27-مايو-2019

ABBAS MOMANI/Getty Images

تردد مؤخرًا أنّ السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ردد هذه العبارة مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون ودوليون. وزاد عليها المسؤولون الفلسطينيون أن "القادم أسوأ"، دون أن يقدموا إيضاحات عن الأسباب التي تنذر بالسوء القادم، والتي يمكن أن تصل حدّ انهيار السلطة الفلسطينية. فما الذي دفع إلى افتراض انهيار السلطة؟

      مسؤولون سياسيون يتحدّثون مؤخرًا عن انهيار السلطة..  لماذا هذا الافتراض؟    

وفقًا لما تتداوله بعض الدوائر المغلقة، فإنّ هذا التوقّع مبنيّ على موازنة السلطة الفلسطينية المرصودة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فقيمة الموزانة في أيار وحزيران تقدّر بـ712 مليون شيكل شهريًا، وفي شهر تموز القادم تقدّر بـ 651 مليون شيكل، أي أن موازنة السلطة خلال الأشهر الثلاثة القادمة ستبلغ 2075 مليون شيكل، ونسبة العجز بموازنات هذه الأشهر الثلاثة (أيار/ حزيران/ تموز) ستبلغ 1211 مليون شيكل، بعجز تقدّر نسبته بحوالي 58% من مجمل موازنة الأشهر الثلاثة، وهذا العجز يتم تغطيته من موازنة الطوارئ لدى وزارة المالية، ومن خلال القروض التي حصلت عليها السلطة من البنوك وتم جدولتها على عدة أشهر. وموازنة الطوارئ ستنفذ في نهاية شهر تموز/ يوليو القادم. أمّا البنوك فآخر دفعة بالقرض الذي حصلت عليه السلطة سيكون بذات التاريخ، وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية لن تكون بعد ذلك التاريخ قادرة على تغطية قيمة نصف الراتب، وقد تسير نسبة العجز نحو انحدار شديد يعرّضها بعد هذا التاريخ بقليل، للانهيار.

تحاول السلطة بشتى الطرق تجاوز الحصار الماليّ بخيارات تتيح لها البقاء على قيد الحياة، ومن ضمن ما اقترح فلسطينيًا في اجتماع المانحين مؤخرًا، كخيار لتجاوز مؤقت للأزمة، أن لا تقوم إسرائيل بأخذ ثمن الوقود الذي تزوّد به محطات الوقود الفلسطينية، وأن تقوم السلطة بجمع هذه الأموال من محطات الوقود، خاصة أن قيمة الوقود المستهلك في الضفة الغربية تبلغ قيمته ما تقدر نسبته 40% من قيمة فاتورة المقاصة، واتباع هذا الحل من شأنه أن يؤدى إلى إطالة عمر السلطة، ويمكّنها من الإبقاء على دفع  جزء من رواتب الموظفين العمومين إلى أن يتم حلّ الأزمة، وهذا ما رفضته "إسرائيل". 

السلطة الفلسطينية ما تزال تتشبّث بالحياة إلى آخر نفس، وحتى اللحظة على ما يبدو، ليس ثمة قرار أمريكي أو إسرائيلي بإنهاء وجودها، لأن ذلك يعني تحمّل "إسرائيل" لتكلفة الاحتلال. لكنّ تل ابيب وواشنطن تريدان سلطة فلسطينية في أضعف حالاتها، حتى لو اقتربت من الموت السريري، وفي هذه الظروف ستزداد الضغوطات المفروضة على الفلسطينيين لقبول "صفقة القرن".

    السلطة تتشبّث بالحياة لآخر نفس، وتحاول بشتى الطرق تجاوز الحصار الماليّ    

في ذات الوقت، يصرّ الرئيس محمود عباس على الاستمرار برفض قبول استلام أموال المقاصّة بعد الخصم الإسرائيليّ، وثمة تعاطف شعبيّ مع القرار الرافض لقبول الأموال المنقوصة، إضافة لعدم خروج مسيرات شعبية ضاغطة على السلطة فيما يخصّ أمر الرواتب، وهو أمر قد يكون فاجأ الدوائر الأمريكية والإسرائيلية من حيث القدرة الفلسطينية على الصمود، كما فاجأها قرار رجال الأعمال الفلسطينيين حتى المقربين منهم من الولايات المتحدة، برفض المشاركة في ورشة البحرين الاقتصادية. 

من غير المستبعد وفق هذه الحالة، أن يقرر عباس في نهاية شهر تموز، حلّ السلطة الفلسطينية إذا ما قررت الولايات المتحدة المضيّ قدمًا في "صفقة القرن". وحل السلطة هو الخط الأحمر الذي تخشاه "إسرائيل" والولايات المتحدة وستعملان على مقاومته. 

   من المهم هنا أن يخرج أبو مازن بخطاب صريح  

إذن، فالسلطة الفلسطينية تقف على مفترق طرق، وفرص حلّها أو انهيارها أو دخولها مرحلة الموت السريري هي ذات احتمالية عالية ما لم تبرز حلول عملية تمكّن السلطة من التنفس قليلًا. ومن المهم هنا أن يخرج أبو مازن بخطاب صريح إلى الشعب الفلسطيني يضعه أمام الصورة الحقيقية للسلطة؛ ماليًا وسياسيًا، ويعرض الخيارات التي يمكن أن تحدث، فمن حق الجمهور الفلسطيني أن يطلع على حقيقة الواقع، لا أن تبقى المعلومات تُقدّم بالقطارة.


اقرأ/ ي أيضًا: 

سلطة مُقاصة

كنسوا شوارع البحرين

مات المعلم الذي صار صديقي