16-مارس-2019

أصبح واضحًا أن الاحتجاجات في قطاع غزة تحت شعار "بدنا نعيش" أكبر من مجرد اعتصامات أو مظاهرة للتنفيس، وإنما حراكٌ يُحاول الاستمرار والتمدد إلى حين تحقيق مطالب محددة. وأصبح واضحًا أن حركة حماس تغرق كل يومٍ في أخطاء لا يُمكن نسيانها أو تجاهلها مع مرور الزمن، وأن حركة فتح لا تُريد تفويت هذه الفرصة على نفسها لتحقيق مكاسب على حساب حماس. كما تُراقب إسرائيل ما يجري أملاً في أن يحدث شيءٌ تجني من خلاله ما عجزت عن تحقيقه لسنوات دون أن تدفع الثمن.

أمام هذا الواقع، تجدر الإشارة إلى خمس نقاطٍ رُبما يتوجب على الجميع إدراكها في التعامل مع هذا الحراك وتغطيته وقبل إطلاق الحكم عليه وتوجيه المطالبات والدعوات له.

إذا كان ما يحدث في غزة "مؤامرة"، فإنها لن تنجح إلا نتيجة فشل حركة حماس ذاتها في التعامل معها

أولاً: تفترض قيادة حماس وأنصارها أن ما يحدث مؤامرة عليها لإسقاطها وإسقاط المقاومة، وهذا ما يظهر في تصريحات بعض القيادات، ويظهر بوضوح أكبر في قمع المحتجين. ما تتجاهله الحركة هنا أو يغيب عنها، أن هذه "المؤامرة" المزعومة لا يُمكن أن تنجح إلا إذا فشلت الحركة ذاتها في التعامل معها.

اقرأ/ي أيضًا: أمن غزة يواصل قمع محتجي "بدنا نعيش"

يتوجب على حماس أن توقف القمع والتخوين فورًا، وتعتذر عنه صراحة، وتُعلن الدعوة إلى حوار مفتوح مع الحراكيين برعاية الفصائل في غزة ومشاركتها، أو على الأقل الفصائل التي تُشاركها في العمل المقاوم الموجه ضد الاحتلال، هذا إن لم تذهب إلى التخلي عن إدارة غزة كما دعا النائب عن الحركة يحيى موسى.

وحدهما التعقل والحكمة كفيلان بحماية غزة من تدهور مشابه إلى حدٍ كبيرٍ للاقتتال الذي حدث في عام 2007.

ثانيًا: نُقل عن مسؤول اللجنة السياسية في الجبهة الشعبية بغزة إياد عوض الله أن الجبهة دعت قيادات الصف الأول لكل الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية لعقد لقاءٍ عاجلٍ من أجل التباحث في أوضاع القطاع وملاحقتها قبل أن تتدهور الأمور. لقد تأخرت هذه الدعوة لكن ليس كثيرًا، وعلى كافة هذه الفصائل أن تستجيب للدعوة، وتتحدث مع حركة حماس بلغة واضحة وحاسمة تتضمن النُّصح والتحذير معًا، بأن ما يحدث يجب أن لا يستمر، وأن على الحركة التوقف عن دفع الناس لمزيد من الاحتجاج الذي قد يُفضي إلى عنفٍ متبادل، ومن شأنه أن يدفع صراعًا داخليًا يُنهي القليل من الفائدة التي جناها الناس من خلال مسيرات العودة، تحديدًا مع اقتراب موعد "مليونية الأرض والعودة" التي دعت لها هيئة المسيرات الخميس الماضي.

ثالثًا: تُجنّد حركة فتح طاقة كبيرة في دعم حراك "بدنا نعيش" في غزة، وهذا يضر بالحراك أولاً، كما يبدو سخيفًا للغاية. فحركة فتح وقفت إلى جانب قطع الرواتب عن أبنائها من موظفي السلطة في غزة، كما دعمت وقف دفع ثمن الكهرباء، وهي من شارك قسمٌ من أبنائها في قمع المحتجين على هذه الإجراءات قبل أقل من عام في رام الله، هذا القمع الذي تخلله تنكيلٌ بالصحافيين وإطلاق قنابل صوت وغاز في الشوارع، وتحرشٌ بالناشطات المشاركات في الاحتجاج، وتبعه تشكيكٌ في أخلاقهن و"شرفهن" على مواقع التواصل الاجتماعي.

الدعم الفتحاوي لحراك "بدنا نعيش" يضر به ويبدو سخيفًا في ظل إجراءات السلطة التي دعمتها فتح ضد أبنائها في غزة

لذلك، يبدو سخيفًا أن تتجاهل فتح كل هذا وتعيب على حماس قيام أنصارها وعسكرها بما يُشبهه. وهنا ندعو فتح لأن تجيب على سؤال بسيط لكنه في غاية الأهمية: ماذا لو خرج حراكٌ مشابهٌ وشاملٌ وواسعٌ في الضفة ضد الفساد وغلاء الأسعار وترقيات أبناء المسؤولين؟

اقرأ/ي أيضًا: قبل الضمان كنا نهوهو ولا نعض

رابعًا: تُدافع نسبةٌ عاليةٌ من أنصار حركة حماس في الضفة عن الاعتداءات التي ترتكبها أجهزة الأمن في غزة، وتستخدم أيضًا لغة التخوين للمحتجين، ويدعي كثيرٌ منهم أن المنتقدين (حقوقيين وإعلاميين) لأفعال أمن حماس سكتوا عن أفعالٍ مشابهةٍ للأجهزة الأمنية في الضفة.  والحقيقة أنه إلى جانب عدم صواب هذا الادعاء مُطلقًا والأدلة على ذلك كثيرة، فإنه يبدو مستغربًا أن يصف أنصار حماس السلطة الفلسطينية بأنها "خائنة"، بل ويذهب كثيرٌ منهم إلى تكفيرها، ثم يُقارنون بين أفعالها وأفعال حركة حماس التي تقول إنها حركة "مقاومة إسلامية"! على هؤلاء أن يتذكروا أن المسلم والمقاوم لا يليق به ارتكاب هذه الأفعال حتى لو ارتكبتها الدنيا كلها.

أدعو أنصار حماس في الضفة ليتذكروا أيضًا أن أفعال حركتهم منحت مادة ساخنة لخصومها في انتخابات مجالس الطلبة المرتقبة في جامعات الضفة، وهذا يُلحق الضرر بهم ويُكبّد كتل حماس الطلابية خسائر كبيرة بعد التقدم الذي حقّقته في السنوات الماضية. القضية إذًا أن حماس تُسيء لنفسها وتضرُّ أبناءها بهذه الأفعال، وكل المقارنات هنا مرفوضة ولا جدوى منها.

خامسًا: علينا جميعًا أن نتذكر أن الوضع في غزة على حافة الانهيار أصلاً نتيجة الحصار الذي تُشارك فيه أطرافٌ عديدة أولها إسرائيل، وقمع حماس لحراك "بدنا نعيش" يدفع الأمور إلى الهاوية أكثر، ويُنذر بانفجار داخلي قد لا تدفع إسرائيل ثمنه. وأمام هذا الانفجار الذي يجب أن يخشاه كل عاقل في هذا الشعب، يتوجب علينا أن نكون أكثر حذرًا وتعقّلاً عن تغطية هذه الأحداث إعلاميًا، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، فجميعنا يتحمل مسؤولية ما يحدث.


اقرأ/ي أيضًا:

لا ترحل ولا اخترناك

من أين لكم كل هذه الكراهية؟

عندما يتعبك الحُب هل ستنقذك الكراهية؟