21-يونيو-2022
فلل أريحا: قطاع اقتصادي سريع النمو يفتقد للرقابة والتنظيم

يتوسع قطاع الفلل في أريحا بشكل كبير (مصدر الصورة: unsplash)

بقي بناء الفلل والشاليهات الخاصة في مدينة أريحا يقتصر في السنوات الماضية على رجال الأعمال وكبار المسؤولين، حتى آخر أربع سنوات، عندما تحولت من ظاهرة محدودة بفئة معينة، إلى قطاع اقتصادي واسع يشهد حالة من النمو السريع.

يتجاوز عدد الفلل السكنية في مدينة أريحا لوحدها اليوم أكثر من 1200 فيلا سكنية، وهناك مشاريع شبيهة في النصارية والباذان في محافظة نابلس

يتجاوز عدد فلل أريحا لوحدها اليوم أكثر من 1200 فيلا سكنية، وهناك مشاريع شبيهة في النصارية والباذان في محافظة نابلس. تنقسم هذه الفلل إلى ثلاث فئات، فلل خاصة لا يستخدمها إلا الملاك وتبنى بمواصفات عالية، وهناك فلل خاصة وبمواصفات عالية يستخدمها الملاك في عدد محدد من أيام الشهر وتؤجر في الأيام الأخرى كنوع من الاستثمار، والفئة الثالثة هي الفلل التجارية التي تبنى كمشروع استثماري فقط، وتعرض للبيع أو التأجير طوال أيام الشهر.

يتجاوز عدد فلل أريحا لوحدها اليوم أكثر من 1200 فيلا سكنية
يتجاوز عدد فلل أريحا لوحدها اليوم أكثر من 1200 فيلا سكنية

"الترا فلسطين" تواصل مع عدد من فلل أريحا المعروضة للتأجير عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستطلاع أسعارها، وتبين بأن سعر قضاء يوم كامل مع مبيت في الفيلا في وسط أيام الأسبوع (الأحد وحتى الأربعاء)، يتراوح بين 1000-1200 شيقل في اليوم، أما في أيام نهاية الأسبوع (الخميس، الجمعة، السبت) تصل إلى أكثر من 1500 شيقل، علماً بأنه لا توجد جهة مسؤولة تحدد السعر. وفي العادة لا تشرف الشركات المستثمرة في هذا القطاع، أو المالكون على عمليات التأجير والتعامل المباشر مع الزبون، وإنما تقوم بتشغيل شخص يتولى هذه المسؤولية، أي ضمان تشغيل الفيلا مقابل مبلغ مالي مقطوع.

قابلنا أحد الأشخاص الذي يتولى تشغيل عدد من فلل أريحا، وقال بأن سعر التأجير كما ذكر أعلاه، لكنه يخضع للعرض والطلب، فمثلاً في المناسبات والأعياد يزداد الطلب، لذا يرتفع السعر إلى أكثر من 2500 شيقل لليوم الواحد. وأكد هذا الشخص الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه لا توجد تسعيرة ثابتة أو رقابة من أي جهة على السعر، وإنما هي مسؤولية من يدير الفيلا، والذي يضع أيضًا الشروط والضوابط كيفما يشاء.

وحول هذه الشروط، أوضح لـ"الترا فلسطين"، أن هناك من يضع شروطًا ويوقع المستأجر على عقد قبل استلام الفيلا، بما في ذلك أن يكون المستأجرون من نفس العائلة، وكذا تنظيم مسؤوليتهم عن أي خراب يلحق بالمكان، أو أي مخالفات قانونية أو مخالفات بالآداب والنظام، وهناك من لا يضع أي شروط ويؤجر للجميع. أما عن الجدوى الاقتصادية من هذا العمل، فقال إن الليلة الواحدة للفيلا تكلف المستثمر حوالي 700 شيقل موزعة بين كلفة الضمان لصاحب الفيلا، وأجرة التنظيف وشحن الكهرباء،وتعقيم البركة، وغسيل أغطية الأسرة. بالتالي فإن هامش الربخ يبلغ 500 شيقل على الأقل في اليوم. ويتراوح ثمن الفيلا في أريحا بين 220 إلى 300 ألف دولار وفق موقعها، ومساحة الأرض، وحجم البناء ونوعية التشطيب، وهناك شركات تقدم عروض تقسيط مريحة لشراء الفلل عبر البنوك.

 لا توجد تسعيرة ثابتة أو رقابة من أي جهة على تأجير الفلل
 لا توجد تسعيرة ثابتة أو رقابة من أي جهة على تأجير الفلل

قمنا في "الترا فلسطين" بتوجيه سؤال لعدد من الأشخاص حول الأسباب التي تدفعهم إلى الاستئجار في فلل أريحا بدلاً من التوجه للمتنزهات العامة. على سبيل المثال، يقول جاد قدومي إنه يفضل استئجار الفيلا، لما فيها من خصوصية وعزلة، في أجواء غير متوفرة في البيوت والشقق. عبد الله الأسمر قال هو الآخر إنه يفضل استئجار الفيلا حيث يحصل فيها على راحة أكبر وخصوصية عائلية، مضيفًا "بتحس حالك صاحب المكان، وبكون معنا وقت أكثر، منقدر نرتاح ونسهر ونام، حتى أن المسبح يكون أنظف من المسابح العامة". أما من لا يفضلون نمط الفيلا، فقد أشاروا إلى كلفتها العالية مقارنة بالمتنزهات العامة، حتى أن أحدهم ذهب للقول إن رحلة إلى تركيا لمدة أسبوع كلفتها أقل من استئجار فيلا في أيام الذروة.

