13-ديسمبر-2017

القوات البريطانية في القدس بعد احتلالها عام 1917 - Getty

استسلمت مدينة القدس بدون قتال، في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1917، بعد انسحاب الجيش العثماني في الليلة السابقة من  المدينة، ليدخل الجنرال أدموند ألنبي المدينة بعد يومين من سقوطها، وينتزع بشكل رسمي الاستسلام.

كان ألنبي قد استلم قيادة القوات البريطانية في شبه جزيرة سيناء خلفاً للجنرال ارتشيبلد مائيري؛ الذي عزلته قيادته بعد أن فشل في الهجوم الثاني لاحتلال غزة، في شهر نيسان/إبريل من عام 1917، أي قبل 8 أشهر من احتلال القدس.

الجنرال ألنبي قرر احتلال القدس قبل عيد الميلاد، وبعد احتلال بئر السبع وغزة توجه إلى القدس من عدة جهات

حدد ألنبي مهمته باحتلال القدس قبل عيد الميلاد، أي قبل ليلة رأس السنة في نهاية 1917، وقد التفت القوات البريطانية حول غزة ونجحت في اختراق خط الدفاع العثماني، واحتلت مدينة بئر السبع، وقطعت خط إمداد غزة منها، ثم في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر نجحت في احتلال غزة.

اقرأ/ي أيضاً: مع ألنبي بين يدي التاريخ دون حجاب

في الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، قرر ألنبي مواصلة مطاردته للحامية العثمانية داخل جبال الضفة الغربية، لمنعها من إعادة تنظيم صفوفها وبناء خط دفاع قوي حول القدس، كما قرر تطويق القدس من كل الاتجاهات لدفع العثمانيين إلى الانسحاب من المدنية.

قسّم ألنبي جيشه إلى قسمين: القسم الأول تقدم إلى نهر العوجا الذي يصب في البحر الأبيض؛ من أجل الصعود نحو قرية لفتا، لدفع الجيش العثماني الموجود هناك إلى التراجع نحو الشمال. والقسم الثاني من الجيش اندفع صوب جبال الضفة الغربية وشرقي القدس، وبالتوزاي مع ذلك تحركت الكتيبية 53 من بئر السبع شمالاً نحو الخليل وبيت لحم، من أجل إطباق الحصار على الجيش العثماني داخل القدس.

تقدم الجيش البريطاني من ناحية الشرق نحو القدس بقوة مكونة من أربع كتائب، منها كتيبتا المشاة 52 و72، وكتيبتا فرسان، إحداهما الكتيبة الأسترالية التي هاجمت عمواس حيث تواجدت قوة عثمانية، ولكنها اضطرت في نهاية القتال الشرس إلى التراجع، وتبين لاحقاً للجيش البريطاني أن القوة العثمانية انسحبت أيضاً من المنطقة، بعد أن تقدمت لها الكتيبة 75.

في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بدأت الكتيبة 75 بالتحرك نحو الطريق الرئيسية ليافا – القدس، فتوجهت من منطقة اللطرون حتى وصلت إلى باب الواد، وهناك كان بانتظارها قوات عثمانية صغيرة تصدت لها، فاضطرت القوة البريطانية مع حلول الظلام للتراجع إلى قرية سيريس، تفادياً لنيران القناصة العثمانيين. في تلك الليلة هطلت أمطار قوية وانخفضت درجة الحرارة إلى حد كبير.

احتلت القوات البريطانية قرى عديدة حول القدس بعد مقاومة محدودة، وقطعت خط الإمداد عن المدينة

في الوقت ذاته، بدأت الكتيبة 52 بالتحرك من اللد نحو القدس، وتحركت كتيبة فرسان من منطقة بيت عور التحتا غرب رام الله بهدف احتلال الطريق الواصل بين القدس ونابلس، وعزل المدينة المقدس عن أي خط إمداد.

