12-فبراير-2022

(Mahmoud Issa/ Getty)

أثار إصدار المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة تعميمات قضائية أمس الجمعة تتعلق بحقوق النساء المطلقات، جدلًا واسعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد للتعميمات ومعارض لها.

  اللجنة القانونية في المجلس التشريعي رفضت إصدار هذه التعميمات 

أبرز تلك التعميمات تضمن منح الزوجة المطلّقة تعسّفيًا وبدون سبب معقول، الحقّ بالحصول على تعويض لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد عن نفقة ثلاث سنوات، ويراعى في فرضها حال الزوج عسرًا ويسرًا، ولا يؤثر ذلك على حقوقها الأخرى.

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. محامون يزوّجون قاصرات بعيدًا عن المحاكم

كما منحت التعميمات الزوجة المطلقة حق المطالبة بزيادة حقوقها المالية من راتب الزوج لتصل إلى ثلث الراتب، وذلك بعد أن كان يتم خصم الرُبع سابقًا. أيضًا تم منح المخطوبة المطلّقة "قبل الدخول" و"قبل الخلوة ولا تزال بكرًا" الحقّ في عدم تسجيل أنها مطلقة في عقد الزواج، إذا تم التراضي بين الخاطبين على ذلك.

  منحت التعميمات الجديدة الزوجة المطلقة حق المطالبة بزيادة حقوقها المالية من راتب الزوج لتصل إلى ثلث الراتب  

وبموجب التعميمات فقد تم منح الزوجة الحقّ في تسمية المهر في عقد الزواج بالعملة التي ترضاها، بخلاف عملة الدينار الأردني، وهو ما جرت عليه العادة في قطاع غزة، وكذلك الحق في تسجيل حُجّة أرملة للمطلقة قبل الدخول وقبل الخلوة بعدّة الترمل.

مخالفة للقانون

التعميم القضائي، قابله ردٌّ سريع من اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، رفضت فيه إصدار هذه التعميمات، وقالت إنها مخالفة للقانون، ودعت إلى وقف العمل بها شكل عاجل.

وقالت اللجنة إن بعض هذه التعميمات "استحدثت أحكامًا جديدة"، واعتبرت أن "فيها مخالفات للقانون وتنطوي على تعدي على الصلاحية الدستورية والقانونية الحصرية للمجلس التشريعي الفلسطيني".

مخالفة قانونية ودستورية

من جانبه قال قاضي المحكمة العليا الشرعية الدكتور سعيد أبو الجبين، إنه تفاجأ بالتعميمات التي صدرت عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمتعلقة بالطلاق التعسّفي، مشيرًا إلى أنه لم يحضر الجلسة التي أقرت فيها التعميمات.

وأوضح أبو الجبين في حديث لـ "الترا فلسطين" أن أي مادة قانونية يتم إقرارها، يجب أن يكون المرجع فيها المجلس للتشريعي وليس للقضاء الشرعي.

وتابع أبو الجبين، "إذا كان الناس بحاجة لمثل هذه المادة القانونية، عليهم اللجوء الى المجلس التشريعي والمجلس يقرّ أو يرفض". وتوقع أن يكون هناك استجابة من قبل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لدعوة المجلس التشريعي لوقف العمل بهذه التعميمات، مشيرًا إلى أن العمل بهذه التعميمات دون الرجوع للمجلس التشريعي فيه مخالفة قانونية ودستورية في بعض الجزئيّات.

اقرأ/ي أيضًا: نساء من غزة: نستطيع

ولفت أبو الجبين إلى أن القول بأن كل التعميمات اللي صدرت كانت خطأ، أمر غير صحيح، مشيرًا إلى أن بعض التعميمات التي تصدر تكون شارحة ومفسّرة للقاضي، وهي أشياء إجرائية وليست تشريعية، الهدف منها توجيه القضاة لكيفية التعامل في مثل هذه الدعاوى.

  بعض التعميمات التي تصدر تكون شارحة ومفسّرة للقاضي، وهي أشياء إجرائية وليست تشريعية 

وأوضح أن قانون التعويض للزوجة المطلّقة تعّسفيًا، قانون قديم ومعمول به في الضفة الغربية لكن التعويض لا يزيد عن نفقة سنة واحدة، فيما توجد بعض القوانين المطورة والجديدة مثل القانون السوري والتي تنص على أن التعويض لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد عن ثلاث سنوات.