من يتجول في مدينة أريحا يشاهد حجم الاستثمار الضخم في هذا القطاع، أحياء كاملة تبنى من الفلل، وشركات كبرى اتجهت للاستثمار في هذا القطاع، من بينها صندوق الاستثمار الفلسطيني، وشركة باديكو القابضة. تقوم الشركات الكبرى بشراء مساحات واسعة من الأراضي، ومن ثم تجزئتها إلى قطع صغيرة (أقل من دونم)، وبيع الأرض، أو بناء أحياء سكنية عصرية عليها وبيعها مجزئة كفلل سكنية كما هي الحال في مشروع "بوابة أريحا" أو "مدينة القمر".

حجم الاستثمار في هذا القطاع، ضخم، أحياء كاملة تبنى من الفلل
حجم الاستثمار في هذا القطاع، ضخم، أحياء كاملة تبنى من الفلل

يعترف رئيس بلدية أريحا عبد الكريم سدر أن هذا القطاع يحتاج إلى ترتيب وتنظيم، وبأنه لا توجد أي شروط عند منح التراخيص لبناء فيلا، ولا توجد لها رخصة خاصة، وإنما تصدر لها من البلدية رخصة منزل عادي، بحيث يتقدم الشخص إليهم بطلب بناء منزل مع بركة و تصدر له رخصة. وأضاف في حوار خاص مع "الترا فلسطين"، أنه كان هناك جهود قبل سنتين من أجل تنظيم هذا القطاع، ولكن هذه المحاولات بقيت خجولة حتى الآن، ولم يرد إليهم في البلدية أي شيء رسمي من أي جهة أن هناك نظام لهذا القطاع.

القطاع سريع النمو، ولا يوجد سقف محدد لعدد الفلل في أريحا 

يضيف سدر أن  هذا القطاع سريع النمو فلا يوجد سقف محدد لعدد الفلل في أريحا، ولا علاقة للبلدية باستخدام هذه العقارات، وهذا دور وزارة السياحة والآثار، كصاحبة اختصاص ومسؤولة عن المنشآت السياحة، إن كانت نزلًا أو فنادق أو مسابح أو فلل، طالما أنها تستخدم لأغراض سياحية. وتابع أن ما يجري في ظل عدم تنظيم هذا القطاع هو رقابة فردية من قبل المالك، بدون أي نظام يحدد آلية التأجير ولا الجهة الرقابية المسؤولة عن التأجير وفحص من هو المستأجر، وما هو دور البلدية، ودور الشرطة. وشدد سدر "نتمنى أن يتم نقل المسؤولية عنها إلينا ونحن جاهزون لذلك".

ويتفق إياد حمدان مدير مديرية السياحة والآثار في محافظة أريحا مع سدر في أنه لا يوجد حتى الان قطاع منظم للفلل، ولكن هناك مشروع قانون يجري العمل على إعداده وتشريعه لتنظيم هذه الظاهرة، وهو قيد الإجراءات قبل المصادقة عليه. وأضاف حمدان في حوار مع "الترا فلسطين" أن ما يجري أنه يتم بناء الفيلا كمنشآت سكنية خاصة، ولاحقًا يتم تأجيرها. بالتالي غاب أي تنظيم لهذا الأمر. لكن انتشارها وما يجري من مشاكل فيها الآن، وكونها باتت تشكل جزءًا كبيرًا من السياحة المحلية، كانت عوامل دفعت بالحكومة للعمل على تنظيمها.

مشروع قانون يجري العمل على إعداده وتشريعه لتنظيم هذه الظاهرة، وهو قيد الإجراءات قبل المصادقة عليه 

ويعترف حمدان بأنه "كان هناك ضعف في الرقابة بسبب عدم وجود قانون ناظم لها، ويتم معاملتها كبيوت خاصة، ولكن الحاجة التي استجدت بعد انتشار هذه الظاهرة دفعت بالحكومة إلى العمل على تنظيمها بما يسهل التعامل معها وترخيصها وما يحمل ذلك من إجراءات". وبيّن أنه مع مشروع القانون الجديد سوف يتم التشديد على الإجراءات الواجبة اتخاذها عند التأجير. أما عن المشاكل التي جاء على ذكرها، فقال إنها محدودة ولا تعمم، وهي مشاكل أمنية وتنظيمية في البناء، ومشاكل إزعاج.

من جهته، أكد مصدر أمني من المنطقة لـ"الترا فلسطين"،  أن شكاوى تصل بشكل يومي للشرطة تتعلق بالإزعاج في بعض فلل أريحا، حيث تتوجه الشرطة للفت نظر المستأجرين وتطالبهم بعدم إزعاج الجيران، وهذه أهم المشاكل. لكن مشغل الفلل الذي أجرينا معه لقاء، قال إن هناك مشاكل أخرى بسبب عدم وجود عقود محددة توقع مع المستأجر.

يعترف رئيس بلدية أريحا عبد الكريم سدر أن هذا القطاع يحتاج إلى ترتيب وتنظيم، وبأنه لا توجد أي شروط عند منح التراخيص لبناء فيلا

وعلم "الترا فلسطين" أن محافظ أريحا جهاد أبو العسل كان قد توجه إلى الحكومة الفلسطينية بطلب إعداد قانون ينظم هذا القطاع، والتي بدورها كلفت وزارة السياحة والآثار بذلك كجهة اختصاص، وهو ما أكده حمدان، لكن مشروع القانون هذا لم ير النور بعد.