أبلغ رئيس لجنة الدستور في الكنيست الإسرائيلي "سمحا روتمان"، أعضاء اللجنة أن مناقشة الأحد المقبل ستكون الأخيرة قبل توزيع النّص تمهيدًا لطرح التحفّظات على قانون "إلغاء سبب المعقولية"، والتي يمكن تقديمها حتى صباح الإثنين، و"سيكون النقاش طويلًا وشاملًا، وسيتم حسم نقاط الخلاف والاتفاق حول هذه المسألة". ولتجنّب الإرباك أوضح روتمان أن الأولوية ستعطى حسب ترتيب المتحدثين لأعضاء اللجنة وأعضاء الكنيست الذين لم يُعبِّروا عن أنفسهم بعد بشأن هذه القضية.
تحشد المعارضة الإسرائيلية جماهيرها في مواجهة إصرار نتنياهو على المضيّ في "التعديلات القضائية"، وثمة سيناريوهات مطروحة للأزمة: عجز الجيش، وتدخّل المحكمة العليا، وشارع في مواجهة شارع
كما كتب روثمان رسالة إلى أعضاء اللجنة، جاء فيها أنّ التصويت سيبدأ يوم الإثنين، لكن أعضاء المعارضة يعتزمون تقديم مئات الاعتراضات، ومن المتوقع أن تستمر المناقشات أكثر من يوم واحد، وبالتوازي مع ذلك أكد قادة كبار من حزب الليكود أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مُصرٌ على المضيّ قدمًا في مشروع قانون إلغاء سبب المعقولية حتى لو بلغت احتجاجات المعارضة ذروتها، مثلما جرى في شهر آذار/ مارس الماضي عندما أوقف الائتلاف الحكومي التشريعات مؤقتًا. فما هي السيناريوهات المطروحة لهذه الأزمة:
أولًا: سيناريو فقدان الجيش قدرته العملياتية
وهذا السيناريو قد يحدث بفعل تعاظم إعلان ضباط وجنود الخدمة الاحتياطية في الوحدات الحسّاسة –سلاح الجو شعبة الاستخبارات، الدفاعات الجوية -الامتناع عن التطوع في الجيش، فجنود وضباط الاحتياط هم العمود الفقري للوحدات الحساسة في جيش الاحتلال، وعلى سبيل المثال فإن الواحد منهم يعمل خلال أيام الأسبوع في شركة تجسس خاصة، وهناك أيام وساعات أخرى من الأسبوع يتطوّع فيها في وحدته.
أوساط رفيعة من جيش الاحتلال أبلغت القناة 12 الأسبوع الماضي أن الجيش الإسرائيلي سيفقد قدراته العمليات في حال أصر المئات من جنود وضابط الوحدات الحساسة من الخدمة الاحتياطية خصوصًا سلاح الجو وأقسام متعددة من الاستخبارات والدفاعات الجوية، على قرارهم، وفي تلك الحالة فإن وزير الجيش يوآف غالانت سيجد نفسه مضطرًا للطلب من نتنياهو التراجع عن "الانقلاب القضائي".
سيناريو فقدان الجيش قدرته العمليّاتية بفعل احتجاجات جنود وضباط الاحتياط، هو الأخطر، ويتوقّع أن ينتهي بصدام محتمل بين نتنياهو ووزير جيشه، وإلى تعمّق الأزمة داخل الجيش
رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت خاطب نتنياهو عبر موقع "واللا" قائلًا: "يجب أن تكون منتبهًا للاحتجاجات، ومسؤوليتك هي العمل من أجل سلامة الجيش الإسرائيلي استعدادًا للتحديات الأمنية الكبيرة في المستقبل القريب.
أمّا العقيد نوف إبريز الذي خدم أكثر من 40 عامًا في سلاح الجو، ولكن بعد التشريع قرر التوقّف عن التطوع قال إنّ "أي ضرر يلحق بأمن الدولة ليس خطأ جنود الاحتياط الذين توقفوا عن الخدمة، بسبب القانون ستكون مهمة حزب الله أسهل في المواجهة المقبلة".
وأوردت الإذاعة العبرية العامة أنّ طياري الاحتياط أبلغوا قائد القوات الجوية أنهم لن يحضروا للتدريب ابتداءً من الأسبوع المقبل احتجاجًا على الانقلاب القضائي.
وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن الطيارين يفضّلون هذه المرة الاحتجاج بشكل فردي، لتفادي إظهار صورة تفيد بوجود تمرّد جماعي منظّم، وعلى الرغم من أنهم يعتزمون التصرف كأفراد، إلا أنهم ينتظرون، ويأملون بتشكيل كتلة حرجة من حركة تمرد فردية، على نحو يجبر رئيس الأركان هرتسي هليفي، وقائد سلاح جوّه على التحرك والتصرّف.
عميت سيغال المحلل السياسي المحسوب على اليمين كشف في مقاله الأسبوعي أن نتنياهو يقول في جلساته المغلقة: "يمكن لإسرائيل أن تتدبر أمرها دون بضعة أسراب من الطائرات المقاتلة، لكن لا يمكنها البقاء بدون حكومة".
وهذا السيناريو هو الأخطر، ويتوقّع أن ينتهي بصدام محتمل بين نتنياهو وزير جيشه، وإلى تعمّق الأزمة داخل أوساط الجيش.