اقرأ/ي أيضاً: عن صرفند الصغرى وجنود أنزال وبندقية العنكوش

كان القائد البريطاني يعتمد في حركته على خريطة قديمة أعدها صندوق بحث أرض فلسطيني عام  1880، كانت الطرق مرسومة على الخريطة، لكنها لم تشر إلى أنها طرق وعرة لا تسمح بنقل المدفعية الثقيلة، وأنه بإمكان الجمال والخيول المرور فيها بسهولة، ولذلك لم يحصل الجنود المتوغلين على غطاء مدفعي.

وصلت الكتيبة 52 إلى قرية أبو غوش، وتوقفت هناك بعد مقاومة أبدتها مجموعة عسكرية عثمانية، لكن القوات البريطانية استطاعت في النهاية القضاء على المقاومة، مستفيدة من نجاح الكتيبة 75 في احتلال قرية سيرس بتاريخ 20 تشرين الثاني.

بعد ذلك بيوم واحد، تقدمت كتيبة الفرسان ببطئ إلى بيت عور الفوقا محاولة التوجه منها إلى القدس، فتعرضت إلى كمين نفذته قوة عثمانية مكونة من 3 آلاف جندي عثماني، احتموا بكروم الزيتون وامتلكوا مدافع، وقع قتال شرس بين الطرفين، انتهى بانسحاب القوات البريطانية إلى بيت عور الفوقا.

في تلك الأثناء، كانت الكتيبة 75 التي احتلت قرية أبو غوش تتوجه نحو الشمال الشرقي، وعندما وصلت قرية النبي صموئيل تعرضت لنيران شديدة من القوة العثمانية. وفي مساء 21 تشرين الثاني، نجحت القوة البريطانية باحتلال النبي صموئيل.

كانت القوات البريطانية عند احتلالها النبي صموئيل قد أنهكها التعب، فالجنود خاضوا معارك على مدار شهر كامل بعد احتلال بئر السبع، وأُصيب منهم ألفا جندي، كما أن خطوط الإمداد أصبحت طويلة جداً، وإضافة لذلك طرأ نقص في القذائف المدفعية، فصدر قرار بإيقاف التقدم نحو القدس.

قرر ألنبي إثر ذلك استبدال ثلاث كتائب من كتائبه المنهكة، فحلّت الكتيبة 60 الهولندية مكان الكتيبة 52 والكتيبة 75، وذلك بتاريخ 28 تشرين الثاني، ووصلت كتيبتان إضافيتان إلى منطقة اللطرون، بالتوازي مع ذلك وصلت قوات هندسية من أجل شق طرق لنقل الإمداد والمدفعية إلى القوات البريطانية في محيط القدس.

في ذلك الوقت، كان علي فؤاد باشا، اللواء العثماني المسؤول عن دفاعات القدس، يجتمع مع الضابط الألماني فوذ فالكنهاين، وقد شخّصا نقطة ضعف لدى القوات البريطانية، فقررا شن سلسلة هجمات مضادة لدفع الإنجليز إلى التراجع.

نفذ العثمانيون سلسلة هجمات مضادة على الجيش البريطاني خلال استراحته في عدة مناطق حول القدس، لكنها انتهت إلى قتل وأسر المئات منهم

في السابع والعشرين من تشرين الثاني، هاجمت الكتيبة 16 العثمانية القوات البريطانية في محيط دير طريف ودير عريف قرب اللد، لكن الهجوم انتهى إلى الفشل، واعتقلت على إثره القوات البريطانية 150 جندياً عثمانياً.

اقرأ/ي أيضاً: اغتيال عند باب الأسباط

وفي ليل اليوم الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر، شنت القوات العثمانية هجوماً على بيت عور التحتا، بعد أن شخصت ثغرة بالإمكان النفاذ منها وتحطيم خطوط الجيش البريطاني، لكن الهجوم انتهى أيضاً بالفشل، وأسفر عن مقتل 100 جندي عثماني، وأسر 176 جندياً. يمكن القول إن تلك المعركة كانت حاسمة، فلو نجح العثمانيون في إحداث ثغرة في صفوف البريطانيين، لنجحوا في إغلاق الطريق الرئيس إلى القدس.

