05-ديسمبر-2018

استيقظت الإعلامية منار يونس (24 عامًا) على مكالماتٍ فائتةٍ كثيرةٍ على هاتفها، لوهلةٍ اعتقدَتْ أنّ هناك خبرًا ما، ولم تعلم أنها "الخبر" هذه المرة. صورةٌ التقطها بعض الصحفيين لها أثناء محاولتها القفز من على سور المدرّج في الملعب، بعد انتهاء مباراة بين فريقي النجمة والتضامن صور بلبنان، انتشرتْ على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تداولها على نطاقٍ واسع.

فوجئت منار بذلك، وسارعت لتوضيح الأمر، "عادةً حينما يُطلق الحكم صافرة النهاية، يفتح المراقب بوّابة المكان الذي نتواجد فيه، لكنْ هذه المرة، انطلق مسرعًا ليُصوّر نفسه سِلفي في وسط الملعب وتركنا في المكان مقفلاً، صرختُ كثيرًا لأني أريد إنجاز عملي قبل ذهاب الفرق، لكن دون جدوى، ولم أجد طريقة لإتمام مهامي سوى القفز من على السور".

الفلسطينية منار يونس، أصغر إعلامية رياضية في الإعلام اللبناني، وتُلقب بـ"أميرة الإعلام الرياضي"

تتسلل ضحكة خفيفة، "أُدرك أنْ هذا الأمر لا يجوز للصحفيين كما لا يجوز للجماهير، لكن لا أتذكرُ كيف فعلت ذلك، كُل ما كنتُ أفكر فيه هو عملي فقط، ويبدو أني لم أجد طريقة أخرى غير القفز من أجل عدم خسارة وقت آخر".

منار التي تعود أصولها لمدينة عكا، وتسكن في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، ترعرعت منذ صغرها على حب الرياضة، درست الإعلام في الجامعة اللبنانية، وأرادت تطويع شهادتها في ما تحب، لتنطلقْ بهمةٍ وشغف كبيرين في هذا المجال الذي اختارته، تتابع وتُحلل، تشاهد جميع أنواع الرياضة، وتستمتع بمشاهدة مباريات كرة القدم، حتى أصبحت الإعلامية الفلسطينية الأولى والأصغر في الحقل الرياضي اللبناني.

تعلقتْ منار بالظاهرة البرازيلية رونالدو، تشجع برشلونة في الدوري الأسباني، وإنتر ميلان في الدوري الإيطالي، بينما فريق التضامن صور هو الأقرب لقلبها، إلى جانب فريق النجمة، لكنها تُؤكد لـ الترا فلسطين أنها "حينما يتعلق الأمر بالإعلام، فأنا أقف بشكلٍ حيادي، ما أراه فقط هو الذي أكتبه، وأحللُ بعيدًا عن ميولي وحبي لبعض الفرق".

عملت منار -خلال رحلتها المهنية القصيرة حتى الآن- في تلفزيون الجديد، وجريدة اللواء، وفضائية فلسطين اليوم، ثم جريدة السفير، وحاليًا تعمل مراسلة لـ"النشرة سبورت"، وهي أيضًا مسؤولةٌ إعلاميةٌ لنادي أهلي صيدا، والناطق الرسمي للاتحاد العربي للأكاديميات بلبنان، ولذلك سُميتْ بـ"أميرة الإعلام الرياضي".

وتعمل منار أيضًا، معلمة للرياضة البدنية في مدرسة "رضوان العيتاوي"، وتجد سعادة كبيرة في هذا المجال، بعد أن حصلت على شهادة خبرة ودورات تدريبية لفئتي "C " و"B" تحت إشراف رئيس رابطة المدربين المحترفين في إيطاليا رينزو ألفيري.

لم يكن سهلاً على منار دخول معترك الإعلام الرياضي؛ الذي يطغى عليه العنصر الذكوري. في بداية الأمر كانت الانتقادات وعبارات التثبيط تلاحقها أينما كانت: "ماذا تفعلين؟"، "لن تستطيعي؟"، "ستتنحين" كما تقول.

وتضيف منار، "حينما نزلت للملعب، الجميع كان يشير إليّ، ويُلمّح لغرابة وجودي في هذا المجال الذي لا يصلح للفتيات برأيهم، وأنني لن أستطيع الوصول لما أريد، لكنْ مع مرور الوقت، حجزتُ مساحتي في هذا المجال، وأصبح الجميع يعرف طبيعة عملي التي بحاجة لتغطية مستمرة ومقابلات مع اللاعبين".

منار يونس، منعتها الوثيقة الفلسطينية من دخول الكثير من الأماكن، ولاعبون رفضوا طلباتها لإجراء مقابلات معهم لأنها أنثى

بعد مرور خمسة أعوام على دخول يونس الإعلام الرياضي، تؤكد أن نظرة الناس إليها اختلفت بشكل كامل، وأصبح الجميع ينتظرُ ما ستكتبه من تقارير ومداخلاتٍ وتحليلٍ للمباريات.

ولا تنسى منار عندما رفض لاعبون طلبها إجراء مقابلات معهم، وأتبعوها بعباراتٍ ساخرة "إنت بدك تكتبي عنا؟"، "شو بتعرفي عنا"، هذا إضافة لكونها تحمل الوثيقة الفلسطينية التي تمنعها من العمل في كثير من الأماكن، لكن ذلك كله لم يُثنِها عن مواصلة عملها حتى غدت معروفة للجميع، ومطلوبة من جهاتٍ عديدة.

وترى أن الخوض في الإعلام الرياضي ليس سهلاً البتة، "فمن اليسير دخوله للشهرة، لكن الأهم أن تتصدر الإعلام الرياضي مُتسلحًا بالمعلومات ومثقفًا بشكل كبير في هذا المجال، خاصة وأن لا أحد يُساعدك في هذا المجال، خشيةً على مكانته في الوسط الرياضي" كما قالت.

وتُبين منار أن دعم عائلتها لها أسهم كثيرًا في استمرارها بتطوير ذاتها في حقل الإعلام الرياضي، عدا عن تكوينها لدائرة معارف واسعة جدًا في هذا الوسط، والتقائها بالعديد من نجوم كرة القدم في العالم، مثل رونالدينيو، وريفالدو، وكارلوس دونغا، وسيرجو بوسكيتس، وكارلوس بويول، وروبيرتو كارلوس، وباولو مالديني، ورايان غيغز، وادميلسون.

تطمح يونس لتقديم نشرة الأخبار في قناة "بي إن سبورت"، والوصول لما وصلت إليه "قدوتها" الإعلامية آسيا عبدالله، وأن تكون نموذجًا يُشجّع الفتيات على ممارسة هواياتهن التي يُحببنها دون النظر إلى المُثّبطين من المجتمع. على هذا الأساس فهي تنصح الفتيات اللواتي يُحببن الرياضة عدم التواني عن خوض هذا المجال، "لأن الذي يُقاتل، وحده من يصل" وفق قوله.


اقرأ/ي أيضًا: 

 فيديو | فتيات الملاكمة لأول مرة في غزة

فيديو | فتيات غزة.. الطريق في كرة السلة شائك

بيسبول غزة: قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية