منوعات

10 آلاف مفقود تحت الأنقاض في غزة.. الجرح المفتوح

11 فبراير 2025
جثامين تحت الانقاض في غزة.png
إخراج الجثامين من تحت الأنقاض قد يستغرق 100 يوم في حال توفرت الإمكانيات اللازمة
سفيان نايف الشوربجي
سفيان نايف الشوربجي

انتظرت عبير سعد الدين (21 عامًا) دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة للذهاب إلى منزلها في مدينة رفح الذي ما زال يحتضن بين ركامه جثامين والدها ووالدتها وشقيقاتها الثلاثة وشقيقها وزوجته وطفلهما الذي لم يتجاوز العام، رغم مرور أكثر من 9 أشهر على استشهادهم جميعهم بقصف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي للمنزل الذي أصبح كومة من الركام.

الدفاع المدني: الأعداد المقدرة للجثامين التي ما زالت تحت الأنقاض وصلت إلى 10 آلاف

كانت عبير وشقيقها مهند (16 عامًا) الناجيين الوحيدين من هذه المأساة، وحتى اليوم لم تتمكن طواقم الدفاع المدني من انتشال جثامينهم من تحت الأنقاض لعدم توفر المعدات اللازمة لذلك.

تصف عبير تلك اللحظات بأنها أشبه بـ"البركان" من شدة القصف والنيران المشتعلة في كل مكان، وتقول: "تم تدمير المنزل بشكل كامل وغرق المكان في ظلام دامس وغبار كثيف لم أشعر بما يحدث من حولي، إلا بعد عدة دقائق بدأت استوعب هول الفاجعة عندما وجدت نفسي محاصرة بين أكوام الردم والحجارة".

وتضيف: "كنت عالقة بين طبقة سقف أطبقت عليَّ ولم يبق سوى فتحة صغيرة كنت أتنفس منها، وعلى مدار خمس ساعات متواصلة بقيت أصرخ وأستغيث بصوت مخنوق لا يكاد يسمع ولا أستطيع التحرك لوجود عمود خرساني كبير يمنع حركتي، وبعد مرور الوقت أيقنت عندها أن هذه هي النهاية، ولكن في لحظة بدأت أستمع لصوت تحطيم للحجارة فبدأت أصرخ من جديد حيث دل أنين صوتي فرق الإنقاذ الذين تتبعوه حتى وصلوا لرأسي واستكملوا الحفر بمعداتهم حتى تم انتشالي".

خرجت عبير من تحت الأنقاض بحالة صحية مأساوية، وكادت أن تفقد قدمها اليمنى، لولا التحسن الذي طرأ على حالتها الصحية فقرر الأطباء الاعتماد على العلاج الطبيعي وبعد معاناة كبيرة في العلاج والألم استطاعت المشي بعد ثلاثة أشهر.

وتعود عبير سعد الدين تسعة أشهر للوراء وتنتشل من أعماق ذاكرتها بعض التفاصيل المؤلمة، وتقول:" أكثر ما كان يؤلمني ويزيد من أوجاعي أنني كنت أسمع بكاء ملك، ابنه شقيقي وهي تصرخ، ولكنني لا أستطيع الحركة ولا أستطيع تقديم لها المساعدة، وللأسف لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليها لإنقاذ حياتها"، مشيرة إلى أن توغل جيش الاحتلال في عمق المدينة أوقف محاولات طواقم الإنقاذ.

ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح الأحد التاسع عشر كانون الثاني/يناير 2025، بدأ سكان قطاع غزة البحث عن أبنائهم وذويهم وأحبائهم وأقاربهم تحت أنقاض منازلهم المدمرة، في مشهد يروي وجعًا يتجاوز حدود الكلمات.

تقول عبير، إنها لم تنم ليلة وقف إطلاق النار إلا قليلًا، حيث انتابتها آنذاك مشاعر مختلطة تنوعت بين فرحة البقاء على قيد الحياة وألم وحزن عميقين لفقدانها أحبائها وأفراد عائلتها ومنزلها الدافئ الذي يعج بالذكريات الجميلة.

