20-سبتمبر-2018

أثار "قصر العدل" الذي تم افتتاحه في قطاع غزة جدلاً كبيرًا لدى المُحاصرين في القطاع، بسبب ضخامة البناء الفاخر المبني بأحدث فنون العمارة الهندسية، والذي يبدو "الصرف واضحًا عليه" كما قال مُعلقون في اعتراضهم على إقامته بسبب التكاليف الباهظة التي صُرفت في سبيل إقامته داخل قطاع غزة المحاصر منذ 10 سنوات، ويعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، هذا إضافة إلى "غياب العدالة أصلاً" كما قال مُعلقون.

الترا فلسطين حاور رئيس المجلس الأعلى للقضاء في قطاع غزة عبد الرؤوف الحلبي، ليكشف لنا عن سبب إنشاء هذا المبنى بهذه الصورة، وما ينتظره من قضايا كبرى بينها تتعلق بالرأي العام، بالإضافة إلى اختلاف في آلية العمل فيه عما كان في مبنى المجلس الأعلى للقضاء الحالي.

[[{"fid":"74313","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

الحلبي خلال حواره وصف "مجمع قصر العدل" في غزة بأنه حُلم قد تحقق، وهو مبنى لم يسبق أن تم تشييد مثيل له في فلسطين، لكنه قال "إن المبنى الجاذب للناظرين ليس للرفاهية، وإنما لتجويد العمل القضائي والبت في قضايا سكان غزة بسرعة سيشعر بها كل مواطن".

قصر العدل في غزة سيضم كافة المحاكم النظامية ولن يكون فيه مكان للقضاء الشرعي

قبل الخوض في تفاصيل الحوار استوجب على الحلبي الإشارة إلى أن هذا القصر يضم محاكم القضاء النظامي فقط، أي أن القضاء الشرعي لن يكون له حظ أو وجود في هذا القصر.

س: ما هو قصر العدل المفتتح بغزة وكم استغرق من الوقت ليخرج بهذا الإنجاز؟

قصر العدل هو عبارة عن مجمع مقام غرب محررة "نتساريم" جنوب مدينة غزة قرب شارع صلاح الدين الرئيسي، وقد استغرق إنشاءه منذ بدء التنفيذ الفعلي للبناء 15 شهرًا على مساحة 10 دونمات، بتمويل من اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، وسيشمل كافة المحاكم النظامية في قطاع غزة، محكمة البداية ومحكمة الاستئناف والمحكمة العليا بكافة أقسامها من نقض وتنفيذ بالإضافة إلى كاتب العدل وغيره من مجمعات القضاء النظامي جميعها ستكون داخل هذا المبنى.

س: لكن ألا ترى أن هناك مبالغة في بناء مجمع بهذه الضخامة، خاصة أن غزة في وضعٍ الأولى فيه ضخ الأموال لتحسين حياة سكان غزة المحاصرين، بمعنى ألا ترى أن تكاليف إقامة المبنى باهظة؟ كم بلغت بالمناسبة؟

إقامة المبنى كلّفت 11 مليون دولار، ويجب هنا الأخذ بعين الاعتبار أن مشروع إنشاء مجمع للقضاء غير المجمع الحالي القديم المتهالك والضيق الذي أنهك المواطن والموظف على حد سواء، اقترحه مجلس الوزراء الأسبق برئاسة إسماعيل هنية، وقد تم عرضه على القطريين الذين بدورهم وافقوا مشكورين على المشروع. لكن نريد الإشارة إلى أن الإنشاء والتنفيذ والتمويل والتقدير كله كان في يد قطر وحدها، ولم نستلم دولارًا واحدًا، لأن اللجنة من شروط عملها أن تنفذ المشروع بنفسها، وهي من تعاقد مع شركة الهندسة المعمارية التي نفذت المشروع، فنحن لم نستلم أموالًا لكي نخصصها لمشاريع أخرى أو نقدمها مساعدات للفقراء.

اللجنة القطرية اشترطت تنفيذ قصر العدل بنفسها من الألف إلى الياء

هل تم بدء العمل من داخل قصر العدل بعد الافتتاح؟

لم نبدأ بعد، لكن نتوقع أن ننقل كل المحاكم بشكل رسمي خلال شهر أكتوبر القادم أو مطلع نوفمبر كحد أقصى، حاليًا وبعد الافتتاح تعاقدنا مع شركة أثاث لتأثيث وترتيب وتجهيز المكاتب، وهو في إطار التنفيذ، كما تعاقدنا مع شركة نظافة له ستعمل فيه على مدار 24 ساعة، وهناك أمور هامة نعمل على توفيرها قبل الانتقال للقصر من لوجستيات وبرامج إلكترونية لعمل المحاكم داخله، وسنفتتح العمل رسميًا افتتاحًا يليق به.

أنت تتحدث عن أمور لوجستية وبرامج إلكترونية لعمل المحاكم، هل يمكن التوضيح في هذه النقطة، بمعنى هل سيختلف نظام العمل في هذا القصر عن سابقه؟

نعم بالتأكيد، فالمجمع بكافة محاكمة وأقسامه سيعتمد على البرامج الإلكترونية، بمعنى أنه سيتم حوسبة العمل داخل القصر، وتدريجيًا سيتم الاستغناء عن المعاملات والقضايا المكتوبة، وذلك لتسريع عمل القضاة والموظفين ليصلوا إلى ملفاتهم في أي مكان كانوا، خاصة وأننا نتحدث عن تزاحم في القضايا الورادة للمحاكم بغزة بشكل ملحوظ، فالشهر الماضي مثلاً وردت 10 آلاف قضية، وخلال هذا الشهر قد تصل لـ12 ألف قضية، لكن بالعمل المحوسب سيتم مواجهة هذا التزاحم.

هناك تراكم في القضايا الواردة لدى المحاكم، حتى أن قضايا مضى عليها شهور وأخرى أعوام دون أن تُنجز، هل سيحل قصر العدل هذه الإشكالية من حيث زيادة عدد القضاة والموظفين بما يتناسب مع مبنى كهذا ومع تزاحم القضايا؟

هذا المبنى هو خطوة في هذا الاتجاه بل هو أساس نحو تمكين تطوير العمل القضائي لأنه بدون مكان لا يمكن أن نخصص العمل ونطور القضاء ويجب أن يكون هذا المكان مجهزًا لوجستيًا كما سبق الذكر من برامج وأجهزة. الشيء الثاني هو أن توفير العدد الكافي من القضاة والموظفين أمرًا هامًا، خاصة أن كل موظف يستقبل يوميًا 200 مراجع، ومع وجود البرامج الإلكترونية يستطيع الموظف والمحامي أن يستعلم عنها عن بعد.

عبد الرؤوف الحلبي: نحتاج 150 قاضيًا والانقسام يعيق توظيفهم

لكن دعيني أقول بأن هناك مشكلة تواجهنا في تعيين المزيد من القضاة والموظفين، فنحن لدينا حاليًا 52 قاضيًا و200 موظف في المحاكم النظامية، ونحن بحاجة حد أدنى إلى 150 قاضيًا، وسبب هذه المشكلة هو العائق السياسي، فالانقسام وعدم إنجاز ملف المصالحة يحول دون تعيين المزيد بما يتناسب مع احتياجات المواطنين والقضايا، لذلك نحن سنحاول توفير عدد القضاة المناسب بما يناسب الوضع، في النهاية نحن بكل صراحة ندير أزمة لا نحل أزمة، ونأمل أن يتم ملف المصالحة لتُحل الإشكالية.

ما الذي ينتظر قصر العدل بغزة من القضايا والمهام والمسؤوليات؟

هذا المبنى ينتظره الكثير من العمل، ينتظره 251 ألف و120 قضية واردة من بينها قضايا جنائية وأخرى متعلقة بالرأي العام، بالطبع هذا العدد ليس نهائيًا فنحن لم نجرد عام  2018 بعد، بمعنى أن هذا المبنى مكسب للمواطنين في قطاع غزة. هذا المبنى ينتظره النظام والضبط والراحة للمواطن والموظف والقاضي، فنحن عملنا في ظروف قاسية لم يسبق لأي دولة أو بقعة أن تعمل في ضغط يومي فوق طاقة الموظف وفي مبنى لا يليق بسلطة هي من أهم السلطات الرئيسية الثلاث.

