22-نوفمبر-2016

مستوطنون يؤدون طقوسًا في "مقام يوسف" - Getty

لم يكن الدخول إلى مقام النبي يوسف، شرقي مدينة نابلس، سهلاً كما توقعنا، فالأمر تطلب إذنًا، وإجراءاتٍ لا تحتاجها الكثير من الأماكن الدينية المقدسة في المدينة؛ حتى التي كانت تتشابه مع المقام في الخلفيات التاريخية. فالمقام تحيط به تعقيدات السياسة والتاريخ والعقائد الدينية المختلفة للديانات السماوية كافة، وهذا بدا واضحًا في رفض العديد من المسؤولين لقاءنا للحديث حول المقام وتاريخه والإشكالات التي تحيط به.

لم يكن المقام حين دخلناه في الظهيرة مختلفًا كثيرًا عن وصف "ماري روجرز" شقيقة القنصل البريطاني في مدينة نابلس حين زارته في أواسط القرن التاسع عشر. فالمقام محاطٌ بسورٍ، والضريحُ "فج البنيان"، حسب وصفها، وما اختلف هو ما يتعلق بوجود الجدران التي احتوت على العديد من الكوات المخصصة للقناديل الصغيرة التي يتم إشعالها في مناسباتٍ معينةٍ من قبل أبناء الديانات كافةً، الذين كانوا يزورون المكان ويضعون أدعيتهم بلغات الأرض على جدرانه، وربما كان هذا بسبب إعادة بنائه أكثر من مرة.

مقام يوسف يقع شرقي مدينة نابلس

 

"مقام يوسف" في نابلس يملك خصوصية لدى كافة الأديان السماوية، وتختلف الروايات حوله، وقد أُعيد بناءه أكثر من مرة

تذكر كتب الرحالة المسلمين والأجانب "مقام يوسف"، فهؤلاء جعلوا المقام ضمن زياراتهم لمدينة نابلس. والسؤال عن مرجعية المقام وديانة الشخص الذي يرقد فيه، يصعب الحصول على إجابة له في فلسطين التي تختلط ملكيات المقامات فيها باختلاط الاحترام الذي يحظى بها أتباع هذه المقامات لدى هذه الديانات كافة.

تم ترميم "مقام يوسف" عدة مرات

 

اقرأ/ي أيضا: مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

فالمؤرخ شكري عرًاف في كتابه "طبقات الأنبياء والأولياء والصالحين في الأرض المقدسة" يذكر أن عدد المقامات الموجودة في فلسطين هو (2571) مقامًا، تلاقت الديانات جميعها في تقديرها واحترامها. ولكن السؤال: "ما هي الرواية الأقدم التي تناولت مقام يوسف" في نابلس، وهل هناك روايات تناقض أن المقام يعود للنبي يوسف؟ ولماذا هذا الإصرار، فلسطينيًا، في الفترة الأخيرة على نفي العلاقة ما بين المقام والنبي يوسف، ومحاولة نسبته لشيخ مسلم يدعى "يوسف دويكات"؟

التوراة يوضح أقدم الروايات

إن أقدم نص تناول قصة المقام ورد في التوراة اليهودية التي جاء فيها: "ثم مات يوسف وهو ابن مائة وعشر سنين فحنطوه ووضع في تابوت في مصر"، (تكوين 5:26 ) "وأخذ موسى عظام يوسف معه، لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلفٍ قائلاً إن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا معكم" (خروج 19:13).

وفي الكلام عن دفن النبي يوسف، حسب التوراة اليهودية، يقول سفر (يوشع 24:32): "وعظام يوسف التي أصعدها بنو إسرائيل من مصر دفنوها في شكيم في قطعة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حمور أبي شكيم بمائة قسيطة مغارة لبني يوسف ملكا....". أما التلمود فيؤكد ذلك من خلال قول يوسف لإخوته: "أدفن في المكان الذي منه أخذتموني".

كل ذلك أدى إلى أن اليهود في العصر الوسيط اعتقدوا أن قبر يوسف في بلاطة بمدينة نابلس، وهنا نشير إلى ما تبنته الديانة السامرية التي قال عنها الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي: "ويزعمون (السامريون) أنهم من سبط أفرايم وأن عندهم قبر يوسف الصديق ابن يعقوب (ع)، ويبرهنون على زعمهم هذا بما جاء في التوراة: ودفنوا في شكيم عظام يوسف التي أخرجها بنو إسرائيل معهم من أرض مصر". ويرجع هذا إلى سفر يوشع ليؤكد أن موقع هذا القبر اليوم في شرقي مدينة نابلس عند بئر يعقوب، رغم ذكر التطيلي بأن يوسيفوس، المؤرخ اليهودي، يعين موقع القبر في الخليل.

