01-أبريل-2019

(ABBAS MOMANI//Getty)

قبل عامين تقريبًا، نشر "الترا فلسطين" مقطع فيديو يظهر عراكًا بين موظفين في شركة أمنية خاصة، مع أحد المواطنين على خلفية إزالة بسطته في أحد أسواق مدينة جنين. ورغم قِدم الحادثة، إلا أنّها وغيرها من الحوادث، تفتح جملة تساؤلات عن المحددات والنظم القانونية التي تحكم عمل هذه الشركات، وعن كيفيّة اختيار الأفراد العاملين فيها؛ هل سبق لهم العمل في أجهزة أمنية؟ ومن هي الجهات التي لها الحق في قبولهم للعمل أو رفضهم؟ أين يتم تدريبهم؟ ومن قِبل من؟ وما مدى سيطرة الجهات الأمنيّة الفلسطينية على هذه الشركات وعناصرها؟ 

    ما لا يقل عن 12 شركة أمنيّة خاصّة تعمل في الضفة الغربية  

أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني في آذار/ مارس 2018، قرارًا بتنظيم مزاولة الخدمات الأمنيّة الخاصّة، تكون جهة الاختصاص للترخيص فيه وزارة الداخلية، وأمر بتشكيل لجنة الترخيص المعنيّة بالنظر في الطلبات المقدّمة من تلك الشركات. وبحسب ما جاء في النظام المنشور في الجريدة الرسمية للسلطة الفلسطينية "الوقائع" في أيار/ مايو الماضي، فإن من أهم شروط منح الترخيص لمثل تلك الشركات، أن تكون شركة مسجلة كشركة عامة عادية لدى وزارة الاقتصاد الوطني، وأنّ مدة الترخيص (سنتين) يجوز تمديدها وفق إجراءات معينة، كما يجب أن تتوفر في موظّفي تلك الشركات عدة شروط من بينها أن يكون حاصلًا على شهادة حسن السيرة والسلوك من وزارة الداخلية، وأن يحصل على دورات خاصة في الخدمات الأمنية. 

وتتمثل الخدمات الأمنية الخاصة، بعدّة خدمات من أهمها؛ خدمات حراسة وحماية المنشآت والمباني، والمقتنيات الثمينة والأموال الخاصة، وحراسة وحماية الأفراد بما لا يتعارض مع اختصاصات ومهام قوى الأمن. 

ومن الشروط الواجب مراعاتها عند أداء "الخدمة الأمنية الخاصة" بحسب النظام؛ الالتزام بأحكام قانون الأسلحة النارية فيما يتعلّق بترخيص الأسلحة، كما أن للشركة وتحت إشراف ورقابة السلطة المختصة "استعمال أجهزة اتصال لاسلكية على ترددات خاصة بها، بما لا يتعارض مع متطلبات الأمن العام".

ويجب عليها "تقديم المعلومات ذات الطابع الأمني أو الجنائي التي قد تحصل عليها أثناء  مزاولة نشاطها إلى جهاز الشرطة"، فيما "يحظر على الشركة تقديم استشارات أمنية، إلّا بموجب ترخيص من السلطة المختصة التي تُخضع الشركة للرقابة والتفتيش، وأن "على الشركات القائمة قبل العمل بهذا النظام، تصويب أوضاعها القانونية خلال عام".

ووفق التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017- الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2018، يبلغ عدد المنشآت المتعلقة بـ "أنشطة الأمن الخاصة" في الضفة الغربية 12 منشأة. 

غير أنّ عدد الشركات المسجلة تحت عنوان (الخدمات الأمنية الخاصة) قبل إصدار النظام بحسب القائم بأعمال مدير عام تسجيل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني ليانا الأطرش حوالي 17 شركة (فاعلة وغير فاعلة)، 12 شركة منهم أصبحت بحاجة وفق النظام لتصويب وضعها بحصولها على الترخيص من وزارة الداخلية، أو أن يتم العمل على تصفيتها، غير أنّ وزارة الاقتصاد الوطني جهة تمنح التسجيل ولا تمنح الترخيص. 

