25-يونيو-2017

سمك الفسيخ

اليوم، هو صبيحة أوّل أيّام عيد الفطر. والمكان، شوارع قطاع غزة، وليس من المبالغة القول إنّكم قد تحتاجون كمامّة واقية، إذا لم تكونوا من عُشّاق سمك الفسيخ، لتجنّب رائحته النفّاذة التي تنبعث من غالبيّة نوافذ المساكن في أحياء وأزقة ومخيّمات القطاع.

في عيد الفطر، يُفطر الغزّيون على السمك المملح المعروف بـ "الفسيخ"، هل تعرفون السبب؟

يجتهد السكان في تخمين أول من أرسى قواعد هذه الظاهرة، لكنّهم لم يجمعوا على شيء، فبعضهم ذهب باتجاه اعتبارها عادة موسمية ترجع فقط ثلاثة أو أربعة عقود للوراء. وآخرون اعتقدوا أنها مرتبطة بتحصين المعدة بعد فترة شهر من الصيام.

محمد جبريل (65 عامًا)، وهو من سكان مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يظن أن المسألة موروثة أكثر من أنّها مرتبطة بفهم دواعي الاستمرار في الموظبة على هذه العادة الموسمية. يقول جبريل إنّه اعتاد تناول طعام الفسيخ في اليوم الأول من أيام عيد الفطر مذ كان شابًا، ولا يستطيع التخلي عن هذه العادة، رغم تحذيرات أبنائه من تناول الفسيخ المُمّلح.

أمّا العجوز أم ماهر شحادة (72 عامًا) من سكان مخيم الشاطئ غرب غزة، فقد ورثت هذه العادة بعد زواجها قبل 50 عامًا، إذ إن زوجها المتوفى كان مولعًا بتناول السمك المملح صباح يوم (الفطر). وعن سبب الحرص على شراء الفسيخ وتناوله، تعتقد العجوز المصابة بارتعاشة في أطرافها، أنّه يُجنّب المعدة التعرض لاضطرابات.

وقالت بابتسامة كشفت عن فراغ فهما من الأسنان: كان يقولي لي زوجي إن السمك المملح يمسك المعدة، مهما تناولنا بعد ذلك أي نوع من حلوى العيد.

في المقابل، ينفي المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، ارتباط تناول طعام الفسيخ في صباح عيد الفطر، بموقف تاريخي، ويرى أنّها علاقة تغذية موروثة أكثر منها تاريخية".

وقال المبيض لـ"ألترا فلسطين"، "إن قطاع غزة يقع على الساحل، ولربما ارتبطت هذه العادة بموقعه الجغرافي، بمعنى استثمار السمك بأشكال وأطعمة مختلفة (..) في نهاية المطاف الفسيخ طعمه لطيف" حسب وصفه.

اقرأ/ ي أيضًا: سردين غزة غذاء لفقرائها.. ماذا عن الصيد الجائر؟

الروايات تُشير إلى أنّ أوّل من قام بعملية الفسيخ (السمك المملح) ذو اللون الأصفر، هم الفراعنة القدماء، ولايزال المصريون يتناولونه هذه الأيام في عيد شم النسيم.

تُنتج غزة من الفسيخ سنويًا، بين (25-30 ألف طن)

وتعتمد صناعة الفسيخ وفقًا لما قاله الفسخاني محمد عروق في العقد السادس من عمره، على وضع الملح على السمك بكثافة ومن ثم تخزينه بعيدًا عن الهواء لمدة شهر أو أكثر قليلًا، كُلٌّ حسب نوعه.

وأوضح عروق، أن هناك أنواع مختلفة من الأسماك تستخدم في هذه الصناعة، مثل سمك البوري، والجرع، مبينًا أن ثمن الكيلو الواحد يختلف حسب النوع، ويتراوح بين (25-30 شيقل).

وتناول الناس بشراهة لهذا النوع من الطعام، يعكس ضخامة حجم الانتاج الذي

صناعة الفسيخ غالبًا تتم دون رقابة الجهات الرسميّة، ويتكشّف ذلك من خلال الأعراض التي يشتكى منها الناس في اليوم الأول من أيام عيد الفطر، لاسيما الاضطراب المعوي الذي يرتبط بتناول هذا النوع من السمك، وفق ما قاله الطبيب محمود الغرابلي، لـ "الترا فلسطين"، والذي حذّر أيضًا من تناول السمك المُملّح بإفراط، خصوصًا لمن يعانون ضغط الدم.


اقرأ/ي أيضًا:

"عجقة" عيد في سجن "عوفر"

رتق الأحذية.. من طقوس العيد في غزة

الصيادون في غزة.. عُزلة وحربٌ في الظلمات