إلا أننا وحين عدنا لنعرف ما تناولته الديانة السامرية في توراتها التي تختلف عن توراة اليهود؛ نجدها لا تثبت فيها قصة دفن سيدنا يوسف في نابلس، وإن كانت قد تناولتها في سفر "الخروج"، خلافًا للتوراة اليهودية التي أثبتت قصة دفنه في مدينة نابلس، في سفر "يوشع"، هذا السفر الذي تخلو منه التوراة السامرية التي تحتوي على الأسفار الخمسة التي نزلت على النبي موسى، رغم أن السامريين يتعاملون مع هذا السفر ككتاب تاريخ ويحتفظون به في مكتباتهم الخاصة. ولذا يتضح أنهم يعتمدون في روايتهم لقصة دفن النبي يوسف في مدينة نابلس على كتب تاريخهم وحدها، والمبنية بشكلٍ واضحٍ على ما ورد في سفر "يوشع".

أقدم الروايات عن "مقام يوسف" في نابلس وردت في التوراة وتحدثت عن أن المقام يعود للنبي يوسف

ففي مخطوطة كتاب التاريخ السامري يذكر السامريون بأنهم دفنوا النبي يوسف في مرج البها (سهل عسكر وبلاطة) المقابل للجبل المقدس، "لكون يوسف عليه السلام كانت قد خرجت عظامه في صندوق صحبة بني إسرائيل، وكان بنو إسرائيل قد عملوا له عجلة وكانوا يضعون عليها تابوته، ويحملها اللاويون ويرحلون. وبقي هذا النظام منذ رحيلهم من جبل سيناء إلى عند دخولهم إلى مرج البها وهو المحل الذي اشتراه النبي يعقوب بماية نعجة محققة وبنى هناك مذبحًا وأوقفه على اسم القادر اله إسرائيل، لكونه بجانب الجبل الشريف. وفي وقت أن نزل بنو إسرائيل في هذا المرج ونصبوا فيه السكينة، وكان تابوت يوسف مجاورًا لها دائمًا كما قدمنا، فلذلك بقي مدفنه في هذا المحل الشريف"، كما ذكرت مخطوطة التاريخ السامري بتصرف.

اقرأ/ي أيضا: "النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

كما يذكر السامريون في المخطوطة ذاتها أنه وفي أيام الإمام الأكبر العيزر "جاء النصارى من بلادهم إلى نابلس وتوجهوا منها إلى القرى التي في دير حقل يوسف الصديق وهدموها، وطلبوا منهم أن يحفروا على مدفن سيدنا يوسف الصديق لأجل أن ينقلوا جثته من هذه الديار إلى بلادهم، وأمسكوا بالسامرة وألزموهم بالحفر لأجل أن يخرجوا لهم تابوت يوسف وكانوا يجرونهم لأجل الحفر، ووصلوا إلى باب المغارة الموضوع في داخلها الصندوق الشريف".

"وفي تلك الليلة التي هي ليلة السبت المقدس رؤي من السماء معجزًا وهو رعود وبروق ورياح عظيمة بغير أوانها، ونار صاعدة من باب المغارة إلى عنان السماء، كما رؤي عامود نور على الجبل المقدس جبل جرزيم، وممتدًا منه بغمام إلى باب المغارة وسكن هناك إلى أن صارت الناس نيام فرجع التراب الذي كانوا نقضوه في الستة أيام الجمعة إلى محله وبقي الحال كما كان أولاً وطلع العامود من باب المغارة ورجع إلى الجبل المقدس ... فلما أن شاهدوا النصارى هذا الحال خافوا من ذلك خوفًا شديدًا ووقعت الرعبة في قلوبهم وبنوا على تربته بيتًا ورجعوا إلى ديارهم، فلما أن رجعوا النصارى إلى بلادهم قاموا السامريون وهدموا ذلك البيت المذكور والذي بنوه النصارى"، كما ذكرت المخطوطة بتصرف.

السامريون يعتمدون في تأصيل روايتهم عن "مقام يوسف" في نابلس على التوراة اليهودية وليس على توراتهم

ويظهر هذا النص اعتماد السامريين في تحديدهم لقبر النبي يوسف إما لسفر "يوشع" في التوراة اليهودية، أو لتاريخهم الذي يأتون فيه بروايات تفصيلية تختلف حتى عن التوراة السامرية في سفر "الخروج". وهو تاريخ لا يمتلك أسانيد ولا تأكيدات على دقة النقل، خاصة وأن مروياتهم التاريخية كتبت بعد انقطاع كبير.

ويُشار هنا إلى عدم وجود روايات توراتية للسامريين تدعم ما يقولون، فيما يمتلك اليهود هذه المرويات بغض النظر عن صحتها التاريخية، سواء في سفر "الخروج" أو في سفر "يوشع" أول من دخل فلسطين من بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، حسب الاعتقاد التوراتي.

ماذا تقول الروايتان المسيحية والإسلامية؟

أما في الديانة المسيحية، فكانت أول الروايات التي تناولت الأمر في القرن الرابع الميلادي، حيث تناول الرحالة بورديكوس، حسب المؤرخ الفلسطيني إبراهيم الفني، قصة "مقام يوسف" كقصة دينية مسيحية. وقد أبدت الإمبراطورة هيلانة اهتمامها بها، واعتبرت الموقع موقعًا دينيًا مسيحيًا، ولذا ظهر الموقع في خريطة مادبا التي حددت موقعه في عين السكر في الجهة الشرقية من مدينة نابلس.

 إسلاميًا، ورغم أن القرآن الكريم أفرد للنبي يوسف سورة كاملة تناولت قصته بتفصيل كبير، إلا أنه لم يشر نهائيًا إلى مكان دفنه أو حتى وفاته. وإن كانت الإشارات تذهب إلى أن موته كان في مصر، كما أكد لـ "ألترا فلسطين" الشيخ خميس عابدة الوكيل المساعد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

وأشار عابدة إلى أن جميع المقامات والأضرحة في الضفة الغربية وقطاع غزة تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الأمر الذي ينطبق على مدينة نابلس التي تحتوي على أربعين مقامًا، بما فيها المقامات التي يقدسها السامريون سواءً في مدينة نابلس أو قرية عورتا القريبة منها.

وأكد عابدة أن أماكن دفن الأنبياء وقبورهم ليست معروفة، والنبي الوحيد الذي يعرف مكان دفنه هو النبي محمد، مستدركًا بأن هناك حديثًا شريفًا رواه أحمد في مسنده يقول: "ما من نبي يموت، إلا يدفن حيث يقبض".

وأضاف، أن ما ورد عن "مقام يوسف" بأنه مكان دفن للنبي يوسف لا يمكن إثباته تاريخيًا، مؤكدًا استعداد وزارة الأوقاف لفتح باب البحث العلمي في هذه القضايا؛ خاصة في حالة الرجوع إلى الوثائق والمراجع المعتبرة.

لا يوجد نص ديني إسلامي يشير إلى علاقة النبي يوسف بـ"مقام يوسف" في نابلس، كما أن النبي الوحيد الذي يُعرف مكان دفنه هو محمد  عليه السلام

 كلام الشيخ عابدة، رغم وجاهة منطقه إسلاميًا، إلا أنه لم يكن معتمد الرحالة العرب والمسلمون حين زاروا المقام؛ فقد أكد الرحالة بأن المقام الموجود في مدينة نابلس للنبي يوسف. فيقول الهروي، كما في كتابه" الإشارات"، ثم ياقوت الحموي في معجمه من بعده: "وبها (بلاطة) عين الخضر، وبها دفن يوسف الصديق عند الشجرة".

وأما الشيخ الصوفي عبد الغني النابلسي فيقول: "فمررنا على قبر في مكان صغير، عليه هيبة وجلال وله قدر كبير، يقال إنه قبر نبي الله يوسف". فيما يقول مصطفى الحسني: "وقد قيل إن سيدنا يوسف عليه السلام قبره بالقرب من نابلس".

أما المؤرخ أسامة بن منقذ، والذي عاش في الفترة الصليبية، فيقول: "بلاطة، قرية من أعمال نابلس يزعمون أن النمرود رمى إبراهيم في النار بهذه القرية، وبها عين خضر، و بها حقل يوسف الصديق وقبر يوسف بهذا الموضع عند الشجرة وهو الأصح".

كما أورد المؤرخ الفلسطيني مصطفى الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين" أن "مؤرخي المسلمين يكادون يتفقون على أن ضريح يوسف هو الذي في قرية بلاطة، بالرغم من أن المشهور عند الناس بأنه مدفون في الخليل، ولعله في وقت ما نقل إليها من بلاطة، والقبر اليوم يقع في الشمال الشرقي من بلاطة".