بعد اليوم الأول من شهر كانون الأول، انتهت تقريباً كل المعارك في منطقة القدس، وفشل الهجوم العثماني المضاد، ثم في اليوم السابع من الشهر ذاته، وصلت الكتيبة 53 من الجنوب إلى برك سليمان، وهاجمت بيت لحم واحتلتها، فوجدت المدينة فارغة بعد انسحاب العثمانيين.

في مساء يوم السبت، بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر من عام 1917، التقى الحاكم العثماني للقدس عزت باشا بقادة الإدارة العثمانية في المدينة، وحضر اللقاء أيضاً وجهاء المدينة، وتقرر إثر ذلك تعيين حسين الحسيني رئيساً لبلدية القدس، فسلمه عزت باشا كتاب استسلام المدينة، وقد تضمن الكتاب وصفاً للدمار والخسائر البشرية نتيجة القصف البريطاني، وتبرير الاستسلام بأنه حفاظاً على الأماكن المقدسة، ثم انسحبت القوات العثمانية في الليلة ذاتها باتجاه مدينة أريحا.

انسحب العثمانيون من القدس بتاريخ 8 كانون الأول، وفي كتاب الاستسلام الذي تركوه لوجهاء المدينة برروا هروبهم بالحفاظ على مقدسات المدينة

صبحية اليوم التاسع من شهر كانون الأول، جمع رئيس بلدية القدس وفداً من وجهاء المدينة، ومضى لاستقبال قوات الاحتلال البريطاني رافعاً العلم الأبيض، وقرب قرية الشيخ بدر التقى بجنود بريطانيين بينهم طباخ؛ كانوا قد تاهوا عن كتيبتهم، بعد أن كلفهم قائدهم بالبحث عن طعام وشراء بيض من إحدى القرى، فرفض الجنود قبول عرض الاستسلام، ولكنهم وافقوا على التقاط صورة مع رئيس البلدية، وأبلغوا قائدهم بما حدث بعد عودتهم إلى معسكرهم صبيحة اليوم الحادي عشر من كانون الثاني، ليدخل الجنرال ألنبي مدينة القدس من باب الخليل، ويعقد حفل الاستسلام.

رئيس بلدية القدس ووجهاء المدينة يرفعون العلم الابيض للقوات البريطانية
الجنرال ألنبي يتحدث إلى وجهاء القدس بعد احتلال المدينة

يذكر المؤرخ البريطاني نير ماين، أنه بعد يومين من احتلال ألنبي لبئر السبع، قرر مجلس الوزراء البريطاني إصدار إعلان بلفور، وبعد ذلك أصدر رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج أمراً إلى الجنرال ألنبي باحتلال القدس كهدية عيد ميلاد إلى الأمة المسيحية.

وبالفعل، وصل ألنبي قبل أسبوعين من عيد الميلاد على صهوة جواده الأبيض إلى كنيسة القيامة، وفي لندن أجريت صلاة خاصة في كاتدرائية القديس بولس مقر أسقف لندن، وقرع الجرس الأكبر في كنيسة ويستمينستر لأول مرة منذ ثلاث سنوات، وفي باريس عُقد قداس خاص في كنيسة نوتردام.

الجنرال ألنبي يدخل القدس على صهوة جواده
قراءة إعلان ألنبي على أهل القدس بعد احتلالها
القوات البريطانية تنتشر في القدس بعد احتلالها

اقرأ/ي أيضاً:

ثورة البراق: حين قال الفلسطيني كلمته

كيف حصلت الصهيونية على إعلان بلفور؟ إجابة إسرائيلية

صور | قطار "القدس - يافا".. إسرائيل تسرق إنجازاً أكبر من عمرها