تحتضن البلدة القديمة في مدينة غزة ثلاثة قصور أثرية، تعد إرثًا حضاريًا غاية في الجمال، وتشكّل نماذج معمارية للحضارة الإسلامية في العهدين المملوكي والعثماني.
يسلّط "الترا فلسطين" في هذا التقرير، الضوء على 3 قصور في البلدة القديمة بمدينة غزة، مستعرضًا تاريخها، والظروف التي مرت بها عبر التاريخ
وتدلل هذه القصور على رقي وازدهار فنِّ العمارة الإسلامية، لما تحتويه من أساليب معمارية وفنية مميزة، كما أنها تشكِّل سجلًا يؤرِّخ لأطوار العمارة الإسلامية في فلسطين.
- "قصر الباشا"
يعد "قصر الباشا" أحد النماذج المتبقية للقصور في مدينة غزة، ويمثل في تصميمه ومحتواه المعماري فلسفة وطابع العمارة الإسلامية.
يقع القصر في حي الدرج بالجهة الشرقية من البلدة القديمة، ولا توجد لوحة تأسيس تؤرِّخ لبناء القصر، ويقال بأن بناءه يعود للعمارة الإسلامية المملوكية، ودل على ذلك وجود شعار الأسد على المدخل الرئيس للقصر، وهو عبارة عن أسدين متقابلين اتخذ للدلالة على انتصار المسلمين على الخطرين المغولي والصليبي.
التسمية
وسمي قصر الباشا بالعديد من التسميات التي عرف بها خلال مراحل تاريخية مختلفة مرت بها مدينة غزة، فقد أطلق عليه خلال العصر المملوكي (1260-1517 للميلاد) لقب "مقر نيابة غزة"، وهو اللقب الذي كان يطلق على حكام الولايات خلال هذا العصر.
وفي العصر العثماني (1517-1923 للميلاد) أطلق عليه اسم "قصر الباشا"، و"دار السعادة"، و"قصر آل رضوان" نسبة إلى أسرة رضوان الغزية، التي حكمت غزة خلال العصر العثماني بين عامي (1556-1690 للميلاد).
تعرّض القصر إلى الاحتلال من قبل الحملة الفرنسية لبضعة أيام أثناء اندحارها مهزومة عن مدينة عكا سنة 1799 للميلاد، لذلك أطلق عليه بعض العامّة، تسمية خاطئة وهي "قلعة نابليون".
استمر القصر يؤدي وظيفته كمقر لوالي غزة خلال العصر العثماني حتى مجيء الاحتلال البريطاني لفلسطين سنة 1918 للميلاد، حيث تحوّل القصر إلى مركز لشرطة الاحتلال البريطاني وسمي بـ (ديبويا)، وأثناء حكم الإدارة المصرية لغزة بين عامي 1948 – 1967 استخدم كمبنى لإدارة مدرسة الأميرة فريال "أخت الملك فاروق".
مبنى القصر
ويتكون القصر من مبنيين منفصلين، بينهما حديقة واسعة، ويقع المدخل الرئيس للقصر في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي، وهي من أجمل الواجهات بناء وزخرفة، حيث زينت بزخارف هندسية جمالية نقشت بالحجر وعرفت باسم (الأطباق النجمية).
وزينت العديد من مداخل وواجهات القصر بعناصر معمارية مميزة، كالعقود المدببة، ونصف دائرية، وحدوة الفرس، ما يدل على رقي وازدهار فن العمارة الإسلامي.
وأشرفت وزارة السياحة والآثار في مدينة غزة على ترميم وصيانة القصر خلال السنوات الماضية، قبل أن يتم تحويله إلى متحف حكومي.
- "قصر السقا"
يعد قصر السقا نموذجًا رائعًا من الناحية المعمارية والفنية والتاريخية لقصور الأغنياء في العمارة الإسلامية، ويقع في الضاحية الشرقية لمدينة غزة بحي الشجاعية.
ويعود بناء القصر إلى فترة الحكم العثماني لفلسطين، وقد تم بناؤه سنة (1661 للميلاد) في عهد السلطان محمد الرابع، حيث بناه أحمد السقا أحد كبار تجار مدينة غزة الأثرياء.
ويتكون القصر من إيوان واسع حوله ثلاث غرف، ويتوسط ساحة البيت درج يؤدي إلى أنصاف قباب وأقواس مزخرفة، والدرج ينقسم إلى شقين يؤدي كل منهما إلى غرفة معيشة مزيّنة من الداخل بالأقواس الحجرية.
وتتدلى من القباب المقوسة ثريات منقوشة بزخارف إسلامية، ويوجد به علّية في الطابق العلوي، وللقصر بئران، استخدم الأول للمياه والآخر كمخزن للأعلاف من حبوب القمح ومؤونة أهل البيت.
عام 2015، جرى ترميم وصيانة القصر من قبل الجامعة الإسلامية بغزة، وبات القصر مكانًا مفضّلًا لدى المؤسسات الثقافية والفنية لتنظيم الفعاليات ذات العلاقة بالتراث الفلسطيني.
- "قصر الداية"
قصر الداية الأثري ثالث هذه القصور، ويقع في حي الزيتون في البلدة القديمة شمال مسجد الشمعة، ويرجع تاريخ تأسيسه إلى العصر العثماني. تبلغ مساحة القصر الذي يعد نموذجًا رائعًا من الناحية المعمارية والفنية في العمارة الإسلامية، نحو 750 مترًا مربّعًا، وتعود ملكيّته إلى عائلة الخضري.
يتكون القصر من طابقين، الأول يحوي 6 غرف كبيرة، وإيوانين، وعدة مطابخ، إضافة إلى الدرج الداخلي الذي يقود إلى الطابق الثاني والذي يتكون من عدة غرف تطل على الفناء الداخلي للقصر وإيوان.
وتعد واجهة القصر أجمل ما فيه، إذ تتميّز بجمال الفتحات المطلة على الفناء الداخلي كفتحات الشبابيك، والأبواب، ويوجد داخل القصر ثلاث سراديب مغلقة.
وتزخر مدينة غزة بمئات المواقع والمباني الأثرية، والتي صنفتها وزارة السياحة والآثار في دليل أثري أصدرته مؤخرًا ضمن 13 بندًا وهي: الجوامع والمساجد، والأديرة والكنائس، والمدارس والقصور، والأسواق والخانات، والأسبلة والحمامات، والأسبطة والزوايا والمقامات، إضافة إلى المقابر والبيوت والتلال الأثرية.