لم ينتهوا بعد من إعادة إعمار غزة جراء المواجهة الأخيرة (يوليو/تموز 2014). ورغم ذلك، لا أحد يضمن عدم توجه أحد الطرفين نحو المواجهة قسرًا على ضوء حالة "التسخين" القائمة اليوم.

وتؤكد المعطيات الميدانية، أن المواجهة شر لابد منه بالنسبة للطرفين، خصوصًا أن إسرائيل تقوم الآن بإجراء مناورات عسكرية كبيرة في منطقة بئر السبع للتدرب على مواجهة عناصر المقاومة واقتحام غزة، فضلًا عن نشرها في الحادي والعشرين من هذا الشهر، بطاريات اعتراض الصواريخ المحلية على الحدود مع غزة. فيما لاتزال تواصل قوى عسكرية كبرى في غزة ككتائب القسام وسرايا القدس، تسلحهما وتعززان من قدراتهما الصاروخية، تحسبًا لمعركة عنيفة قد تندلع في أي وقت، على ضوء عدم التزام الاحتلال بتفاهمات التهدئة المبرمة في آب/أغسطس 2014، والتي من بينها رفع الحصار عن غزة والسماح بإقامة ميناء ومطار.

أضف إلى ذلك، أن استمرار رسائل التحريض عبر الإعلام العبري ضد فصائل العمل المقاوم في هذا التوقيت، يعزز قناعة سابقة أن إسرائيل حينما ترغب بتهيئة جبهتها الداخلية بالنزول إلى الملاجئ، تبدأ بتمرير رسائل من هذا النوع، ولنا في العمليات العسكرية السابقة خير مثال.

 الدافع الأساسي وراء العمليات العسكرية الواسعة لإسرائيل ضد غزة هو اختبار قدرات الأجنحة العسكرية الفلسطينية واستنزاف مخزونها الصاروخي

على أية حال، الساحة الآن مفتوحة على احتمالات متعددة، وهي مهيأة حقيقةً للتصعيد على إثر الأزمة الإنسانية والخانقة المالية التي يعانيها القطاع بفعل الحصار المطبق، غير أننا على الأرجح سنبقى أمام ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: استمرار حالة الهدوء النسبي مع غزة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التزام إسرائيل بالاستقرار وعدم الاندفاع وراء اجترار المواجهة باستفزاز قوى المقاومة، وكذلك ممارسة الفصائل الفلسطينية سياسة ضبط النفس تجاه عمليات التمشيط الروتينية التي تجري على الحدود، انسجامًا مع رغبة السواد الأعظم من أهالي القطاع وخصوصًا أولئك الذين هدمت أو تضررت منازلهم خلال العدوان الأخير، بالإبقاء على حالة الهدوء.

السيناريو الثاني: إقدام إسرائيل على اغتيال أي من قيادات المقاومة، وهذا بمثابة إشعال فتيل الحرب، لاسيما أن الأذرع العسكرية الفلسطينية لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أمر كهذا لأنه سيضعها في موقف محرج أمام الشعب بألا ترد على أي اختراق كبير لقواعد التهدئة. وفي هذه الحالة سيصعب توقع مستوى دائرة النيران لأنها ستكون الأشرس والأعنف، حيث أن إسرائيل هددت وفي أكثر من محفل بأن الحرب الجديدة على غزة ستبدأ من حيث انتهت، في إشارة إلى العودة مجددًا إلى قصف الأبراج السكنية، ليشكل ذلك رداعًا لرجالات المقاومة للكف عن إطلاق الصواريخ التي لا يعلم أين يصل مداها اليوم.

السيناريو الثالث: حصول تغيرات إقليمية تحول دون العودة للمواجهة، حيث إن الأنظار تتجه الآن صوب أنقرة التي اشترطت رفع الحصار عن غزة بمقابل تحسن العلاقة مع تل أبيب. ويدور الحديث في أوساط حماس، عن طرح ممر مائي عائم برقابة دولية يربط غزة بأنقرة بديلاً عن إقامة ميناء. غير أن هذا تأويل ضعيف، لأن إسرائيل لن تسمح بأن تخرج غزة من عنق الزجاجة حتى لا تفقد السيطرة على منافذ القطاع أو التحكم الكامل فيه.

خلاصة القول، لابد أن نعي أن إسرائيل لن تسمح باستمرار تطور سلاح المقاومة، وأن الدافع الأساسي وراء العمليات العسكرية الواسعة ضد غزة بين الحين والآخر، اختبار قدرات الأجنحة العسكرية الفلسطينية خصوصًا (كتائب القسام-سرايا القدس) واستنزاف مخزونها الصاروخي. كما لابد أن ندرك أنه حتى وإن طرأ تغير إقليمي أو دولي يخدم غزة ويحقق انفراجة على صعيد الحصار خلال هذه المرحلة، فهو لن يحول دون تجدد المواجهة ولكنه يضمن تأجيلها على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا:

عن أي حصار يتحدث الغزيون؟

الحصار باقٍ ويتمدد.. غزة بلا حِرَف