18-أبريل-2019

طلاب من الشبيبة خلال المناظرة - تصوير أحمد طلعت (gettyimages)

انتهت المنافسات الديمقراطية الأكثر أهمية بالنسبة للجمهور الفلسطيني والأحزاب وحتى "القيادة"، والمتمثلة بانتخابات مؤتمر مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، وكانت النتائج غير مسبوقة في تاريخ الجامعة بالتعادل في المقاعد بين الإطار الطلابي لحركة فتح "الشبيبة" والإطار الطلابي لحركة حماس "كتلة الوفاء"، وحصول الإطار الطلابي للجبهة الشعبية "القطب الديمقراطي" على خمسة مقاعد، وقد تفجّرت الاحتفالات الفتحاوية حتى قبل إعلان النتائج النهائية، بينما لم تنسَ حركة حماس أن تبارك لأبنائها "انتصار خيار المقاومة".

في هذا المقال لن يكون بوسعنا نقاش لماذا تأخذ جامعة بيرزيت كل هذا الاهتمام، فهذا أمرٌ واقعٌ لا يُمكن أنكاره أو التقليل منه، وما يستحق أن نُفكر فيه الآن يتعلق بما أظنُّ أنه لم ينتبه له أو تجاهله كثيرون -على رأسهم الأحزاب وقادتها- وهم يتحدثون عن نتائج هذه الانتخابات، والاحتفالات التي أعقبتها، وردود أفعال الفصائل وقياداتها.

على حماس أن تعترف -على الأقل داخليًا- أن اعتداءات أجهزة أمنها أضرّت بكتلها الطلابية في جامعات الضفة

أولاً: على فتح وحماس أن تفهما من هذه النتائج وقبلها نتائج السنوات الماضية أنه ليس بإمكان أي منهما إقصاء الطرف الآخر والتفرد بحكم البلد، وأن يفهم اليسار أنه سيبقى ضعيفًا مادام مفرقًا وغير قادرٍ على التوحد في إطار جامعٍ له.

اقرأ/ي أيضًا: الجوع عدو الكرامة.. هل التمرد عليه مشروع؟

لم يعد منطقيًا لحماس أن تبقى متمسكة بانتصاراتها في السنوات الأربعة الأخيرة وقبل ذلك الفوز الكاسح في انتخابات التشريعي كتصويتٍ لا نهائيٍ من الجماهير للحركة أن تكون قائدًا له إلى الأبد، فالحركة تتراجع شعبيًا وفتح رغم كل عيوبها لازالت قادرة على التقدم، وهذا يوجب على التوقف عن التصرف كأن "المقاومة" تجعلها دون منافسٍ في البلد.

وعلى حماس أن تعترف -على الأقل داخليًا- أن اعتداءات أجهزة أمنها واللغة التحريضية التي استخدمها أنصارها تجاه حراك "بدنا نعيش" كانت كفيلة بتوجيه ضربةٍ لكافة الأنشطة الطلابية والجهود التي يبذلها أبناء كتلها الطلابية في جامعات الضفة.

آن لفتح أن تفهم بأن إجراءاتها ضد قطاع غزة لن تُنهي حماس لا في غزة ولا في الضفة

أما فتح، فآن لها أن تفهم أن حماس رغم أخطائها الكثيرة سياسيًا وحتى عندما تمضي نحو التهدئة مع إسرائيل وترتكب قمعًا واعتقالاتٍ جماعيةٍ في قطاع غزة، فإنها لازالت تحظى بثقةٍ واسعةٍ بين الشريحة المتعلمة -المثقفة إلى حدٍ ما- في البلد. وأن "النهضة" التي يتحدث عنها ناطقون باسم الحركة وقياداتٌ فيها ليست كافية لتمنح الحركة الثقة شعبيًا أو التأييد المُطلق لتتفرّد في الساحة، أو أن تواصل اتخاذ قراراتٍ وممارسة أفعالٍ لا ترضي الناس وقمع اعتراضهم عليها، حتى وإن تزامنت هذه "النهضة" مع أخطاء كارثية لحماس.

آن لفتح أن تفهم بأن قطع الرواتب وبقية إجراءاتها ضد حماس والفلسطينيين في قطاع غزة لن تُنهي حماس لا في غزة ولا في الضفة، وهذا ما تؤكده عوامل كثيرة لا تقتصر على نتائج الانتخابات.

ما دام اليسار عاجزًا عن التوحد فإن عليها التوقف عن انتقاد حماس وفتح بسبب الانقسام

أما اليسار الفلسطيني، فقد منحته نتائج الانتخابات في جامعة بيرزيت الفرصة للتأثير في صناعة القرار من خلال القطب الديمقراطي الذي حصد خمسة مقاعد ستحتاجها "الشبيبة" و"الوفاء" لتشكيل المجلس. لكن هذا التأثير ليس مرتبطًا بزيادة وزن اليسار بل بتراجع حماس وفتح شعبيًا، لذلك فإن على اليسار أن يفهم بأن التحالف هو السبيل الوحيد أمامه لزيادة ثقله، هذا التحالف الذي يجب أن يكون قويًا بما يكفي حتى لا يسقط أمام أي إغراءاتٍ كما حدث عند تشكيل الحكومة، ومادامت أطراف اليسار عاجزة عن تشكيل هذا التحالف رغم كل القواسم المشتركة بينهما، فإن عليها التوقف عن انتقاد حماس وفتح بسبب الانقسام، فالأيديولوجيا والقواسم المشتركة بين قوى اليسار  أكثر وأشدُّ من مثيلتها بين فتح وحماس بالتأكيد.

