10-مارس-2017

photo by: Paul Hackett

تقول حنان إنّها تقدمت للعمل في محل تجاريّ، وأثناء مقابلة التوظيف سألتها مديرة المحل: من أين أنت يا حنان؟ فأجابت بأنّها من القدس. ثم سألتها: إسرائيلية أم فلسطينية؟ أجابت حنان أنّها فلسطينية. كانت شبه متيقنة من أنّها ستتعرّض لموقف عنصريّ، وأنّ طلبها سيُرفض. وهنا فاجأتها مديرة المحل بالقول: الحمد لله لا ينقصنا لصوص أراضٍ هنا.

مثّلوا بلادهم خير تمثيل؛ رفضوا أن يقول مُحاضر جامعيّ إن فلسطين غير موجودة، وهبّوا للنقّاش حين أصرّ آخر على أنّ القدس عاصمة إسرائيل

بالنسبة لـ حنان حامد طالبة نظم المعلومات في جامعة ميزوري الأمريكية فأن تكون فلسطينيًا في الخارج "تحد كبير". فأنت لا تُمثّل نفسك فقط، بل تُمثّل قضيّة معقّدة وغير مفهومة بالنسبة لكثير من الأمريكيين.

تقول حنان لـ "الترا فلسطين" إنها تصاب بالإحباط الشديد عندما لا يعرف الطلاب في صفّها ما هي فلسطين، لذلك قررت أن تجعل فلسطين موضوعًا لواجباتها الصفيّة متى ما أمكنها فعل ذلك، بحيث تحوّل دقائق العرض المتاحة لها أمام الطلاب إلى عرض تعريفي بالقضية الفلسطينية بطريقة ذكيّة، ففي مساق حول أهميّة الأدب ودوره في حياة الإنسان؛ قرأت على الطلاب قصيدة محمود درويش (أنا من هُناك) فبكت طالبة أمريكية وأخبرتها بعد المحاضرة بأن كلمة فلسطين كانت تمر عليها دون أن تُعيرها أيّ اهتمام، أمّا بعد اليوم فلن يحصل ذلك، لقد تغيّر وقع الكلمة في نفسها! 

وفي مساق الفلسفة، اختارت أن يكون موضوعها حول الفلسطينيات قبل عام 1948 أي قبل الاحتلال الإسرائيليّ، تقول حنان إنّها قدّمت شرحًا عن صور لنساء فلسطينيّات؛ طبيبات، فلاحات، فنانات ومعلمات من مختلف الأديان والطبقات الاجتماعية، وكانت الصور لمجتمع متكامل يعيش حياة عادية. تقول: لقد صُدم الطلاب من الصور، صُدموا من أنّ كل هذا كان موجود! كلُّ صدمة في وجوههم كانت تعني لي أن هدفًا تحقق، إنهم يعرفون الآن أو على الأقل يشُكّون، وهذا أمرٌ جيّد.

أقرأ/ي أيضًا: معرض فلسطين للكتاب.. كل شيء جيد، إلا الكتاب!

أمّا ربا الميمي، طالبة الدراسات العليا بجامعة أمستردام في هولندا، فتقول إنّ أقسى اللحظات التي مرّت بها كطالبة فلسطينية في الجامعة، كانت يوم استقبال الطلبة الجدد. فقد وضعت الكليّة جنسيات ودول الطلاب الجدد ولم يكن هناك وجود لفلسطين! صعدتُ إلى مكتب التسجيل للاستفسار عن الموضوع، تقول ربا: كنت غاضبة ومستاءة، وسألتهم: أين اسم بلادي؟ وبعد جدال طويل طلبت منّي الجامعة إحضار أيّ أوراق رسمية تثبت أنني فلسطينية، وهنا كانت المعضلة بالنسبة لي كمقدسيّة بشهادة ميلاد إسرائيلية وجواز سفر أردنيّ وبدون ورقة رسمية واحدة تقول أنّي فلسطينية!

تخصص ربا الجامعي في الإعلام والاتصال السياسيّ منحها مساحة واسعة لتكون فلسطين محورًا لمشاريعها البحثية. فقد كانت فلسطين حاضرة في مشروع تخرُّجها الذي كان حول التأطير البصري وأثر الصورة في تغيير مشاعر وموقف المتلقي اتجاه قضية ما. تقول ربا إنّها استخدمت صورًا من حرب غزة كنموذج، ولأن الأسلوب البحثيّ المستخدم كان التجربة العملية فقد وصلت نسخ من الصور لكل طلاب المساق، ولأكثر من مئة مشارك في التجربة من هولندا ودول أخرى. ودرست مشاعرهم ومواقفهم بالمقارنة ما بين قبل رؤية الصور وبعدها.  