وانطلقت منذ ساعات الصباح برفقة شقيقها مهند وبعض الأقارب محاولين لملمة جراحها بين أنقاض المعاناة والدمار، بالبحث عن جثامين بقية أفراد عائلتها بين الخرسانة المتفجرة وأسياخ الحديد، ولم تتوقف بعد محاولاتهم حتى اليوم، يحفرون بأظافرهم وينقبون بمعدات بسيطة عن بقايا أجساد مهشمة بين الأسقف، ورغم ثقل المعاناة لم تفقد الأمل في الوصول إلى أفراد عائلتها وانتشال جثامينهم.

وتتمنى أن يتم إدخال أجهزة ومعدات ثقيلة لجهاز الدفاع المدني حتى يتم انتشال من تبقى من جثامين أفراد عائلتها ليتم منحهم كرامة الدفن اللائق في المقبرة، لعلها تجد مكانًا لرثائهم وزيارتهم بين الفترة والأخرى ووضع الورود ورشِّ المياه على قبورهم.

البحث عن الأحباب

ويتمسك درويش محمد قنديل (45 عامًا) بأمل تمكنه من الوصول إلى جثمان طفله زين ذو الخمس سنوات، الذي استشهد برفقة أربعة وعشرين فردًا من العائلة، وما زال جثمانه تحت الركام إلى اليوم، جراء قصف الاحتلال لمنزلهم في خانيونس.

ولم تغادر عائلة درويش منزلها المكون من أربع طبقات محتمين في غرفة القبو المحصنة أسفل المنزل الذي يقطنوه ظنًا منهم أنها ستحميهم من القصف الإسرائيلي المتواصل، ولكن في الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر 2023 اقتحم جيش الاحتلال البناية التي احتمى فيها 25 طفلًا وامرأة، وقام الجنود بفصلهم عن الرجال المتواجدين معهم، وكان درويش أحدهم.

بعد ذلك اقتاد جيش الاحتلال النساء والأطفال لإحدى الشقق داخل البناية، بينما قيّدوا أيدي الرجال وعصبوا أعينهم، وأطلقوا النار فوق رؤوسهم، وبعد التحقيق معهم ميدانيًا لعدة ساعات، اعتقل الاحتلال كلًا من درويش وأخويه موسى ومصطفى وابنه البالغ من العمر (14 عامًا)، بينما بقي شاهين ومصعب شقيقا درويش في المنزل مع النساء والأطفال.

قضى درويش في الاعتقال تحت التعذيب والإهانة 37 يومًا، قبل أن يخرج برفقة ابن شقيقه مصطفى، بينما خرج شقيقه موسى بعد نحو شهرين من الاعتقال، وما يزال شقيقه الآخر مصطفى رهن الاعتقال. وعندما أفرج الاحتلال عن درويش، لم يكن يعلم ما حل بعائلته التي فقد الاتصال بها بعد نحو أسبوع من الاقتحام.

وعلى مدار 4 أشهر حاول درويش زيارة منزله بيدَ أن محاولته باءت بالفشل، إذ حوَّل جيش الاحتلال مكان سكنهم إلى منطقة عسكرية مغلقة، لكون المنزل يقع على شارع صلاح الدين، وهكذا لم يتمكن من الذهاب للمنزل إلا بعد 120 يومًا من الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من مدينة خانيونس، ليجد منازل العائلة قد دُمِّرت بشكل كامل على رؤوس أفراد عائلته الـ25 بالصواريخ.

هذه الفاجعة أصابت دويش بصدمة نفسية حادة استمرت ثلاثة أشهر متواصلة، وبعد التعافي منها قرر برفقه شقيقه موسى البدء في البحث عن جثامين العائلة تحت الركام بجهود شخصية، واستعانا بعمال على نفقتهما الخاصة، وبمعدات بدائية، واستمر العمل على مدار 18 يومًا حتى تمكنوا من انتشال 24 شهيدًا عبارة عن أشلاء، غير أنهم لم يتمكنوا من الوصول لجثمان طفله زين .

بين الشهداء 18 طفلًا، تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عامًا، و5 فتيات ونساء، إلى جانب شقيقي درويش مصعب وشاهين، وقد تعرَّف درويش إلى هوية كل شهيد منهم من خلال الملابس والمتعلقات الشخصية.

ويأمل درويش الآن أن يتمكن من انتشال جثمان طفله بمساعدة طواقم الدفاع المدني وبالمعدات المتوفرة لديهم ليتمكن من دفنه بجوار أفراد عائلته، ولكن في نفس الوقت يخشى أن يكون جثمان طفله قد تحلل لمرور أكثر من 13 شهرًا على استشهاده، أو أن يكون قد تبخَّر الجثمان من شدة القصف والقنابل المستخدمة.

