12-مايو-2018

صورة توضيحية - (gettyimages)

وزَّعت بلدية الاحتلال في القدس مع قسيمة ضريبة الأرنونا (ضريبة المساكن) لعام 2018 مغلفًا يحوي مجموعات صور متعددة، حملت عنوان "هل تعتقدون أنكم تعرفون أورشليم القدس؟ هيا بنا.. تعالو نلعب!"، وعنوانًا فرعيًا: "50 عامًا على توحيد المدينة، المشاريع التي تبني مستقبلًا في أورشليم القدس". يوجد داخل المغلف أربع مجموعات صور صغيرة، وكل بطاقة تحتوي على جانب صورة، والأخرى سؤال مع أربع إجابات، ورمز الإجابة الصحية يوضع في أسفل البطاقة مقلوبًا، وقد كُتبت هذه الاسئلة باللغة العربية، وكذلك التعريف بالصور؛ أي أنها موجهة إلى الفلسطينيين أبناء القدس.

وقد قدم رئيس بلدية الاحتلال، المستعمِر نير بركات، الرسالة التالية:

رسالة نير بركات لأهل القدس

يتبين من رسالة بركات الموجهة إلى سكان مدينة القدس، أنها موجه إلى المستعمِرين الإسرائيلين، وهي تتجاهل السكان الأصلانيين الفلسطينين، فهو يزف مدينة "أورشليم القدس" ضمن خطاب صهيوني بحت في ذكرى أكثر من قرن على الصهيونية، ونصف قرن من توحيد المدينة استعماريًا عام 1967.

بلدية الاحتلال في القدس مع قسيمة ضريبة الأرنونا لعام 2018 مغلفًا يحوي صورًا وبطاقات تُروج للخطاب الصهيوني حول القدس

ويصور بركات حداثة القدس بارتباطها بالمشروع الاستعماري، ويربط النمو الحضاري الحداثية للمدينة بالاستعمار الصهيوني؛ في حين أن أدبيات عديدة تخبرنا عن الحداثة في القدس قبل الاستعمار الصهيوني، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - كتابات السوسيولوجي الفلسطيني سليم تماري، مثل كتابه الموسوم "الجبل ضد البحر: مقالات في إشكالية الحداثة الفلسطينية"، وكتاب المؤرخ الألماني الكزاندر شولش "تحولات جذرية في فلسطين 1856- 1882: دراسات حول التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي" الذي يبين صيرورة تطور مدينة القدس في القرن التاسع عشر قبل الاستعمار الصهيوني، وغيرها من الكتب التي بينت النمو الحضاري والثقافي لمدينة القدس؛ قبل وقوعها تحت الاستعمار الصهيوني.

تنوّعت الأسئلة في اللعبة الاستعمارية (لعبة بلدية القدس)، لتشمل أسئلة عن أمكنة وأزمنة وأحداث وتواريخ وقضايا تخص المجتمع الإسرائيلي لوحده غالبًا، مع العلم أن هذه الأسئلة واللعبة موجهة إلى المواطنين الفلسطينيين الذين يسكنون في القدس وبلداتها وقراها وأحيائها التي تقع ضمن حدود بلدية الاحتلال، وفق التقسيم الاستعماري الإسرائيلي.

يمكن القول إن الاسئلة تهدف إلى صناعة ثقافية والتلاعب بالعقول، وفق توصيف بير بورديو الكثيف، فهذا أحد الأسئلة: 

بطاقة أسئلة المستعمر 1

يحمل السؤال السابق عددًا من الدلالات والإشارات؛ الأولى توصيف القدس باللغة الصهيونية بوسمها "أورشليم القدس"، وتسويق هذا التوصيف على المواطن الفلسطيني في القدس وأطفاله بشكل خاص، كون الأسئلة موجهة بشكل خاص للأطفال.

والإشارة الثانية تُصور اللغة العبرية الاستعمارية والمصهينة  كأنها لغة طبيعية نمت في القدس، ولها مؤلف ومطبعة في المدينة، وهذا ما يحيل إلى الإشارة الثالثة التي تبين هدف السؤال في عملية صهينة المشهد المقدسي وأسرلته عبر عبرنة وصهينة الأحياء الفلسطينية في القدس بأسماء صهيونية؛ وهذه عملية استعمارية تسعى إلى إعادة خلق المجتمع الاستعماري ومحو المجتمع المستعمَر، وتحقيق "التطهير الإسمي" وفق توصيف عبد الرحيم الشيخ لعلميات تغيير الأسماء الفلسطينية واستبدالها بأسماء عبرية وتوراتية وإسرائيلية وصهيونية، بمنطق استعماري يهدف لمحو وإزلة الفلسطيني في كل جوانبه ومناحيه.

في حين يساجل سؤال استعماري آخر هو التالي:

بطاقة أسئلة المستعمر2

إن الهدف المبطن في هذا السؤال الموجه إلى أطفال القدس، هو عملية هندسة للوعي واستعماره أيضًا، فالأحياء القديمة في القدس لم تُذكر، مثل حي المغاربة، والحي الأرمني، وغيرها من الأحياء الأصلانية؛ في حين ذُكرت أحياء استعمارية بُنيت على أنقاض قرى وبلدات عربية هُجّرت عام 1948؛ فمثلًا مستعمرة "راموت" بُنيت على أنقاض وأرض بلدة لفتا المنكوبة عام 1948، وتمت صهينة اسم البلدة وعبرنته وتحويل القرية إلى حي استعماري موسوم "راموت".

سؤال آخر عن الذاكرة هذه المرة:

بطاقة أسئلة المستعمر 3

هذا سؤال عن الذاكرة بامتياز، فالنصب التذكارية تهدف إلى صناعة سياسات ذاكرة من أجل بناء الهوية والتذكير بحدث معين في الفضاء العام بشكل دوري وعبر الزمن، ورغم استعمارية السؤال، فإن خيارات الإجابة أشد استعمارية من السؤال ذاته.

في خيارات الإجابة، الخيار (أ) يشير إلى أن إسرائيل دولة لها علاقاتها الخارجية والدولية، ولها متحفها، وهذا يمنح إسرائيل وسمة كدولة طبيعية ويبعد عنها شبح الاستعمارية والعنصرية. والخيار (ب) يحول النكبة الفلسطينية وفقدان الوطن الفلسطيني إلى حرب استقلال ليسوقها للطفل الفلسطيني في القدس. أما الخيار (ج) فهو خيار عنصري وتحريضي ضد عمليات المقاومة الفلسطينية. فيما الخيار (د) وهو الإجابة الصحيحة وفق المنطق الاستعماري الإسرائيلي؛ فهو خيار يسعى إلى فرض الرواية الاستعمارية حول مدينة القدس، ويهدف إلى صناعة بطولة إسرائيلية فوق التاريخ بتوحيدها مدينة القدس في ستة أيام.

كما تسعى مجموعة الصور التي تقع على بطاقة السؤال نفسه، لتمرير خطاب استعماري ضمن رسائل متعددة منها (الثقافي، والترفيهي، والخدماتي، والاقتصادي، والتعليم، والتكنولوجي وغيرها) فتظهر مجموعات الصورة المتعددة أن هناك مسعى صهيوني تقوده بلدية الاحتلال لتصوير أعمالها بأنها لصالح سكان مدينة القدس؛ غير أن الواقع والمخطط الإسرائيلي يهدف من خلال تلك المشاريع لتفتيت المجتمع الفلسطيني في القدس وتوهين عراه، مقابل تمتين المجموعات الإسرائيلية الاستعمارية في القدس من خلال مشاريع البلدية المختلفة، فصورة مدينة داود والحفر فيها للبحث عن الجذور هي سياسية استعمارية لخلق مثيولوجيا توراتية تشبع قرحة إسرائيل في البحث عن الأصول والجذور وحق تاريخي ما قبل تاريخي.

أما مشروع القطار الخفيف، فهدفه استعماري بامتياز، يهدف إلى نقل أكبر عدد من الإسرائيلين إلى القدس في زمن قصير وفي كل الأوقات من اليوم تقريبًا؛ لإضفاء مشهد إسرائيلي على المدينة من خلال تواجد الإسرائيلين فيزيائيًا وبلباسهم ولغتهم وسلوكهم اليومي في شوارع القدس وأمكنتها المتعددة.

في حين تُروج الحدائق العامة وكأنها لخدمة أبناء القدس الفلسطينيين؛ لكن الواقع يكشف أنها تخدم السكان الإسرائيلين، كون تلك الحدائق تقع بالقرب من الأحياء الإسرائيلية وضمنها، وبالقرب من بناياتها، وهي تخدم الغرض الترفيهي الإسرائيلي في تسميتها وموقعها وشكلها ومعماريتها وروادها.

تهدف مجموعات الإسئلة والصور إلى تخليق وعي فلسطيني زائف ومغترب عن الواقع، وتسعى بلدية الاحتلال ضمن مشروعها الدعائي والتعريفي حول القدس المحتلة إلى محاولة هندسة اجتماعية وثقافية لأطفال القدس، من خلال تطبيع الأسماء الإسرائيلة، سواءً أسماء الأدباء أو الأمكنة أو الشخصيات العامة أو الأسواق أو الأحياء.

وتهدف هذه السياسات إلى أسرلة أو إذابة أبناء القدس - تحديدًا الأطفال والشباب - في الخطاب الإسرائيلي، وهذه خطوات ليست جديدة تقودها المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، لكن تُبين الوقائع المختلفة أن الفلسطينيين في القدس طوروا أدوات المواجهة والصمود والبقاء والتكيف المقاوم، وبنوا سياسات ذاكرة وهوية بجدارة، وصنعوا درس مقاومة وصمود أربك المؤسسة الإسرائيلية بمختلف مكوناتها في تموز/يوليو 2017، في تصديهم للهجمة على المسجد الأقصى، ولا بد من القول إن بلاغة المستعمَر الفلسطيني في القدس وإجاباته المتعددة، السلوكية واللفظية والإشارية والنطاقة والصامتة والرمزية والمرئية وغير المرئية والمحتملة وغير المحتملة؛ كانت أبلغ من اسئلة المستعمَر الإسرائيي وإجاباته الاستعمارية والاستشراقية الجاهزة.