بخصوص القضايا الجنائية خاصة تلك المتعلقة بالرأي العام، هل سيشعر المواطن بسرعة إصدار الحكم العدل فيها؟ لا سيما جرائم القتل التي يثير تأجيل البت في أحكامها غضب المواطنين.

كل مواطن سيتأثر إيجابيًا وسيشعر بأهمية وقيمة هذا القصر، عدد القضايا ستكون نسبيًا قليلة، سينحصر من 200 إلى 50 ثم إلى 20 لكل موظف، هذا الأمر سنحققه من خلال مبدأ التخصص في العمل، وهو مشروع مهم نعمل به ونسعى لتحقيقه، أي أننا سنوسع قاعدة التخصص لتقليل المافات المتراكمة وتسريع الأحكام، وعام وراء عام سنصير إلى طريق الإبداع في سرعة البت رغم عدد الموظفين القليل حاليًا.

ماذا بخصوص القضاة؟ هل سيتم تعيين جدد لسرعة البت بالقضايا الجنائية؟

قدر الإمكان، لكن الأهم هنا أننا سنفعّل محكمة جنايات متخصصة سبق وأن شكلناها للنظر في القضايا الخطيرة المتعلقة بالرأي العام ولم يكن عملها مفعلًا منذ مدة، لأن إنجازها يحتاج إلى مكان، والآن بعد الانتقال إلى قصر العدل سيتم تفعيلها فورًا وسرعة إنجازها والحكم فيها، بعد أن كانت هذه الجرائم تبت فيها هيئات عديدة، مما كان يتسبب بوضعها على الرف مثلها مثل باقي القضايا.

بخصوص الوصول إلى قصر العدل، ألا ترون أن المكان بعيد لحد ما عن المواطنين المتوافدين؟ خاصة نحن نتحدث عن منطقة نائية نوعًا ما والطريق إليها غير مسفلت.

هذا صحيح الطريق الداخلي غير مؤهل، لذلك لدينا مساعي جدية للعمل على تعبيده، لكن في جميع الأحوال المجمع سيفعّل المواصلات إلى هناك دون إشكالية، فالمواطن ظل الازدحام الكبير داخل مدينة غزة القديمة يعاني للوصول إلى المقر الحالي، لكن هذا المقر خلال خمس دقائق سيصل المواطن له، ولا ننسى أن المكان حاليًا يشهد بناء مرافق حكومية وجامعية وتجارية.

لماذا لم يكن للقضاء الشرعي حظًا في هذا القصر؟

عمل القضاء الشرعي يختلف تمامًا عن عملنا، فعمله أوسع لكنه سريع ومقتصر على مواضيع الزواج والطلاق وما شابه وهناك سرعة في إنجاز قضاياه، بالإضافة لذلك لا يمكن أن يتم نقل المحاكم الشرعية وحصرها في مقر واحد كما سيجري في النظامية، ذلك لأن كل مدينة يجب أن يكون فيها محكمة شرعية.

ما رسالتكم للمواطنين وأنتم تتسلمون قصرًا أسميتموه باسم العدل؟

رسالتنا للجميع أننا حرصنا بأن يكون هذا البناء للكل الفلسطيني، فهو ليس لحزب بعينه وهو لكل الشعب الفلسطيني، هذا المبنى مكسب لن يتكرر ولن نكون قادرين على بناء مبنى مثله لولا الدعم القطري له، هو مبنى استراتيجي جدًا وهو أهم من المأكل والمشرب لأن الأصل أن القضاء هو من يحفظ أمن وحقوق كل مواطن، ونتمنى من أبناء شعبنا المحافظة عليه وعدم الالتفات إلى المرجفين الذين يحاولون النيل من إنجازات شعبنا.


اقرأ/ي أيضًا:

أبو هشهش: المشهد النقدي العربي بائس ووزارات الثقافة لسد الفراغ

أحمد قعبور: رأيت مع ريم البنا الأمل في أطفال فلسطين

عدنان الصائغ: الشاعر يبقى مرتدًا ومتمردًا