قبور من ركام

في ظروف مشابهة لمأساة عائلتي عبير ودرويش، لم تحظى جثامين عائلة عبيدة حماد (17 عامًا) بكرامة الدفن، حيث كانت العائلة تسكن  في مخيم (2) غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، عندما تعرض منزلها لغارة جوية إسرائيلية أدت إلى تدمير المنزل بشكل كامل.

ففي الثاني والعشرين شباط/فبراير 2024، قصف الاحتلال منازل عائلة عبيدة حماد المجتمعة في ثلاثة طوابق، ما أدى إلى استشهاد 12 فردًا من العائلة، وهم: الوالدان، واثنين من أبنائهما وزوجة أحدهما وطفلاهما، وابنتيهما وزوج إحداهما مع طفليهما، بينما نجا عبيدة من المجزرة، وكذلك نجا شقيقه زياد (22 عامًا) الذي لم يتواجد في المنزل لحظة القصف، غير أنه استُشهد بعد 6 أشهر في قصف استهدف مجموعة من المدنيين في مخيم النصيرات.

هكذا بقي عبيدة وحيدًا، وقد انهار باكيًا عندما تحدث لنا قائلًا: "بعد ساعة من قصف المنزل، تمكنت طواقم الدفاع المدني، من انتشال ثلاثة جثامين عبارة عن أشلاء من تحت الأنقاض، ثم اعتذرت طواقم الدفاع المدني عن عدم قدرتها على انتشال الباقين لغياب المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأسقف الاسمنتية".

لم ييأس عبيدة وظل لأكثر من أسبوعين، يصطحب معه متطوعين، ويعملون بأدوات بسيطة ويحفرون لاستخراجهم من تحت الأنقاض، لكن دون جدوى، لتواجد الأسقف الثلاثة فوق بعضها البعض، فكان كل ما وجده كفوف أيدي بعض الأطفال الذين استشهدوا في المنزل، وبعض قطع من ملابسهم.

ومازال عبيدة يشعر بالعجز الذي يكبل يديه لعدم قدرته على الوصول إليهم، ومما يضاعف من ألمه عدم تكفينهم ووداعهم والصلاة عليهم وإكرامهم بالدفن، فأصبحت أمنيته الوحيدة بعد وقف إطلاق النار أن يتم إزالة ركام بيته حتى لو ظل ينقب في أحشائه عن أحبته ولو بيده حتى استخراج جميع الجثامين.

ويقول: "مؤلمٌ جدًا أن يتحول البيت الذي كان سكينة العائلة وذكرياتها الجميلة إلى مقبرة جماعية تحوي أجساد أغلى الناس على قلبي.. فؤاد حياتي".

10 آلاف مفقود تحت الأنقاض

وأكد الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، الرائد محمود بصل، أنه منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير، وحتى بداية شهر شباط/فبراير، تم انتشال أكثر من 220 شهيدًا من محافظات قطاع غزة كافة، من خلال أطقم الدفاع المدني، وكذلك المواطنين الذين عملوا على انتشال جثامين أبنائهم وذويهم.

الدفاع المدني: إخراج الجثامين من تحت الأنقاض قد يستغرق 100 يوم في حال توفرت الإمكانيات والمعدات الثقيلة اللازمة 

وبيَّن محمود بصل لـ"الترا فلسطين"، أن الأعداد المقدرة للجثامين التي ما زالت تحت الأنقاض وصلت إلى 10 آلاف، خاصة بعد عملية الاحتلال الواسعة في شمال قطاع غزة، لافتًا إلى أن إخراج الجثامين من تحت الأنقاض قد يستغرق 100 يوم في حال توفرت الإمكانيات والمعدات الثقيلة اللازمة.

وأضاف محمود بصل، أن قطاع غزة يفتقر للمعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام والكتل الخراسانية الناتجة عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمنازل، لذلك يستغرق إخراج الجثامين من تحت الأنقاض العديد من الساعات وأحيانًا أيامًا من الحفر، مؤكدًا أن قطاع غزة يحتاج إلى آلاف الآلات والمعدات الكبيرة من أجل إزالة الركام والمساعدة في انتشال الجثامين.