ووافق الدباغ في هذه النقطة العلامة جرجي زيدان، حين كتب في ذكريات رحلته إلى نابلس قائلاً: "وبالقرب منها، (المقصود بير يعقوب) دفن يوسف الصديق ثم نقل إلى حبرون (الخليل)". كما ذكر الكثير من الرحالة والعلماء المسلمين، بأن قبر النبي يوسف موجود في مدينة الخليل في المسجد الإبراهيمي، ومن هؤلاء الهروي والعمري والأسطخري، وابن بطوطة، بل وعبد الغني النابلسي نفسه في رواية أخرى.

يعتقد أغلب المؤرخين المسلمين بأن "مقام يوسف" في نابلس يعود للنبي يوسف فعلاً، لكن آخرين يعتقدون أن ضريح النبي يوسف موجود في الخليل

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع الرحالة والمؤرخين، وكتّاب التاريخ العرب والمسلمين والأجانب، بل وحتى أصحاب الديانتين السامرية والمسيحية، استندوا إلى الرواية اليهودية كما وردت في سفر "يوشع" السفر السادس من التوراة اليهودية، وهو السفر الذي تخلو منه التوراة السامرية، الأمر الذي يبرر اعتمادها عليه كسفر تاريخي وليس مقدسًا كما بقية أسفار موسى عليه السلام (التكوين والخروج والعدد والتثنية واللاويين).

وهذا يبرر الاتفاق شبه الكلي على هذه المعلومة، رغم عدم الدقة التي تظهر عليها خاصة في ظل الاستخدام السياسي لها في العصر الحالي، بعد إقامة "دولة إسرائيل" على الأراضي المحتلة، والتي تعتمد على هذه المواقع ذات الصبغة الدينية لتبرير تواجدها الديني أولا ومن ثم السياسي.

مقامٌ للنبي يوسف وليس قبر

المؤرخ إحسان النمر، وفي ظل الاهتمام اليهودي بالمقام حاليًا، رجّح في كتابه "تاريخ جبال نابلس والبلقاء في الجزء الرابع ص 175"، أن يكون المقام الموجود في مدينة نابلس هو قبر لشيخ يسمى يوسف دويكات، وليس ليوسف الصديق، لأن قبر النبي يوسف في الخليل.

وذكر المؤرخ عبد الله كلبونه هذا القول أيضًا في تقريره لمديرية الأوقاف، حول المقام في العام 1984، وهي المرة الأولى التي ينفي بها مؤرخ مسلم رواية دفن يوسف عليه السلام في نابلس؛ وينسب المقام لشيخ مسلم. هذه الرواية التي لم يجهد المؤرخ نمر في ذكر تفاصيلها أو تدقيقها تاريخيًا وعلميًا.

وينفي المحامي عبد الفتاح فياض رواية النمر وكلبونة، وهو الذي كانت عائلته تشغل ولاية المقام منذ أواخر العهد العثماني، إذ أعطى السلطان العثماني عبد الحميد ولاية المقام ورعايته والإشراف عليه والمسؤولية عن مفاتيحه منذ العام (1322ه) لجده فيض الله بن عبدالله الأسمر، وهذا ما تؤكده الوثيقة التي أظهرها لنا فياض.

وثيقة عثمانية أعطى فيها السلطان عبد الحميد ولاية المقام لفيض الله الاسمر

 

تؤكد وثيقةٌ عثمانيةٌ أن "مقام يوسف" في نابلس يعود للنبي يوسف، لكنه ليس قبرًا ولا علاقة للشيخ يوسف دويكات به

ويقول فياض، إن الوثيقة الوثيقة العثمانية تؤكد بأن المقام للنبي يوسف عليه السلام؛ وليس قبرًا ليوسف دويكات، موردًا في الوقت ذاته عدة روايات تنفي أولها وجود مقامٍ أو قبر، فيما تقول الرواية الثانية إن هناك قبر وليس مقام، وهي التي تتبناها الرواية اليهودية.

اقرأ/ي أيضا: نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

أما الرواية الثالثة، فتؤكد وجود مقام وليس قبر، كما تروي الرواية الإسلامية التي تدعمها الوثائق الرسمية الصادرة عن الدولة العثمانية؛ أو وثائق التسجيل التي تثبت بأن مقام النبي يوسف هو وقف إسلامي مسجل في دائرة تسجيل الأراضي (تحت القطعة رقم "10" حوض "5" من أراضي بلاطة ومساحته "661"م2).

وثيقة تسجيل المقام كوقف اسلامي صحيح
وثيقة تسجيل المقام كوقف اسلامي صحيح

 

ويؤكد المحامي فياض أن المقام يخلو من قبر حقيقي؛ ففي فترة الانتداب الانجليزي عندما كان في السابعة من عمره، حطمت مجموعة من لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز، القبر المبني داخل المقام في محاولة منهم لاكتشاف الكنوز التي قد يكون العثمانيون تركوها وراءهم بعد خروجهم من فلسطين.

