23-فبراير-2023
 عبد الهادي الأشقر (61 عامًا)، وابنه الممرض الذي حاول إسعافه، وزميله

عبد الهادي الأشقر (61 عامًا)، وابنه الممرض الذي حاول إسعافه، وزميله

"ولك يا الله أبوي.. هاد أبوي"، هذه ليست مجرد صرخات عادية لشاب تعرف على والده من بعيد، وإنما صرخات ممرّض في مستشفى النجاح بنابلس، تبيّن له أن المصاب الذي حاول إسعافه قبل الإعلان عن استشهاده، هو والده.

فوجئ ممرّض بأن الجريح الذي كان يعالجه من إصابة برصاص الاحتلال في نابلس، واستشهد، هو والده!

صباح اليوم الأربعاء، اقتحمت قوة خاصة إسرائيلية مدينة نابلس وحاصرت منزلًا تحصّن بداخله مقاومون فلسطينيون من مجموعة "عرين الأسود" المسلحة، ولم ينته الاقتحام إلا بتصفية المطاردين، وبحصيلة 11 شهيدًا وأكثر من مئة إصابة.

وعملت طواقم الإسعاف والطوارئ على نقل الإصابات، ووزعت الحمل الثقيل على مستشفيات مدينة نابلس. خمس إصابات وصلت بسيارة واحدة إلى مستشفى النجاح، تلقفتها الطواقم الطبية، وشرعت بمحاولة إنعاشها.

كان إلياس الأشقر من بين الممرضين الذين تم استدعاؤهم على عَجَل لغرفة طوارئ المستشفى، ركض مع زميله أحمد أسود لمحاولة إنقاذ المصابين برصاص الاحتلال.

يروي شهود العيان، أن إلياس كان يحاول إنعاش مسنّ مصاب دون النظر في وجهه، لكنه وزميله لم ينجحا في إنعاشه، فاستدعوا جرّاح قلب.

الجميع منشغل بالحالة ولا وقت لتأمل قسمات الوجه، وعلى وجه السرعة فتح الطبيب صدر المصاب، وحاول إنعاشه، لكنه لم يُفلح، وأعلن عن استشهاد المريض.

في هذه اللحظات التفت إلياس إلى وجه المصاب وأصيب بالذهول، وقال لزميله أحمد أسود: "هذا أبوي!".

حمل زميله الممرض بطاقة هوية المسن، ووضعها في وجه إلياس، وسأله: هل تعني ذلك، هل هذا هو أبوك؟!، أجاب إلياس: آه، هذا أبوي.

وارتقى عبد الهادي الأشقر (61 عامًا)، رغم محاولات الابن الممرض لإنقاذ حياة المريض الذي تبيّن له لاحقًا أنه والده.

وأظهر مقطع مصور بعض تلك اللحظات الصعبة، وبدا فيها صراخ إلياس واضحًا: "يا الله هذا أبوي.. هذا أبوي".

يعمل المسعف وسيم مجد في قسم العناية المكثفة في مستشفى النجاح الوطني، وبعد منتصف الليل كان له مساحة من الوقت لاستذكار "كمية الوجع يلي كانت اليوم ما بين إصابات وشهداء ومواقف في قسم الطوارئ". يروي مجد، أنه تلقى استدعاءً الممرضين من أقسام العناية إلى قسم الطوارئ لمساعدة الطواقم هناك نظرًا لحجم الإصابات التي تصل المستشفى، وبالفعل "كان من الممرضين الذين لبّوا نداء جرس الإنذار لقسم الطوارئ".

يقول مجد إن أصعب المواقف التي مرّت عليه ولن ينساها، هي قصة زميله الممرض الياس، حيث كان يتقاسم معه دور الإنعاش لإحدى الإصابات، وبعد فترة أعلن الطبيب الجراح عن استشهاد المصاب، فترك الشهيد وذهب إلى إصابة أخرى، وما هي إلا لحظات حتى سمع صرخات زميله الياس "ولكم هاد أبوي".

يقول وسيم مجد: "حاولنا نخليه يكذب عيونه بس الحقيقة إنه أبوه".

يتابع الممرض وسيم مجد، أنه بعد إعلان استشهاد والد الياس، دخل رجل ستيني إلى قسم الطوارئ وهو يسأل: ابني حمودة جابوه مصاب عندكم يابا؟

"أمسكنا فيه أنا ومدير المستشفى الدكتور كمال وأخبرناه "والله يابا كثير إجانا إصابات، وأغلبها ما بنعرف أسماءها تعال معي نشوف ابنك مين فيهم".

"كان أول سرير عليه شهيد، وتعمّدت تركه للنهاية"، ظللت أتأمّل أن يكون ابنه من بين الإصابات السهلة في القسم، لكن للأسف رجعنا للسرير الأول، فكان ابنه شهيدًا". 

Issam Rimawi/ Getty Images
Issam Rimawi/ Getty Images

يروي وسيم أيضًا: بعد كل هذه المواقف "يلي بتحرق القلب ويلي بتخلي الصخر يبكي"، وبينما أنا عائد للقسم، وجدت سيدة تبكي وتسأل عن ابنها الذي جيء به إلى المستشفى مصابًا. لقد سألت عن ابنها "عمير". أخبرتها أنه لم يمر علينا حالة بهذا الاسم، لكنّها ظنّت أننا نعرف شيئًا ونريد إخفاءه عنها. وقالت: هل ابني بين الشهداء؟ لا تخفوا عني. وبعد السؤال ومحاولة التحقق كان ابنها هو أول مريض جرى استقباله في قسم الطوارئ، ونقلته لقسم العمليات مباشرة نظرًا لسوء حالته، هو الآن في قسم العناية المكثفة.

Issam Rimawi/ Getty Images
Issam Rimawi/ Getty Images

وقصة الممرض الياس الأشقر ليس الوحيدة في العدوان الإسرائيلي الأربعاء، على نابلس، حيث أن الممرض في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني محمد بعارة، ترك عمله في محل تجاري، وتوجه للعمل مع طواقم الإسعاف. وتلقّى "بعارة" بلاغًا يفيد بوجود إصابة خطرة في الرقبة والخاصرة والقدمين، ولدى الوصول إلى الحالة لم يتعرف عليها في البداية.

وفور وصوله إلى المستشفى، تفاجأ أن المصاب هو عمّ والده، الشهيد عدنان بعارة (72 عامًا)، وأصيب بالصدمة، من هول الموقف.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن استشهاد 11 مواطنًا وإصابة ما يزيد عن 100 آخرين، خلال عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدينة نابلس.