20-أكتوبر-2017

على الأغلب كان على هذا المقال أن يكون دعوة للنساء ليقلن ما في قلوبهن عن التحرش بقوة ودون خوف، ولأن أفضل طريقة لحثّ الناس على أن يكونوا أقوياء هي أن تكون قويًا أمامهم، ولأنّك إذا أردت أن تسمع قصصهم عليك أن تقول لهم قصتك أولًا، كان على هذا المقال أن يتحول إلى مجموعة من قصص التحرش التي تعرضت لها الكاتبة مع توثيق الزمان والمكان مرفقًا بتوصيف للمجرمين متى ما أمكن فعل ذلك.

الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو، أطلقت حملة  لتشجيع النساء اللواتي تعرضن للتحرش على الحديث عن قصصهن

أنا أيضًا تعرّضت للتحرش ولكنني لست مستعدة بما يكفي لأكتب تفاصيل ما تعرضت له، هذه القصص التي يتهافت الناس بفضول لقراءتها تتساءل ضحاياها عن قيمة مشاركة مشاعرهن الخاصة وقصصهن المؤلمة مع الغرباء؟ ورغم أن معظم القصص المشاركة قد تقتصر على قصص التحرش اللفظي أو البصري أو حتى الجسدي في الشارع، لكننا نعلم أنّ القصص المسكوت عنها هي الأقسى، هذه القصص السرية التي نختصرها في حال كتبناها أو حكيناها لأحدهم، مهما بدت مقتضبة وخالية من التفاصيل، فإنّها تصل كاملة للكثير من النساء اللواتي يفهمن كل أجزائها المنقوصة، ويشعرن تمامًا بكل كلماتها التي لم تكتب، لأنهنّ على الأغلب مرّرن بذلك.

كنت صغيرة جدًا عندما تعرّضت للتحرش أول مرة، احتجت لبعض الوقت لأدرك أنّ هذا تحرش، بالتأكيد لم أكن لأسميه تحرّشًا لأن مخزوني من الكلمات لم يكن يسمح لي، ولكنّي أدركت أنّه سلوك خاطئ، وأنني لو أخبرت أهلي فإن هذا الشخص المتحرّش سيكون في ورطة، ولكن هل سأكون أنا أيضًا في ورطة؟ لم أكن متأكدة لأي درجة يمكن لطفلة أن تكون شريكة في جريمة كهذه. كنت أظن أنّ هذا السؤال مرتبط بجهل الأطفال وخوفهم فقط، وأنّه ليس موجودًا في عالم الكبار، ولكن من قال أنّ هذا صحيح!

الضجة التي أثارتها حملة "أنا أيضًا" وأطلقتها الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو، لتشجيع النساء اللواتي تعرضن للتحرش على الحديث عن قصصهن، لم تكن مقتصرة على الكم الهائل من القصص المأسوية التي نشرتها آلاف النساء حول العالم مذيلة بوسم "أنا أيضًا"، بل كانت أيضًا في تصريحات العديد من المشاهير الذين لم تمنعهم الشهرة والثراء والعلم أحيانًا من لوم النساء اللواتي يتعرضن للتحرش، فالممثلة الأمريكية وعالمة الأعصاب ميام بياليك وهي يهودية متديّنة اعتبرت أن التزامها باللباس المحتشم حماها من التحرش، وهي بذلك توجه لومًا غير مباشر للنساء المتعرّضات للتحرش، وتبريرًا لسلوك المتحرّش، لأنه وبمجرد تصنيف الضحايا وإبراز صفاتهم تكون قد عاملت الضحية كشريك في الجريمة ومنحت عذرًا للمجرم.

يبدو من خلال ما قالته بياليك أن العيب الذي يلاحق المرأة في كل شيء والذي جعلها تخاف حتى من سرد قصة كانت هي ضحيتها، ليس مقتصرًا على مجتمعاتنا فقط. وحول هذا العيب أيضًا جاء في تقرير لقناة BBC البريطانية، أُعد حول مشروع فني محارب للتحرش في مدينة رام الله  بعنوان "لست حبيبتك". تقول ياسمين مجلي صاحبة المشروع إن أكثر ما صدمها عند سؤال الفتيات عن قصصهن مع التحرش، هو إجاباتهن بالنفي، معزيات سبب ذلك بأنهن محترمات. وحول ذلك يبدو أن الكثير من النساء يعتقدن أنهن مسؤولات عن التحرش الذي يتعرضن له، وأنهن شريكات في الجريمة ومثلهن مثل طفلة في الخامسة من عمرها قد لا يملكن إجابة واثقة على سؤال: هل أنا في ورطة؟ هل أنا شريكة في الجريمة؟ لذلك ينفين حدوث الجريمة ويعتقدن أنهن من خلال ذلك يدافعن عن أنفسهن ويحافظن عليها.

"أن تحدث لك أشياء سيئة لا يعني أنك فتاة سيئة" وكما تبدو هذه الجملة مناسبة لتفتح بها أمُ حديثًا توعويًا مع طفلتها حول جسدها، وهي مناسبة أيضًا للحديث مع نساء من مختلف الأعمار لحثّهن على عدم الصمت، ليس فقط عبر نشر معاناتهن مع التحرش عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل أيضًا لتعزيز ثقتهن بأنفسهن، ليواجهن المتحرش وهن يدركن تمامًا أنه هو المجرم الوحيد في هذه الجريمة.

اقرأ/ي أيضًا:

العرس الفلسطيني: ماذا عن كسوة العروس؟

نابلس – جنين: ذاكرة فلسطين ونفطها ورائحتها الزكية

عن المعاقبة الجنسية: إسرائيل ومنع تعدد الزوجات