وبحسب الأطرش، فإنّه وبعد صدور القرار تقدّمت للتسجيل لدينا 4 شركات، حصلت إحداها العام الماضي على ترخيص نهائيّ من قبل وزارة الداخلية، فيما بقية الشركات تعمل على أخذ الموافقات اللازمة لإتمام إجراءات التسجيل، علمًا أنه لا يوجد في السجلّات الرسمية أي شركة حماية أمنية خاصة أجنبية. 

   على العاملين في هذه الشركات أن يحصلوا على شهادة حسن سيرة وسلوك من وزارة الداخليّة  

ويرى مدير عام المنظمات غير الحكومية والشؤون العامة في وزارة الداخلية عبد الناصر الصيرفي أنّ هناك أهميّة كبيرة لتنظيم عمل هذه الشركات الأمنيّة، فـ "أي قطاع لا يكون فيه نظام يتسبب بالفوضى، وفيما مضى لم يكن لهذا القطاع أي نظام لتنظيم العمل، ولم يكن هناك جهة اختصاص، بالتالي فإن أهمية إقرار النظام تنبع من أنه يساعد على تسهيل عمل تلك الشركات ويسهم في ضبط وتنظيم عملية الترخيص والمراقبة والمساءلة". 

اقرأ/ي أيضًا: لا شفافية في تجديد السلطة عقود "بالتل"

الشركة الفلسطينية للحلول الأمنية المتكاملة (بال سيف- Pal Safe) إحدى شركات "مجموعة واصل"، تأسست عام 2006، وتُعد أول مزوِّد مرخص لتقديم خدمات الحماية المتكاملة في فلسطين وفق موقعها الرسمي، ويتجاوز عدد الموظفين فيها ما يزيد عن 600، ينتشرون من جنين شمال الضفة الغربية إلى الخليل جنوبًا. 

اللواء المتقاعد مجدي العطاري، الذي شغل سابقًا منصب مدير جهاز الأمن الوقائي في محافظة بيت لحم، ويدير اليوم شركة "بال سيف" يرى أنّ تنظيم مزاولة الخدمات الأمنيّة الخاصّة إجراء هام، لأنه يُسهم في تقييم عمل الشركات الأمنية الخاصة القائمة، مضيفًا أنّه "لا يعقل أن يكون متاحًا لأي شخص يتمكّن من جمع أشخاص وتوفير زيّ موحد لهم، أن يعمل في السوق دون تنظيم، إذ إنه وبكل أسف هناك شركات قديمة قائمة، أصبحت أمر واقع، ولم تتم متابعتها لظروف معينة، في حين أن الأصل بالموضوع أن تتوفّر معرفة حقيقية للجهة المؤسسة ولطبيعة الناس التي تعمل لتجنّب الفوضى". 

ومن أبرز الخدمات التي تقدّمها (بال سيف- Pal Safe)، بحسب ما يرد على موقعها الرسمي، الحراسة الثابتة والمتحركة، والمرافقة، ونقل الأموال والمقتنيات الثمينة، وتوريد الأجهزة والمعدات الخاصة بالأمن، والتخطيط لعمليات الإخلاء والطوارئ والتدخل والمسح الأمني، إضافة إلى رسائل تحديثات الحالة الأمنية، وتقارير بالأحداث والتوقعات اليومية والأسبوعية للزبائن، وغيرها من الخدمات.

وتلك الخدمات بحسب الموقع، تُقدّم بشكل أساسي للقطاعين الخاص والدبلوماسي، كالقنصليات والسفارات، والشركات والجامعات والبنوك، وغيرها، غير أن الشركة وبحسب مدير عام الشركة الفلسطينية للحلول الأمنية المتكاملة، تقدّم بعض تلك الخدمات للقطاع الحكومي في فترات ووفق احتياجات معينة "كالخدمات التي لها علاقة بالأجهزة الإلكترونية لهذه المؤسسات، بحسب احتياجات وزارة معينة أو قطاعات معيّنة بالحكومة، علمًا بأن الشركة لديها حاليًا نحو 60 -70 اتفاقية مع القطاعين الخاص والدبلوماسي". 

