19-سبتمبر-2017

بدأ العام الدراسي، وبدأ معه ماراثون جمعِ الدخوليات المدرسية، والمديرُ المميز هو الذي يجمع الدخوليات من طلاب مدرسته جميعًا في أسرعِ وقت ممكن، وما يحصل أن القيام بعمليةِ جمعِ الدخوليات يأتي على كرامة واحترام بعض الطلاب الذين تأخروا في دفع الدخوليات لظروف خاصة بعائلاتهم.

تَمركزوا يا معلمين وتجهزوا لـ"الخصم"، ها هو الهدف الحالي، لقد تأخر هذا الطالبُ في جلب الدخولية، جهّزوا سلاحكم ضده، استخدموا الكلام القاسي و"البهادل" اليومية، وحبذا لو تكون من ذلك النوع الذي يتم أمام جميع الصف، وإذا رأيتم أنَّ خيار الطرد من المدرسة سيكون أفضل فاطردوه، والنتيجة أنه سيُحرجُ وسيأتي بالدخولية في اليوم التالي وسننتصر عليه، والفيديو المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل يبكي بسبب طرد المدير له لأنه تأخر في دفع القسط، يكفي ليظهر أننا لا نبالغ في أقوالنا هذه ولا نظلم أحدًا.

ألا يخاف المعلمون والمدراء من هزيمة نفسية للطفل الذي يُهان أمام أبناء جيله بسبب عجز أهله عن دفع الدخولية؟ كيف يتوافق ذلك مع نظرية أننا نريد جيلاً يُقاد ولا يُساق

المعادلةُ أعلاه يتبّعها بعض المعلمين مع الطالب المتأخر في دفع دخولية المدرسة، دون مراعاةٍ لنفسية الطالب واحترامه وكرامته وظروف أهله، التي تحولُ في حالات كثيرة دون توفيرهم الدخولية ﻷبنائهم في اﻷيام اﻷولى من الدوام المدرسي. "يا بتجيب الدخولية بكرا يا ترجعش عالمدرسة!" وغيرها من التهديدات القاسية، ليست أسلوبًا مناسبًا ولا حضاريًا، ولا يليق حتى خروجها من معلمِ أجيال يفترض أن يمتلك أعلى مستوى من الرقي، ويُفترض أنه يجتهد لكسب ثقة طلابه وحبّهم، حتى يكون قريبًا منهم، فيُحسن أداء مهمته تجاههم طوال العام. وإن كانت تدعي مدارسنا أنها مدارس تربية قبل التعليم، فلمَ لا نرى هذا في سلوك المعلمين والمدراء؟

أسئلة كثيرة تطرحها دموع الطفل المطرود من مدرسته، فلماذا يكون الطفل هو الضحية التي تدفع ثمن التأخر في دفع الدخولية؟ فالذي يدفع القَسط هم اﻷهل، وهل سيكون صعبًا تتواصل المدرسة مع ذوي الطالب عند حدوث  أي مشكلة أو أي شيء يتعلق به وبدراسته؟ ومن ذلك تأخر دفع الدخولية؟ وماذا لو كان الطالب تأخر في دفع القسط لضائقة مالية تتعرض لها أسرته؟ وفي الغالب يكون هذا هو السبب. فالأب العامل، أو العاطل عن العمل، أو الأم التي تقوم مقام زوجها المتوفى مثلاً، أو زوجها الذي هجرها وأبناءها، هؤلاء جميعًا، من أين لهم أن يوفروا دخولية أبنائهم في المراحل التعليمية المختلفة؟ هل يستحق الأمر كل هذا التوبيخ والإحراج للأطفال؟

يؤكد كبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم دائمًا، أن الوزارة تريد بناء جيل يُقاد ولا يُساق. والآن نسألهم: كيف يمكن تحقيق ذلك مع جيل مهزوم نفسيًا منذ طفولته بسبب عجز أهله عن دفع الدخولية؟ ما المُرتجى من توبيخ الطالب وإحراجه من أجل مبلغ مالي؟ أنطمح في تعليمنا ومدارسنا لإنشاء جيل مهزوز يؤمن بنقصه؟ ألا يفكر المعلم الذي يهين طالبًا (طفلاً) أمام زملائه وأصدقائه بسبب عدم دفعه الدخولية، بنفسية هذا الطفل وموقفه المُحرج أمام أبناء جيله؟ ألن يشعر الطفل الموبخ بالنقص أمام رفاقه؟ ألا نخاف من أن الأطفال الذين دفعوا الدخوليات منذ اليوم الأول لأن عوائلهم أفضل حالاً سينظرون بعين الدونية لزملائهم؟ هل بكى الطفل الذي ظهر في الفيديو لأنه حُرم من التعليم؟ أم لأنه أحس بالإهانة والنقص عن بقية زملائه؟ ألا يكرس كل ذلك العلاقة ذات الطابع السلطوي، وعلاقة الحاكم والمحكوم، بين الطالب ومعلمه؟

إنَّ حلَّ إشكالية التأخر في دفع القسط، يجب أن تكون مع اﻷهل فقط بعيدًا عن الطالب، وفي حال كان الوضع المادي للأسرة صعبًا، فعلى الوزارة أن تبحث عن منهجية معينة لسداد هذه اﻷقساط، وإزالة عبء دفعها عن العائلات الفقيرة، هذا إن كنّا نريد مجتمعًا قويًا متكافلاً متعلمًا. كما أنَّه يجدر بالوزارة إلزام المعلمين بعدم اتباع طرق التعنيف والتوبيخ التي تُرهق نفسية الطالب وتجعله يكره المدرسة كمكان، والتعليم كمضمون، فتكون النتيجة تحصيلاً دراسيًا أقل، وربما يصل الأمر إلى التسرب من المدارس، إضافة إلى زعزعة ثقة الطالب بنفسه وخلق شعور لديه بأنه أقل من زملائه أو دونهم، وغالبًا ما تبقى ذكريات هذا الموقف مصاحبة للطالب طيلة فترة حياته ولا تنقضي مع إنهائه لمرحلة الدراسة.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | الصغار لا ينسون "الطريق إلى الصفصاف"

معلمات رياض الأطفال.. دوام طول العام والراتب فتات

الجامعة: حُب، ملابس، وأحزاب