25-يونيو-2017

من منّا لا يعرف قصة "ذات الرداء الأحمر" الشهيرة، حينما جُذب الذئب إلى رائحة الكعك الشهيّ الذي حملته الطفلة "ليلى" إلى جدتها التي تسكن الغابة. تلك الأسطورة كانت قبل 320 عامًا تقريبًا، حيث لم يستطع الذئب مقاومة رائحة كعك ذات "الرداء الأحمر" آنذاك، فكيف إذا عرف أن كعك العيد الذي تُعده السيدات الفلسطينيات اليوم كفيل بجذب أحفاده الشرسين؟

فلا يكاد بابُ أو نافذة مُطلة على الأزقة الضيّقة في أحياء ومخيمات المدن الفلسطينية؛ إلا ويفوح منها عبق السمن المتغلغل بين مسامات عجينة السميد والدقيق والكُلفة الخاصة، ليكون كعكًا أو معمولًا تُسيل لُعاب الصائمين.

 تتحول منازل آلاف الفلسطينيين إلى ما يُشبه خلايا النحل، حيث تنشغل آلاف النسوة والفتيات بإعداد الكعك والمعمول 

قد يبدو ذلك المشهد والرائحة مألوفتان منذ زمن ما قبل الشوكولاتة التي تصدرت الاستقبال والضيافة، لكن الكعك والمعمول لم يفقدا بريقهما التقليدي، فقد عادا لموائد العيد بعد أن خضعا لجلساتٍ من "الدلال والرفاهية" على حساب المنافس القديم.

وقبيل يومٍ أو يومين من نهاية شهر رمضان، تتحول منازل آلاف الفلسطينيين إلى ما يُشبه خلايا النحل، حيث تنشغل آلاف النسوة والفتيات بإعداد هاذين الصنفين؛ لكن قلةً منهن يُميزانهما بالمواد الأولية والحشوة الاستثنائية. تمامًا كما تفعل السيدة عايدة الشرفا.

اقرأ/ي أيضًا: كعك العيد في مصر: تراث ورأسمالية!

وتكشف السيدة عايدة (70 عامًا) سرًا من أسرار الكعك الذي يقول مُحبو كعكها إنه غنيّ بمكوناته ورائحته ونكهته. وتقول إنها تعمل وفقًا للمثل المحليّ القديم: (يا جارية زَكّي طبخك.. قال كَثري إدامِكْ)، "فإذا أرادت صاحبة البيت كعكًا يتكلم من لذته فعليها ِبسمن حيواني هولندي، وإلّا كان مثل كعك المتاجر والمخابز العادية". تقول لـ"ألترا فلسطين".

هذا عن العجينة الخارجية، لكن ماذا عن الحشوة الكامنة؟ تقول السيدة عايدة: "إن حشوة التمر تُمزج بمسحوق أعواد القرنفل والقرفة وكُرات جوز الطيب، حتى إذا ما تكوّر التمر داخل عجينة السميد والطحين المُسجى بماء الورد وحبات الينسون والشومر والمحلب والسمسم وبحرارة الفرن المناسبة، فإنّ حبات المعمول والكعك الفاخر ستكون النتيجة حتمًا".

وتعتقد السيدة عايدة أن زوارها في العيد، وخصوصًا من الأقارب لن يُوفرّوا فرصة تذوق معمولها، لأنهم يُدركون نكهته المحببة. وتقول: "بعض أحفادي يضعون طبق الكعك في حُجورهم ويطلبون معه الشاي ويأكلونه بشراهة، فتمازج عناصر كُلفة الكعك يترك مذاقًا لا يُنسى".

  المعمول والكعك هما أول من يستقبل مهنئي العيد، ويُعبرا عن شخصية سيدة المنزل  

وليس بعيدًا عن منزل جدّتنا عايدة، جهّزت السيدة عواطف صلّوحة (66 عامًا) مطبخها لإعداد المعمول بمساعدة عاملاتها، فيما اصطفت قوالب زبدة "لورباك" الفاخرة على حواف مائدة الإعداد.

وتعتقد السيدة عواطف أن المعمول والكعك هما أول من يستقبل مهنئي العيد، ويُعبرا عن شخصية سيدة المنزل، خاصةً إذا ما كان من صنع يديها.

"أنا حريصة على إرضاء أذواق ضيوفي بطعم الكعك، ويُمكنني أن أراقب علامات الإعجاب من خلال عيونهم وحركة شفاههم، عندها سأكون فخورة بذلك". تقول عواطف التي بدأت تصنع الكعك منذ كانت في نصف عمرها اليوم.

وما يُميز كعك السيدة عواطف عن الآخرين – كما تقول- أنها تضيف ذرات من حصى المِسْك والحليب الطازج في عجينة الكعك. "إضافة المكونات الغنية التي تُكسب المعمول نكهة لا تُقاوم كالِمسْك والزبد الهولندي يجعل من كعك صاحبة المنزل قصة تُعاد روايتها في كل منزل من زوار العيد".

وتنصح عواطف الفتيات المبتدئات في صناعة الكعك والمعمول بعدم الاكتراث إذا ما أخفقن في صناعته في المرات الأولى، بالقول: "خراب أوقية ولا خراب ابنية". فصحتهن وسلامتهن أهم من أطنان من الكعك.

اقرأ/ي أيضًا: الدنيا ربيع والجو بديع.. مصرية في جنين

وحول الصحة العامة، يقول خبراء التغذية إن قطعة الكعك الواحدة تحتوي على نحو 500 سعر حراري، فهي ليست خيارًا جيدًا لمن يتبعون حميةً غذائية.

أمّا في منزل السيدة هناء صلَوحة (57 عامًا) الذي تحول لحالةٍ من الطوارئ قبيل العيد، رغم أن دورها بات إشرافيًا فقط، بعدما منعتها صحتها من الخوض في متاعب العجن والطحن والخبز وحرارة الأفران.

"المهم أن ترى فرحة الأطفال والجيران وهم يتغنون بروائح الكعك، وقد يطلبون حصةً منه بلا خجل". تقول هناء.

وعلى الرغم من أن إعداد الكعك يحتاج إلى ساعاتٍ طويلة، خاصةً إذا كانت العائلة كبيرةً نسبيًا وتنوي سيدة المنزل توزيع قسمٍ منه على صديقاتها وقريباتها، إلّا أن ذلك التعب مُحببٌ إلى نفس السيدة هناء.

 وتقول لـ"ألترا فلسطين": "صحيح أن تجهيز الكعك يحتاج إلى جيش من العاملات وتكلفةً في مكوناته الأولية، إلا أن الاستمتاع بطعمه وإثارة الأسئلة حوله من مُتذوقيه يُشعرني بفخر كبير ويضعني في المنافسة السنوية بين صانعات معمول العيد وما يُقال عنهن وعن كعكهن خلال زيارات العيد ليكون موضوعًا للحوار".


اقرأ/ي أيضًا:

الكنافة حين تعطي للمدينة شيئًا من مذاقها

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى

أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لـ"تفاصيل صغيرة"