ثانيًا: كشفت الاحتفالات الفتحاوية أن لا شيء تغيّر في سياسة "الخيار والفقوس" بالضفة الغربية بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد اشتية "الرجل المثقف المنفتح" الذي يُعلق عليه كثيرون آمالاً كبيرة. فرئاسة الوزراء في الأيام الأخيرة لـ رامي الحمدالله أصدرت قرارًا دعمته وزارة الداخلية واهتمَّ به الإعلام الرسمي وشبه الرسمي نصَّ على معاقبة كل من يطلق الرصاص "كائنًا من كان وفي كل مكان".

مزّق الرصاص الفتحاوي بعد انتخابات جامعة بيرزيت قرار رئاسة الوزراء معاقبة كل من يطلق النار

سقط هذا القرار مع بدء فرز الأصوات في قاعة كمال ناصر التي توقع الفتحاويون أن يحسم الناخبون فيها النتائج لصالحهم. مزّق الرصاص الفتحاوي القرار في بيرزيت على مقربة من مقر الشرطة، ثم في رام الله قرب المقاطعة. وفي الموقعين، يُمكن للأجهزة الأمنية أن تتحرك بقوة وتسيطر على كل الفوضى دون معيقات تقليدية مثل أن هذه المنطقة مصنفة ج ولا نستطيع الوصول لها إلى بتنسيقٍ مسبق مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: الحمدالله يأمر بمعاقبة مطلي الرصاص في الضفة

كانت الأجهزة الأمنية قادرة على منع إطلاق الرصاص وترك أبناء فتح يحتفلون بالطرق القانونية، لكنها امتنعت عن ذلك تمامًا في الوقت الذي اقتحمت فيه مراتٍ كثيرةٍ احتفالاتٍ بالإفراج عن أسرى بسبب إطلاق النار خلالها، هذا مع التأكيد على رفض السلوك في كل الحالات والمناسبات.

القضية هنا ليست طبقة الأوزون ولا عصافير السماء كما يُعلق الناس ساخرين في "السوشال ميديا"، بل هو القانون الذي تضعه السلطة ثم تخرقه، وهو الخسائر الكبيرة التي تحدث كثيرًا بسبب إطلاق النار وتصل إلى القتل أو الإصابة بجروح، وهذا ما أقرَّت به رئاسة الوزراء في قرارها الذي عمّمته على الأجهزة الأمنية والمحافظين، وكان بديهيًا وواجبًا أن يستمر الالتزام به حتى مع تغير الحكومة ورئيس الوزراء.

تعكس هذه الاحتفالات أيضًا تراجع فتح إلى حدٍ يجعلها تُقيم الدنيا ولا تُقعدها احتفالاً بالتعادل مع حركة حماس! لقد ظهر الأمر كأن حماس هي "أم الجماهير" التي يزيد عمرها عن خمسة عقودٍ وفتح تُحاول إدراك شعبيتها في البلد دون أن تجد بذلك سبيلاً!

الأوراق اللاغية في انتخابات جامعة بيرزيت  زادت عن عدد أصوات كتلتين تضم إحداهما حزبين يساريين

ثالثًا: بلغت نسبة التصويت في الانتخابات 78% وفق ما أعلنه عميد شؤون الطلبة، وهذا يعني أن 22% من الطلاب قاطعوا الانتخابات، بينما بلغ عدد الأوراق اللاغية والبيضاء 189 ورقة، وهي أكثر من الأوراق التي حازتها كتلتان طلابيتان شاركتا في الانتخابات، إحداهما جمعت بين حزبين يساريين معًا! يُشير هذا إلى أن نسبة عالية من الطلاب ترفض كافة الأحزاب المشاركة، وهؤلاء الطلاب يُؤيد قسمٌ منهم الجهاد الإسلامي، وقسمٌ آخر يميل إلى تقديم نفسه كمستقلٍ رافضٍ لكافة الأحزاب رغم كل التطورات التي تحدث في البلد، أو أنه غير راضٍ عن أداء كل الكتل الطلابية.

ماذا تعني هذه الأرقام؟ هذا السؤال يجب أن تطرحه الأحزاب على نفسها وتفكر به جديًا وطويلاً إذا أرادت أن تأخذ العبرة من هذه الانتخابات. والواقع أن التعليقات الأولية على هذه الانتخابات لا تُشير إلى نية الأحزاب الاعتراف ولا التفكير، فحماس اعتبرت أن الجماهير "تمسكت بخيار المقاومة"، وفتح اعتبرت النتائج انتصارًا مُدويًا ودليلاً على "نهضتها"، وهذا كله لا يُبشّر بخير.


اقرأ/ي أيضًا: 

هيئات الدولة أم الفيسبوك؟!

اقتناص الوظائف العليا في دولة يحدها حزب واحد

الرئيس يبدل أحصنته وسط المعركة.. ما السبب؟