  كوادر أو كوادر سابقون في الأجهزة الأمنيّة يشرفون على الإدارة والتدريب في شركات أمنيّة خاصّة  

تقديم مثل كل تلك الخدمات، يدفع للتساؤل حول الجهات التي تدرّب الكوادر العاملة في شركات الأمن والحماية الخاصة الفلسطينية، وهذا ما أجاب عنه مدير عام "بال سيف" بالقول إنّ "التدريب يتم على يد فلسطينيين، تدرّبوا بالأصل في هذا المجال، فأنا مثلًا لواء متقاعد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولديّ خبرة بالشؤون الأمنية تزيد عن 20 عامًا في القطاعين العام والخاص، وسبق لي أن شاركت في دورات تدريبية دولية ومحلية في إدارة الأمن ومنع وقوع الأزمات، بالتالي الخبرة المكتسبة لديّ تمكنني من تقييم مدى الحاجات اللازمة في هذا الموضوع، لذلك أعمل إلى جانب طاقم تدريب متخصص ممن سبق لهم العمل في الأجهزة الأمنية فيما مضى، على عملية التدريب في الشركة، وبنفس الوقت، أضف لذلك أننا وخلال الـ12 سنة الماضية كنّا نقوم بتدريب موظفينا في دورات خارجية في اتحاد شركات الأمن الخاص (ICOCA)، وهذا يضعنا دائمًا في صورة آخر التطورات والصناعات المرتبطة بالأمور اللوجستية الأمنية، والرقابة الإلكترونية التي تقدّم للزبائن والمؤسسات".

وفيما يتعلّق بعمل جزء كبير من أفراد هذه الشركات في الأجهزة الأمنيّة، يقول مدير "بال سيف" إنّ التوظيف في أيّ مهنة يحتاج لأشخاص لديهم مواصفات ومؤهلات معيّنة مرتبطة بطبيعة العمل، بالتالي حين تجلب للعمل متقاعد عسكري أو ترك الوظيفة العسكرية، فأنت تجلبه لأنّ لديه المؤهلات المرتبطة بطبيعة الوظيفة، رغم أنك قد تجلب للعمل متخرّج جديد لديه شخصية قوية، وعبر تدريبه بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وابتعاثه للتدرّب في الخارج، يصبح مناسبًا لطبيعة العمل، مشددًا على أنّ "اختيار العاملين موضوع إداري بحت غير مرتبط لا بالانتقائية ولا بسيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية"، كما يقول. 

اقرأ/ي أيضًا: صور | غزيّات تعلّمن القنص والأمن الإلكتروني.. "لنكون دروع حماية"

أمّا عن تسليح الموظفين فيقول مدير "بال سيف" والعقيد في جهاز "الأمن الوقائي" سابقًا: "نحن شركة غير مسلحة في الأصل، لكن إذا كان هناك قطاع معيّن أو مؤسسات بحاجة لحرّاس يكون موجود معهم سلاح، كمرافقة شركات نقل أموال أو المرافقات للشخصيات الدبلوماسية عالية المستوى، فهذا يكون له شروطه الخاصة، وبالتنسيق مع الشرطة التي نرخّص الأسلحة عبرها، مشيرًا إلى أنّ التدريب على حمل السلاح يكون بالتعاون مع جهاز الشرطة وفي أماكن تدريبهم". 

ويشير اللواء المتقاعد في حديثه لـ "الترا فلسطين" إلى أنّ الجهات الوحيدة التي لها الحق في رفض التوظيف بالشركات الأمنية الخاصة هي الأجهزة الأمنية من خلال وزارة الداخلية، ويتم ذلك عبر منح شهادة حسن السير والسلوك للمتقدمين، مضيفًا أنّ "موظف الأمن والحراسة وأثناء عمله يرى ويشاهد ما لا يراه المواطن العادي، وبعكس هذا الضبط تحدث الفوضى". 




اقرأ/ي أيضًا: 

أفضل 10 برامج مجانية لحاسوبك لن تستغني عنها إطلاقًا!

أطفال ضحايا لوالديهم.. ما هو مصيرهم في "دور الرعاية"؟

فيلم "Operation Finale".. نازيون جدد يقتصّون من نازيين قدامى