لحسن الحظ أنّ معظم طلاب التخصص كانوا مثقفين بالمواضيع المتعلقة بقضيتنا باستثناء قلة قليلة لم يكن لديهم الاهتمام الكافي لنقاش الموضوع وبقوا على الحياد. ولكن هذا لم يدم طويلًا، تقول ربا، فعندما بدأتُ بمساق (البحث الإحصائي) كانت "نوا" تدرس معنا، ونوا طالبة إسرائيلية ورغم انتقادها الدائم لحكومتها، إلّا أنّ وجودها في الصف كان مرهقًا لي. وتضيف ربا أنّ الجزء الأصعب كان عندما قسمتنا مساعدة التدريس إلى مجموعات، وطلبت منّا العمل سويًا حتى نهاية المساق، وكنتُ ونوا في ذات المجموعة. تعاملت مع الموضوع بهدوء وجديّة لحين قررت نوا إضافتي على "فيسبوك" لم أقبل الإضافة، لكنني فتّشت صفحتها بشكل كامل، وعندها وجدت تفسيرًا لعدم ارتياحي لهذه الفتاة "الإسرائيلية اللطيفة" التي تنتقد حكومة بلادها طوال الوقت. لقد رأيت صورة لها في زيّ عسكريّ تقف بجانب دبابة من أيّام تأدية خدمة الجيش. أصابتني الصورة بألم حاد! ومن يومها بدأت شنّ حملة ضدّها في الكلية وقاطعتها تمامًا.

كطالبة فلسطينية أجمل اللحظات كانت عندما شارك زميلي الألماني في الصف تفاصيل عن فلسطين بالكاد نعرفها نحن. تفاصيل عن أزمة المياه أو قيود الحركة والتنقل المفروضة من الاحتلال الإسرائيلي، مُستخدمًا أرقام وإحصائيات.. كانت هذه لحظات مذهلة!

اقرأ/ي أيضًا: "المدنيات".. نكبة تعليمية في فلسطين

يبدو أن تأثير الصور كبير جدًا، فطالبة الدراسات العليا في جامعة هاينرش هايني في مدينة دوسلدورف الألمانية روان حمّاد تؤكد أنّ الكثير من زملائها ليس لديهم معلومات دقيقة عمّا يحصل في فلسطين. وأن اعتمادهم على ما يشاهدونه في التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي  يُعرضهم للتضليل. تضيف روان أنّ مشاركة بعض صور الأحداث السياسية والحياة اليومية في فلسطين مع زملاء ألمان وتوضيحها لهم كان كفيلًا بإزالة سوء الفهم لديهم، بل إن الكثيرين منهم يُبدون تأثرًا واضحًا وسريعًا بالصور. والفكرة هنا أنّ توضيحًا بسيطًا للأحداث قد يمنح قضيتك فرصة أكبر للتأييد والتعاطف من عالم لا يعرف عنك إلّا ما تقوله له وسائل إعلام مموّلة ومدعومة بما يكفي لتُبقي إسرائيل نظيفة اليدين دائمًا.
 

توضيح بسيطً للأحداث قد يمنح قضيتك فرصة أكبر للتأييد والتعاطف من عالم لا يعرف عنك إلا ما تقوله وسائل إعلام تريد إظهار إسرائيل نظيفة اليدين

أمّا الطالبة نضال دالية التي تدرس تخصص طبيب صيدلي في جامعة أريزونا الأمريكية، فقد فاجأها الصمت المطبق لطلاب صفّها من عرب ومسلمين بينما كان أستاذ مادة تاريخ الشرق الأوسط يكرر أن القدس عاصمة إسرائيل. تقول نضال عندها طلبت من الأستاذ الإذن بالحديث، وقلت له اسمح لي، فهذه المعلومات غير صحيحة. القدس ليست عاصمة إسرائيل بل يمكنك أن تقول أن هناك احتلالًا إسرائيليًا لهذه المدينة ولكلّ فلسطين. عندها أخبرني أنّ كل الخرائط تُسمي تلك المنطقة إسرائيل، وأنّه لا وجود لشيء اسمه فلسطين. دخلنا في نقاش حادّ منع الأستاذ بعده أيّ نقاشٍ سياسيٍّ في الصف، بل إنّه أصبح يكرر كلمة إسرائيل بكثرة، في محاولة لإغاظتي ربما.

"ولكنني من مواليد القدس، لست مواليد الأردن ولا إسرائيل" كررت نضال هذه العبارة مرّات عديدة على مسامع موظف الجوازات الذي طلب منها أن تختار أحد خيارين، ليُعبّئه في خانة مكان الولادة في النسخة المجددة من جواز سفرها الأمريكي، مؤكدًا أن القدس لم تعد خيارًا يمكن كتابته وفقًا لقوانين جديدة. ولكنّ نضال التي كانت تحمل شهادة ميلادها والنسخة القديمة من جواز سفرها الأمريكي وكلاهما يشيران إلى القدس كمكان للولادة، ظلّت تجادل الموظف لساعة دون فائدة، وفي النهاية سألته عن مكان ولادته هو، فأجاب أنه ولد في المكسيك. وهنا سألته ماذا ستفعل لو أراد أحد أن يخالف كل أوراقك الثبوتية التي تقول إنك ولدت في المكسيك ويحذفها، ويخبرك أن بلادك محذوفة وفقًا للقانون الجديد، هل تقبل؟ أجاب الموظف بالنفيّ، وعندها تغيّر الحوار بشكل كامل.

تقول نضال، الموظف اعتذر منّي عن قلة الاحترام التي أظهرها مسبقًا، وتواصل مع مديره موضحًا أن هناك فتاة ترفض تغيير بياناتها الشخصية الموجودة في النسخة القديمة من جواز سفرها، وتريد أن تحتفظ بها تمامًا كما هي.

اقرأ/ي أيضًا: "خارج الإطار".. حكاية شعب في بحثه عن صورته

تجربة الطالب شبلي عبد القادر الذي يدرس في جامعة السوربون الفرنسية إيجابية، يلمس عبد القادر دعم الأجانب وتعاطفهم مع القضية الفلسطينية في أغلب الأحيان ولكن الجدل مع الإسرائيليين أو من يدعمهم أمرٌ وارد بين فترة وأخرى. يشاركه في الرأي منصور عيّاش الذي يدرس برمجة الحاسوب في جامعة ناشفيل الأمريكية. يقول منصور إنّ الناس يستغربون حين يعرفن من أين أنا، ما هذه المنطقة؟ هل أنت عربي أم يهودي؟ وأسئلة كثيرة تدل على أنهم "مشوشون" ولا يعرفون الكثير عمّا يحصل في فلسطين، وإذا أردت أن يفهموا أكثر، فعليك أن تقول غزة، فاسم غزة مألوف أكثر.
 
أمّا شريفة ياسين، الطالبة في جامعة تكساس الأمريكية فتجربتها مختلفة قليلًا، فحين كانت في المرحلة الأخيرة من المدرسة، فوجئت بأن "أستاذها اللطيف" لم يعد لطيفًا معها كما كان، فبعد أن سألها عن بلدها الأصلي لم تعجبه الإجابة، وبينما كانت شريفة تجيبه: أنا من فلسطين، نظر الأستاذ حوله وقال لها: "تعنين إسرائيل، بلدٌ جميل زرته وتعلمت العبرية أيضًا". وعندما ردّت الطالبة الثانوية على أستاذها الإجابة وقالت له: لم أقل إسرائيل، لقد قلت فلسطين. ليجيبها بأنه ليس مهمًا ما قالته هي، لأنه يعتبرها إسرائيل. تقول شريفة إن هذا الموقف صدمها جدًا، لأن كل هذه العدائية أتت من أستاذها اللطيف ذو الثقافة الواسعة! وتضيف: شعرت بالخيبة وقتها لأنني ظننت أن تعليم الإنسان وثقافته ربما هو فرصته ليرى الحقيقة ويقف معها! ولكن آراء أستاذي وتعبيره الحادّ عنها وتغيّر طريقة معاملته معي لأنني أخالفه الرأي، كل هذا خيّب أملي.

في النهاية، فإنّ ما قالته فاطمة حامد طالبة إدارة الأعمال في جامعة لويزيانا الأمريكية حول تجربتها قد يلخّص الكثير، تقول فاطمة إنّه وخلال مشاركتها بفعاليات اليوم العالمي الذي تنظمه الجامعة كحدث سنويّ يعبّر فيه الطلاب عن بلادهم الأم، ويعكسون ثقافتها وتراثها ويقدمون للزوار معلومات عنها، حصل الموقف الذي يقول كل شيء، فبينما كانت الطالبات الفلسطينيات يدبّكن ويغنين بأثوابهن المطرّزة وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي شاركهن الدبكة، وتجمهر حول القسم الفلسطيني لمشاهدة الأعمال الفنيّة والتراثية الفلسطينية وتذوّق الأطباق الشعبية فإن الطلاب الإسرائيليين لم يملكوا أمام كل هذا سوى أن يقدّموا عرض أزياء يرتدي فيه شُبّان القمصان البيضاء والبناطيل السوداء، وقُبّعات الرأس الصغيرة (الكيباه)، كتعبير عن تراث بلدهم!


اقرأ/ي أيضًا: 

لا تسامحينا يا فلسطين!

ماذا لو كنت كفيفًا في فلسطين؟

حكاية الشعب اليهودي في فلسطين