حبر على ورق

بدوره أعلن الحقوقي عبد الله شرشرة معارضته للتعميمات الصادرة من قبل القضاء الشرعي، مبينًا أنه من مؤيدي "المدرسة الاجتماعية للقانون"، والتي تفهم وتحلل القانون في سياقه الاجتماعي.

ورأى شرشر في حديث لـ "الترا فلسطين"، أن هذا التعميم ليس ناتجًا عن دراسة اجتماعية حقيقية لمشكلة ارتفاع نسب الطلاق بغزة، بل يمثّل مظهرًا من مظاهر النقاش السطحي لمشاكل المجتمع، وإجراءًا سينتج عنه إشكاليات في التطبيق تجعل منه حبرًا على ورق.

وأعرب شرشرة عنه خشيته من أنّ تطبيق القانون ربما سيكون له أثر سلبي حتى على الحقوق المالية الأخرى للنساء، وبالتالي ستخلق مشكلة جديدة، وليس حلًا. لافتًا إلى أنّ التعويض عن الطلاق التعسّفي، له أصل ومرجع قديم في الشريعة الإسلامية، وليس صحيحًا أنه غير مشروع في الإسلام، وأنه بدعة جديدة، بل منصوص عليه في القانون الأردني، العراقي، السوري، اللبناني، والتونسي.

ولفت شرشرة إلى أن هناك إشكالية حقيقية في مسألة حصول المطلقة على حقوقها المالية، وأعتقد أن الأهم من إصدار هذا التعميم وإنشاء مراكز قانونية جديدة لن تستفيد منها النساء عمليًا، هو التيسير إجرائيًا وقانونيًا عليهن في الحصول على حقوقهم الشرعية الثابتة لهن.

جدل عبر مواقع التواصل

الجدل حول التعميمات القضائية انتقل سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتباينت الآراء ما بين مؤيد ومعارض.

الناشطة رشا فرحات أيدت التعميمات القضائية، وعلقت قائلة: "لمّا القضاء بينصف المرأة بكلمة حق -مش قانون-  من عشرات الحقوق المهدورة، في نفس اليوم التشريعي برفع الكرت الأحمر !!!!".

كما علقت الصحافية شيرين خليفة، بالقول: "المجلس التشريعي اللي عند الضرائب بيكون دان من طين ودان من عجين بيقطع إجازته بيوم الجمعة عشان يبطل تعميم قضائي فيه شوية إنصاف للمرأة، طبعا واقع النساء المتبهدل من سنين مش مستعجلين عليه الجماعة".

محمد أبو العمرين هو الآخر أبدى تأييده للتعميمات، وعلّق: "ليش زعلان يا باشا من قصة نفقات الطلاق التعسّفي.. وكأنك مصبّح نازل ع المحكمة لطلاق.. خليهم أصحاب الطلاق التعسّفي يتربوا أنت ليش زعلان".

في المقابل، قال المحاضر في كلية الدعوة نور عيد، إن هذا القرار غير مفهوم بالنسبة له، وهو بحاجة لبيان حججه ومؤيداته؟ وأنا أقول ذلك كي لا أتسرع بالإنكار.

وتساءل: هل قرار كهذا يصدر عن ديوان القضاء أم عن المجلس التشريعي؟ وما المقصود بالطلاق التعسّفي في قانوننا؟ وسأفرض مثالًا أوضح فيه المسألة لغير المختصين، لو أن رجلًا تزوج بامرأة، ثم طلقها، وقال: هي امرأة محترمة، لكنني كرهتها، ولم أستطع التوافق معها. هل هذا طلاق تعسّفي يطالب الزوج فيه شرعًا بدفع تعويض؟

4 آلاف حالة طلاق

وسُجّلت في قطاع غزة العام المنصرم 2021 أكثر من أربعة آلاف حالة طلاق، من بين ما يزيد على 20 ألف معاملة زواج جرى إنجازها خلال العام ذاته.

وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة الشيخ حسن الجوجو، إن مجموع معاملات الزواج التي وصلت للمحاكم الشرعية الابتدائية بلغ 20 ألفًا و786 معاملة، فيما بلغت معاملات الطلاق 4 آلاف و319 حالة.


اقرأ/ي أيضًا:

لسنَ بنات عم أحد!

أسماء العائلات الفلسطينية.. ما هو أصلها؟

الطلاق في فلسطين لم يكن فضيحة.. كيف كان يحدث؟