المحامي فياض عمل في شبابه حارسًا لمقام يوسف وقام على رعايته

 

ويضيف، "عندما جاء الجنود الإنجليز كنت واقفًا بالقرب منهم، لقرب بيتي من المكان، كانوا يسجلون مشاهداتهم وروايات الشهود؛ فرأيتُ المكان محفورًا ويحوي في داخله ترابًا وحجارة فقط"، مؤكدًا، أنه سلّم مفاتيح المقام لأحد موظفي الأوقاف بعد أن طلبها منه جيش الاحتلال والمستوطنين، وهدده "الحاكم العسكري" الإسرائيلي للمنطقة بالانتقام منه في حال عدم تسليمها لهم.

شاهد عيان: رأيت "مقام يوسف" في نابلس بعد تحطيمه بعد سقوط الدولة العثمانية يخلو من كل شيء إلا التراب والحجارة

المعلومة التي ذكرها فياض بخصوص الولاية على المقام تؤكدها وثائق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي ذكرت أن المقام كان يدار من قبل الحاج محمد فياض الأسمر من سكان بلاطة البلد، الذي كان يتقاضى راتبًا من مديرية الأوقاف في نابلس مقابل خدمته للمقام.

القرار الصادر عن مجلس بلدي نابلس عام 1324ه ويُطلب به استدعاء خادم "مقام يوسف" لبحث ترميمه
القرار الصادر عن مجلس بلدي نابلس عام 1324هـ ويُطلب به استدعاء
خادم "مقام يوسف" لبحث ترميمه

 

المقام أداةً سياسية للاحتلال

واستولت قوات الاحتلال على المقام بعد خطوات تمهيدية بدأت منذ 14/نيسان/1970، من خلال زيارة المقام من أجل ترميمه وصيانته؛ إلا أنها أقامت مدرسة دينية في إحدى غرف المقام وأزالت الحصر والسجاد ووضعت ستارًا من القماش على القبر، كُتب عليها كتاباتٍ باللغة العبرية، كما وضعت يافطة تحمل نصوصًا توراتيةً باللغات الثلاث.

مستوطنون يؤدون طقوسا في "مقام يوسف"

 

وفي عام 1982 استولى الاحتلال على المقام وأنشأ مدرسةً دينية، وبقيت فيه حتى العام 2000 حيث خرج الاحتلال من المقام بعد انتفاضة الأقصى. وبهذه المناسبة أصدرت مديرية أوقاف نابلس تعميمًا للأئمة والخطباء ومفتشي المساجد الواعظات "بالتوجه بالدعاء إلى العلي القدير بأن يكون الرحيل نهائيًا عن المقام"، ودعت "للتعاون وبروح الفريق لإزالة تشوهات الاحتلال وكل مظاهر العسكرة، ليعود مكانًا مقدسًا كغيره من المقامات الإسلامية في فلسطين".

 إلا أنه لا يكاد يمر أسبوع إلا ويؤمن جيش الاحتلال اقتحام المقام ليلاً للصلاة فيه، وإقامة الاحتفالات والطقوس الخاصة، ويرافق ذلك مواجهاتٌ تبلغ مستويات عالية من العنف أحيانًا، ويتخللها إطلاق للرصاص على الشبان، وفي بعض الحالات على المنازل المجاورة.

ونشير إلى ما ذكره المؤرخ شكري عراف، بأن "يوسف لم يشترك في دفنه مع أي من إخوته، لكنه امتاز بوفرة المادة الدينية والفلكورية التي عالجت قضيته. لقد ظهر أن العقلية الفلسطينية، وربما كغيرها، أحاطته بهالة ضخمة من القداسة بتأثير قصة القرآن الكريم عنه، وبأثر التعاطف مع المظلوم في الأخلاق العربية الإسلامية، مهما كان ومن أي مكان كان هذا الإنسان. فقصة طرحه في الجب وبيعه، وهو أمر يتنافى والخلق العربي الإسلامي، وقصة تعويضه عن هذا الظلم النابع عن الحسد، واستمرار قصته في مصر، بكل ما فيها من معانٍ وقيم، كل ذلك أعطاه المكانة الأولى في عدد المواقع التي تحمل اسمه مباشرة أو لها علاقة بجزء من حياته بشكل غير مباشر".

اقرأ/ي أيضا: 

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟

الضفة الغربية: زراعة الدخان "عادي" وتجارته ممنوعة

الاستقبالات النابلسية.. رحلة في عالم النساء المنسي