12-أكتوبر-2019

مقال رأي 

انتهت مسرحية النظام المصري - عمرو أديب اعتبارًا من الثاني اكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وخرج جميع الذين اعترفوا بأنهم "إرهابيون"، ما عدا شابين فلسطينيين.

      لطفل صغير أن يسأل: كيف أفرجت السلطات المصرية عمّن ثبت "تورطهم في أنشطة تسعى لزعزعة أمن مصر؟  

انقلبت المسرحية من اعترافات في برنامج عمرو أديب على "MBC"، والاعتراف سيّد الأدلة إلى تهريج وفضيحة بجلاجل. فالسياح والطلبة: فلسطينيان وأردنيان، وهولندي، وتركي، وسوداني، وموريتاني، وجميعهم جاءوا "ليثيروا الفوضى في المظاهرات التي اندلعت الشهر الماضي". وبفعل الحملات الواسعة على مواقع التواصل، وجهود السفارات، جرى الإفراج عنهم جميعًا، باستثناء فلسطينيين.

ولطفل صغير أن يسأل: كيف أفرجت السلطات المصرية عمّن ثبت "تورطهم في أنشطة تسعى لزعزعة أمن مصر؟ إلّا أن وسم #عمرو_أديب_كذاب، كان ردًا على هذا السؤال. لم يكن عمرو سوى كذّاب صغير، يحيلك إلى الفيلسوف اليوناني ديوجين الذي رأى رجل الدولة يلقي القبض على شاب سرق تفاحة فقال "لص كبير أمسك لصًا صغيرًا". كان المذيع اللزج يعلن ما دبّره جهاز الأمن الأمن المصري من اعترافات مفبركة، بما فيها من مأساوية لكن لها وجهًا من التهريج الضاحك. فجميع المعتقلين كانوا يدلون باعترافات مكتوبة باللهجة المصرية!

ولكن أين علي شعبان الخريبي وأشرف أسعد طافش؟ ألم يكونا مثل غيرهما من الفوضويين المتآمرين على حكم السيسي؟ لماذا خرج الجميع من السجون ليرووا مغامرتهم الكابوسية التي كانوا فيها على حافة الضياع؟ ثم ثبت أنها كاميرا خفية سمجة، لا يعاقب عليها قانون دولة عمرو أديب. 

علي وأشرف، فلسطينيَّان من قطاع غزة، موجودان في مصر بغرض الدراسة. وعقب اعتقالهما، بثّ برنامج "الحكاية" لعمرو أديب اعترافات ملقنة للشابين، تضمنت تأكيدًا على مشاركتهما في دعم الثورة بمصر وإحداث الشغب.

مجموعة مغالطات لم تقو الماكنة الإعلامية المصرية على فبركتها بصورة جيدة، فمن لا يعرف أنَّ سرايا القدس ليست ذراعًا عسكريًّا لحماس، بالضرورة لن يعرف معنى أن تكون هناك مجموعة "واتس آب" باسم "القرارة"، وهي منطقة في خانيونس (جنوب قطاع غزة)، المدينة التي جاء منها الخريبي. 

عرض أديب في برنامجه بعض الأسباب التي اعتقد أنها كافية لتبرير اعتقال الشابين الفلسطينيين، وقال إنَّ أحدهما –أشرف طافش- ينتمي إلى سرايا القدس؛ الجناح المسلح لحركة حماس، حسب تعبيره، وهو ما يبين عدم وجود دقة في ترتيب الاتهام جيّدًا، خاصة إذا علمنا أنّ سرايا القدس هي الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، ولا تتبع حركة حماس. 

   سرايا القدس تتبع حركة حماس، وجروب واتساب باسم منطقة "القرارة" جنوب خانيونس!          

كما ذكر أديب أنَّ علي الخريبي كان يتلقى تعليمات من مجموعة "واتس آب" تحمل اسم "نبض القرارة 6" وهي مجموعة أخبار عبر هذا التطبيق يحمل اسم المنطقة التي جاء منها الخريبي (القرارة)؛ أي أنَّ المُدرجين فيها موجودون هناك لأنهم من هذه القرية، وتحتوي الرسائل الموجودة في المجموعة أخبارًا متعددة، لا تتناول فقط الوضع في مصر.

إن كان أديب تمكن من الحصول على ما عرضه بوصفه إنجازًا، كجواز السفر وهو موجود أصلًا مع الشاب، وتاريخ الميلاد المكتوب أصلًا في الوثيقة، وطريقة دخوله لمصر، والمعلوم أن لا طريقة لدخول فلسطينيي القطاع إلى غزة إلا عبر ميناء رفح البري، وحتى الاعتراف الذي عرُض يتضح فيه كم الرعب والتعذيب الذي تعرض له علي وأشرف، ما يجعلهما جاهزَين للاعتراف بما يراه الأمن المصري مناسبًا. فلماذا لم يقدم أديب الأوراق التي ادّعى أنها كانت موجودة مع الشاب واحتوت على تعليمات من التنظيم؟

أين السلطة الفلسطينية من كل هذا؟

منذ اعتقال الشابين، تتصاعد تساؤلات حول موقف السلطة الرسمي من اعتقال اثنين من مواطنيها، إلا أن صفحات المؤسسة الرسمية الفلسطينية ومواقعها خالية من أي خبر متعلق بهذين الشابين. هذا التساؤل المشروع يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مستفسرين عن دور سفارة فلسطين في مصر، التي لم تنبس ببنت شفة، ولم تنشر أي بيان عبر صفحاتها حول أشرف وعلي، وهما -مع غيرهما من المعتقلين الفلسطينيين- يواجهان تلك المؤسسات الأمنية من دون أدنى استفسار فلسطيني رسمي.

      على المستوى الشعبي، هناك ما يمكن قراءته حول عدم وجود حراك شعبي داعم للمعتقلين الفلسطينيين في مصر!     

أما على المستوى الشعبي، فهناك ما يمكن قراءته حول عدم وجود حراك شعبي داعم للمعتقلين الفلسطينيين في مصر، فمن السهل ملاحظة ثلاث فئات: الأولى هي فئة أبناء غزة في الداخل، الذين يتخوّفون من الحديث عن النظام المصري، أو التطرّق إلى موضوع المعتقلين، وبالتالي مواجهتهم لعقبات ومشكلات مع الأمن المصري عند عبورهم عبر مصر، خاصة وأنَّ مصر هي بوابة غزة إلى العالم، وهذا ما قد يجعل التنمر على أبناء غزة سهلًا، يقينًا من الجانب المصري أنَّ سلطتها على حركة المسافرين الغزيين تجعل من السهل عليها انتهاك حقوقهم دون الخوف من العواقب.

الفئة الثانية، وهي للغزيين أيضًا، الموزّعين على شتى أنحاء العالم، ولا يستطيعون الحديث لنفس الأسباب. فلو قرر أحدهم الذهاب إلى غزة، سيضطر أيضًا إلى المرور بمصر، وبالتالي الوقوع في المصيدة. أما الفئة الثالثة، فيمكن تلخيصها بالمنتمين إلى حركة حماس، الذين يسعون إلى علاقة جيدة مع مصر، والمنتمين للسلطة الفلسطينية الذين يتجاهلون المواطن الفلسطيني في القطاع، والتابعين لدحلان الذين يتمتعون ببعض الامتيازات لدى الدولة المصرية.

كل هذه الأسباب تصطف إلى جانب الانقسام الفلسطيني الذي جعل من الصعب أن يأتي الدعم الإعلامي من الضفة إلى قضية تحدث في غزة أو العكس.

علي شعبان الخريبي وأشرف أسعد طافش فلسطينيان يتقنان اللهجة المصرية أكثر من المعتقلين الأردنيين والسوداني والموريتاني، ولهذا يجري تغييبهما والتنكيل بهما بينما أفرج عن الباقين. إنهما لا يتنفسان سوى من رئة رفح الوحيدة، التي تجعلك رقمًا على قيد حياة.


اقرأ/ ي أيضًا:

الدنيا ربيع والجو بديع.. مصرية في جنين

كيف اجتمعت مصر وإسرائيل ضد بطيخ جنين؟

ملابس ستُصنع في مستوطنة "بركان" وتُصدّر إلى مصر