وأوضح، أن أكثر من ألفي شهيد لم يبقَ لهم أي أثر، فقد تحلَّلت جثاميهم أو تبخرت نتيجة استخدام جيش الاحتلال أسلحة تنتج عنها درجات حرارة مرتفعة تصهر كل ما هو في مركز الانفجار.

وطالب محمود بصل إدخال طواقم دفاع مدني متخصصة في إزالة الأنقاض بمعداتها إلى قطاع غزة من أجل مساندتهم في القيام بواجبهم للتعامل مع الواقع الكارثي الذي خلفته الحرب، ويفوق قدرة جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة.

الكلمات المفتاحية

المعرض هو شهادة بصرية على صمود الفلسطينيين ومقاومتهم اليومية، ويعكس تداخلًا بين الماضي والحاضر

"بأمّ عيني".. شهادة بصرية لتاريخ الفلسطينيين بين الماضي والحاضر  

يعدّ المعرض بمثابة أرشيف حيّ لعلاقة متداخلة بين الماضي والحاضر، ويهدف إلى تقديم شهادة بصرية متداخلة بين الماضي والحاضر


نشطاء مؤيدون لفلسطين يقتحمون ملعب غولف يمتلكه ترامب في اسكتلندا، ويرسمون عبارة "غزة ليست للبيع"

"غزة ليست للبيع".. رسائل مؤيدة لفلسطين تغطي ملعب ترامب في اسكتلندا

نشطاء مؤيدون لفلسطين يقتحمون ملعب الغولف "ترامب تورنبيري" في اسكتلندا، احتجاجًا على تصريحات ترامب حول غزة، ويرسمون شعارات مؤيدة لفلسطين على العشب والجدران


يحدث في البيوت.. رواية جديدة لعباد يحيى

"يحدث في البيوت".. رواية جديدة لعباد يحيى عن رام الله في السبعينات والثمانينات

تستعرض رواية "يحدث في البيوت" أحداثها من النكبة الفلسطينية وصولًا إلى الزمن الراهن، مع التركيز على عقدي السبعينيات والثمانينيات في رام الله


من فيلم "لا أرض أخرى"

مسافر يطا في وجه التهجير.. "لا أرض أخرى" يفوز بالأوسكار لأفضل فيلم وثائقي

يتحدث فيلم "لا أرض أخرى" في 95 دقيقة عن ممارسات التهجير الإسرائيلية التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة. ودعا صُناّعه إلى وقف التطهير العرقي

العودة للحرب.. غارات إسرائيلية على غزة
راصد

العربي الجديد: قتيل ومصابان من المحتجزين الإسرائيليين في القصف على غزة

قيادي في حماس: نتنياهو يسعى للتخلص من المحتجزين لتجنّب الأثمان السياسية

مفاوضات بالنار في غزة
أخبار

بالمجازر والقصف.. إسرائيل تسعى إلى مفاوضات تحت النار

انتقد مصدر إسرائيلي مسؤول طلب عدم كشف هويته، في حديث مع الإذاعة العبرية العامة الهجوم على غزة، قائلًا: "لم تنجح الضغوط العسكرية الأكثر أهمية في دفع حماس إلى إظهار مرونة في المفاوضات حتى الآن، فلماذا إذن قد تؤدي ليلة من الهجمات مثل هذه المهمة؟".


شعار حركة حماس
أخبار

حماس: الاحتلال ينقلب على اتفاق وقف النار ونتنياهو أشعل الحرب للهروب من أزماته

اتهمت حركة حماس الاحتلال بالانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار واستئناف المجازر في غزة، مشيرة إلى أن الادعاءات بشأن تحضيرات المقاومة لشن هجوم هي ذرائع لتبرير العدوان

عودة الحرب على غزة
راصد

رواية الاحتلال.. هكذا تم استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة

تم تقديم الخطوط العريضة لاستئناف العمليات العسكرية خلال اجتماع مصغر للحكومة نهاية الأسبوع الماضي، لكن الوزراء لم يُبلغوا بالتوقيت الدقيق لبدء الهجوم.

الأكثر قراءة

1
قول

الأرض مقابل الاستسلام.. نتنياهو مبشرًا بـ"الشرق الأوسط الجديد"


2
أخبار

خطوة نحو الضم.. مشروع قانون بالكنيست لضم المستوطنات القريبة من القدس


3
أخبار

قيادي في حماس: الاحتلال أخلّ باتفاق تبادل الأسرى ويضع شروطًا تعجيزية