ثانيًا: سيناريو تدخل المحكمة الإسرائيلية العليا لإلغاء القانون
زعيم حزب "يسرائيل بينتو"، أفغيدور ليبرمان كان قد طالب بعد مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على القانون، المحكمة العليا بالتدخّل لإلغائه.وسبقت دعوات ليبرمان، ولحقتها مطالبات مشابهة طرحها خبراء القانون الدستوري في "إسرائيل"، والذين حذّروا من إمكانية حدوث أزمة دستورية وصدام بين السلطات، في ظل المساعي لإدراج هذا التشريع في قانون أساس.
من المحتمل أن تقضي المحكمة الإسرائيلية العليا بأن قانون إلغاء سبب المعقولية الذي أقرّ مؤخرًا، تعديل غير دستوري، وفيه إساءة لاستخدام السلطة التأسيسية التي يستمد الكنيست منها صلاحية التشريع
خبير القانون الدستوري والإداري، والمحاضر في كلية الحقوق في جامعة بار إيلان، البروفيسور أريئيل باندور أكد للقناة 12 أنّ بمقدور المحكمة العليا إلغاء القانون إذا رأت أنه يشكِّل إساءة لاستخدام السلطة التأسيسية التي يستمد الكنيست منها صلاحية تشريع قوانين أساس.
وأضاف باندور أن "الحديث يدور حول بند جديد في قانون أساس، وليس قانونًا عاديًا، وطبقًا للمحكمة العليا فثمة قيود على صلاحيات الكنيست لتشريع قانون أساس يحمل الصفة الدستورية.
ورأى الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أمير فوكس، في حديث مع ذات القناة أنّه "إذا تعارض تشريع تقليص ذريعة عدم المعقولية مع جوهر النظام الديمقراطي ومبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون، فمن المحتمل أن تقضي المحكمة العليا بأنه تعديل غير دستوري".
واتفق فوكس مع باندور، بشأن اقتراب "إسرائيل" من أزمة دستورية، قائلًا: "قد نصل لأزمة دستورية قريبًا إذا ما تم تشريع مقترح القانون، وأصدرت المحكمة أوامر بإلغاء قرارات المسؤولين المنتخبين، حتى قبل البتّ في شرعية قانون الأساس".
ثالثًا: سيناريو "شارع في مواجهة شارع"
تحظى التعديلات القضائية ومن بينها "إلغاء سبب المعقولية"، بدعم الائتلاف الحكومي الذي يستند لقاعدة جماهيرية في معظمها تقطن خارج منطقة تل أبيب الكبرى، في الجنوب والنقب والقدس والأطراف المهمّشة اقتصاديًا، وفي أوساط اليهود الشرقيين، والحريديم المشتددين دينيًا، بينما معارضة هذه التعديلات لا تقتصر على المعارضة السياسية، بل تتعداها لنخب وقطاعات واسعة، بدءًا من القطاع الاقتصادي المهتم بتداعيات إضعاف القضاء على تراجع الاستثمارات الخارجية، مرورًا بالأكاديميين والباحثين الذين يخشون أن تتراجع دول العالم عن تمويل أبحاثهم بحجة أنهم يتواجدون في دولة غير ديمقراطية، وصولًا إلى ضباط وجنود جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" الذين يرون في المحكمة العليا قبة حديدية تحول دون ملاحقتهم ومحاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب في الدول التي يتيح قضاؤها محاكمة مجرمي الحرب من الدول التي لا توجد فيها منظومة قضاء نزيهة.
عندما بلغت الاحتجاجات ذروتها، نظّم الائتلاف الحكومي مسيرات موالية، ووقعت صدامات مع متظاهري المعارضة في عدة أماكن
والتقديرات السائد في أوساط قادة حزب "الليكود" الذين تحدّثوا مع نتنياهو في الأيام الأخيرة، وفقًا لصحيفة "هآرتس" تشير إلى عزمه مواصلة التقدّم نحو تشريع قانون إلغاء حجة المعقولية، حتى لو بلغت الاحتجاجات ذروتها كما حدث قبل أشهر، عندما أقال وزير جيشه، واضطر بعد ذلك للاستجابة لمبادرة الرئيس الإسرائيلي يستحاك هرتسوغ وتجميد التشريعات والشروع في حوار مع المعارضة.
ذات الأوساط القيادية في الليكود أضافت للصحيفة أنّ نتنياهو عاقد العزم على تشريع مقترح القانون حتى في ظل التهديد بالامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية من جانب ضباط وجنود الاحتياط من سلاح الجو والجيش بشكل عام، طالما بقيت الاحتجاجات بنفس حجم الجولة السابقة.
وينطبق هذا أيضًا على أيام الاضطراب والتظاهرات، وتهديدات الشركات الكبرى في الاقتصاد بنقل إدارة أموالها لخارج "إسرائيل"، ولا تعرف المصادر التي تحدثت مع نتنياهو كيفية تحديد جوهر الخط الأحمر الذي سيكون بعده نتنياهو مُجبرًا على التوقُّف عن التشريعات القضائية.
وقال مصدرٌ للصحيفة العبرية: سنرى إلى أين تسير الأمور، من المستحيل التكهُّن مسبقًا بما ستبدو عليه "إسرائيل" في الأيام المقبلة، وما هو مستوى اللهب وشدّته، وكيف سيؤثر ذلك على نتنياهو.
وعندما بلغت الاحتجاجات ذروتها، نظّم الائتلاف الحكومي مسيرات موالية، ووقعت صدامات مع متظاهري المعارضة في عدة أماكن، بل إنّ جهاز "الشاباك" اعترض سيارة لأحد أنصار نتنياهو كانت تقل مسلحين هددوا أنهم في طريقهم لقمع احتجاجات المعارضة.