هل تنهي مفاوضات شرم الشيخ الحرب على غزة؟
8 أكتوبر 2025
في مدينة شرم الشيخ المصرية، شرع الأطراف الفاعلة هذا الأسبوع في جولة مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، تحت رعاية مصرية وقطرية وتركية، وبمشاركة أميركية عبر مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، والسّعي المركزي هو التوصّل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وإطلاق عمليات تبادل الأسرى، وانطلاق مرحلة إعادة الإعمار، في إطار خطة أميركية من عشرين نقطة أُعلِن عنها الرئيس دونالد ترامب في 29 أيلول/سبتمبر 2025.
تظهر هذه الجولة بأنها أكثر من مجرد محاولة دبلوماسية عابرة؛ فهي تتزامن مع ضغط دولي متزايد على وقف الحرب، ومع مأساة إنسانية تكبر يومًا بعد يوم في غزة، طالما انتظرت خطوة صادقة تضع حداً لتدمير البنى التحتية وشرخ الثقة المستحكم بين الجانبين.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل تكون شرم الشيخ نقطة التحوّل التي تُنهي حرب غزة، أم مجرّد محطة أخرى في مسار تفاوضي هشّ، تُكتَب فيه الوعود بالحبر ويُمحى أثرها بالنار؟
تنص الخطة الأميركية على إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية داخل غزة، إلى جانب نزعٍ تدريجي لسلاح حماس، وفرض إشراف دولي مؤقت على إدارة القطاع خلال مرحلة انتقالية يُفترَض أن تمتدَّ لستة أشهر على الأقل، المطلوب كذلك هو أن تكون خطوات الانسحاب والتسوية مقرونة بضوابط زمنية واضحة ومُلزِمة، وليس مجرد وعود غامضة.
إضافة إلى ذلك، يُفترض أن يُبدأ التبادل الفوري للأسرى والمحتجزين، سواء الأحياء منهم أو الجثث، في أعقاب قيود وقف إطلاق النار الأولية، على أن تليها خطوات الإصلاح والإعمار والتنمية.
لكن في الواقع العملي، يُثير إشكالية حول كيفية ترجمة هذا الإطار إلى واقع ملموس، ويبعث العديد من النقاشات: ما هو المعيار الذي يُحدِّد "إعادة انتشار" مقابل "انسحاب كامل"؟ وما هي الجهة التي ستشرف على تنفيذ هذه الخطوات؟ وما مدى قدرة الكيانات الدولية على فرض التزامات على كل الأطراف؟
تضع إسرائيل والولايات المتحدة ملف تبادل الأسرى واستعادة جميع المحتجزين في طليعة أولوياتهما، معتبرين أن هذا الملف يمكن أن يكون بوابة لبناء ثقة في المرحلة الأولى من التسوية. بالمقابل، ترى الفصائل الفلسطينية أن هذا الملف هو أحد الأوراق القليلة التي ما زالت في يدها، حيث تعتبر أن تنفيذ أي تبادل غير مشروط بوقف فعلي للعدوان وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية سيقود إلى استغلال التنازلات من جهتها دون ردّ.
إشكالية أخرى تُطلّ في أفق الصراع هي ما إذا كان الانسحاب الإسرائيلي سيعني مجرد إعادة انتشار جزئي داخل القطاع، أم انسحابًا فعليًا، لا مجرد "تحريك آليات عسكرية" كما لمح إليه ترامب خلال حديثه عن "إعادة انتشار جزئي"، هذا الغموض في الصياغة يُثير مخاوف من أن الاتفاق المقترَح قد يكون في المحصلة هدنة مؤقتة لا أكثر، وليس تسوية نهائية تُغيّر الواقع.
فيما تُشكّل ثلاثة ملفات مركزية عُقدة هذه الجولة: نزع السلاح، وهو أمر تعتبره إسرائيل شرطًا لبقاء الهدنة، بينما ترفضه حماس باعتباره مساسًا بـ"حق المقاومة"، وكذلك إدارة غزة بعد الحرب: واشنطن تطرح صيغة "إدارة انتقالية بإشراف دولي" تضم شخصيات فلسطينية مستقلة، يرأسها توني بلير، فيما تصرّ حماس على اعتبار الأمر قضية فلسطينية، تناقش في إطار وطني جامع، وأيضًا إعادة الإعمار والتمويل: الدول المانحة، وفي مقدّمتها الاتحاد الأوروبي، تضع شروطًا صارمة لضمان الشفافية ومنع تسرب الأموال إلى الأنشطة العسكرية، بينما تخشى الفصائل أن يتحول الإعمار إلى ورقة ابتزاز سياسي جديدة.
وتُقدّر تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي تكلفة إعادة إعمار غزة بنحو 50 إلى 53 مليار دولار خلال العقد المقبل، وسط تحذيرات من أن استمرار القتال سيضاعف الكلفة ويمدّد أمد التعافي إلى ما بعد عام 2040.
كما أن تاريخ تعامل نتنياهو مع التزاماته، إلى جانب مواقف سابقة لترامب، يُثير القلق من أن الأطراف قد تتخلّى عن الاتفاق بمجرد تحقيق مصالح مرحلية، خصوصًا بعد استعادة ملفات الأسرى، ما يعيد إلى ذهن الفصائل أن ورقة الأسرى هي الضامن الوحيد لجزء من التوازن في العلاقة التفاوضية.
في الوقت الذي تُجرى فيه المفاوضات، تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وبنفس الوتيرة السابقة، ما يُلقي بظلال ثقيلة على مصداقية النوايا الإسرائيلية، لذلك فإن تواصل القتال بالتوازي مع التفاوض يهدّد بإفشال أي تقدم سياسي، لأن الميدان – وليس القاعات – هو ما سيحسم مدى التزام الأطراف.
وتمثل مفاوضات شرم الشيخ الحالية اختبارًا للإرادة لا للنوايا، فهي أقرب إلى فترة استراحة بين جولات النار منها إلى سلام شامل، نجاحها مشروط بقدرة الوسطاء على فرض ضمانات متبادلة قابلة للتنفيذ، لا سيما في ما يتعلّق بالانسحاب الإسرائيلي وتدفق أموال الإعمار.
أما الفشل، فسيعني عودة الحرب بأشكال أكثر ضراوة، وقد يكرّس واقع الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة والضفة لسنوات قادمة، وفي الوقت نفسه، فإن المواطنين في غزة الذين عاشوا عشرات الأشهر تحت القصف والدمار لن تنتظر اتفاقًا يظل حبرًا على ورق.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تكون شرم الشيخ نقطة التحوّل التي تُنهي حرب غزة، أم مجرّد محطة أخرى في مسار تفاوضي هشّ، تُكتَب فيه الوعود بالحبر ويُمحى أثرها بالنار؟
الكلمات المفتاحية

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟
التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية

إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟
في أيار/مايو 2025، قررت الحكومة الإسرائيلية "إبطال" عمليات التسوية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، والبدء بتنفيذ مشروع تسوية شامل لتسهيل التوسع الاستيطاني

التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي
بينما لا يزال الجيل الأكبر سنًا في هذه الجماعات يعبر عن دعم قوي لإسرائيل، يظهر بين الشباب ما يشبه حالة الفتور أو الانفصال العاطفي عن العلاقة التقليدية

الضفة: حملة اعتقالات واسعة وهدم منتزه في بلدة القبيبة بالقدس
شنت قوات الاحتلال اليوم الخميس حملة اعتقالات واسعة في مدن الضفة الغربية، تركزت في بلدة دورا جنوبي الخليل

مستوطنون يحرقون أجزاءً من مسجد في سلفيت ويخطّون شعارات عنصرية
أفادت محافظة سلفيت بإقدام مجموعة من المستوطنين، فجر اليوم، على إحراق مسجد (الحاجة حميدة) في بلدة ديراستيا شمال غرب سلفيت، وخط شعارات عنصرية على جدرانه الخارجية

أطباء بلا حدود: الأوضاع في غزة ما زالت مزرية للغاية بعد شهر من الهدنة
الأوضاع المعيشية في قطاع غزة ما زالت كارثية، فالبنية التحتية الحيوية مدمّرة، والنزوح واسع النطاق، والمساعدات غير كافية

إذاعة جيش الاحتلال: تدريبات على قصف تجمعات سكنية فلسطينية وأردنية بالتزامن
جيش الاحتلال أعدَّ "بنك أهداف" واسعًا داخل عمق التجمعات السكنية في الضفة الغربية، وفي المناطق الأردنية المحاذية للحدود

