12-سبتمبر-2017

منذ لحظات ارتباط الأنثى بالرجل الذي تحلم به؛ تظهر بعض السلوكيات التي تكشف عن مدى تعلّقها بشريك الحياة، ولو كانت معرفتها به لا تتعدى "يومًا واحدًا" وربما لحظات؛ وغالبًا ما يكون السلوك متبوعًا بتغيير صورة "البروفايل" بصورة شخصية للرجل الذي حظيت به، أو صورة تعبر عن وقوعها في "الحب"!

ورغم تعدد الطرق التي تعبر فيها الأنثى عن الحالة التي تحياها في مرحلة "الخطوبة" تحديدًا، إما من خلال وضع صورة "الدبل"، أو "قلب حب"، أو صورة "رجل وامرأة في حالة رومانسية"، يبدو الرجل "ثابتًا" بحيث لا تظهر عليه أعراض أي من الحالات المذكورة سابقًا، فنادرًا ما نرى رجلًا يمرّ بشكل علني بنفس الحالة التي تعيشها الأنثى؛ هو يعيش لحظات في الخفاء لكن لا يعلن عن ذلك، ربما لاختلاف طبيعة الأنثى عن الرجل؛ لكن الفكرة المهمة في هذا الطرح، لماذا تعيش الأنثى منذ لحظات ارتباطها أسطورة "أنا وإياه قلب وعقل وجسد واحد"؟

يصل الشريكان خلال الخطوبة إلى اندماج يبدو أسطوريًا بحيث لا تكدره تفاصيل المعيشة اليوميّة

يعيش الشريكان هذه الأسطورة في لحظات الخطوبة، التي لا يحملان فيها أي نوع من المسؤولية، ولا يبدو الطريق وعرًا في ظل خلوّ لحظات اللقاء من الحديث عن أعباء البيت وتربية الأبناء وتوفير لقمة العيش، فيشغل حديث الحب والشوق، المجالس، وتصل العلاقة العاطفية ذروتها، وهنا يشعر الشريكان بالاندماج الكامل، ويصل كلاهما إلى مرحلة من التعلق الشديد الذي يختفي بريقه عند الزواج، هذا الاندماج يبدو أسطوريًا لكلا الشريكين بحيث لا تكدره عبارة "بعينك الله خود الزبالة"، أو "الله يخليك لا تنسى ربطة الخبز"، أو "وأنت مروح جيب التحاميل لابنك"!

اقرأ/ي أيضًا: قلب حب على صورة شهيد

لا تدرك بعض الإناث أن أسطورة "العقل والقلب والجسد الواحد" غير فعّالة في الحياة الزوجية، تخيّل أن الرجل والمرأة جاءا من بيئة مختلفة، وعايشا تجارب ومواقف مختلفة، وتربى كل منهما بصورة مختلفة أيضًا، أضف إلى ذلك أن كلًا منهما يحمل في داخله باقة من الأفكار والعواطف والمشاعر. وأمام كل هذا الاختلاف تطرح فكرة "الذوبان" بالشريك بطريقة خرافية، أو دعنا نقول غير منطقية أو جنونية، تجعل الشريكان يضع كُل منهما سقفًا عاليًا حول حياته مع الآخر، ويرسم توقعات مثالية لعلاقته به، وكأنه جاء من كوكب آخر، ما يؤدي إلى صدام بينهما فيما بعد، والذي قد يعبر عنه بـ "صدمة العلاقة"، وعادة ما يمر بها الشريكان من خلال سؤال لماذا ارتبطت به/ها؟ .. هل معيار الاختيار لم يكن صحيحًا أم أنّه تغيّر أو هي تغيّرت؟

لكل من الرجل والمرأة كيانه الخاص، المتفرد، المستقل، لا يمكن تذويب كل منهما بالآخر، كوني أعيش مع الرجل الذي أحلم به، أو كوني أعيش مع المرأة التي أحلم بها لا يعني أننا "واحد" بل نحن اثنان؛ أي قلبان، عقلان، روحان، جسدان. علينا أن نتجنب فكرة الذوبان التي تؤدي لإلغاء شخصية شريك لصالح الآخر، فإما أن يشعر أحدهما أنه مستسلم ومنصاع للطرف الآخر، أو أن يكون متمردًا. بينما احترام فكرة "استقلالية الكيان" تترك نوعًا من الخصوصية والمساحة والمرونة في علاقة الشريكين، بحيث يكون الوصول إلى التفاهم والانسجام أمرًا سهلًا ومتاحًا.

كوني أعيش مع الرجل الذي أحلم به، أو كوني أعيش مع المرأة التي أحلم بها لا يعني أننا "واحد" بل نحن اثنان؛ أي قلبان، عقلان، روحان، جسدان

وربما هذا ما يفسّر سبب خبوت وهج الأنثى عندما تتزوج، لا سيما حين تكون متوقدة معطاءة قبل الارتباط، وتبدأ بالاستسلام والخضوع لرغبات الشريك، بدعوى "إحنا قررنا" لا بصيغة "أنا" قررت و"هو" قرر، ثم الوصول إلى توليفة من القرارات التي يمكن أن تحافظ على سجيّة وطبع وكيان كل شريك.

الحفاظ على استقلالية كيان الشريك لا تعني أن يعيش كل منهما في عالم آخر، ولا أن يتمرد كل منهما على الآخر، فتكون العلاقة "ندّية". بل فكرة الاستقلالية تحرر الشريكين من الخضوع لفكرة "الكيان الواحد"، و"العقل الواحد"، أي فكرة الأحادية، التي ينعكس أُثرها على الأبناء بشكل بارز. تخيّل أسرة يحترم فيها الأب شخصية الزوجة، ويقدر آراءها ويأخذ بأفكارها ونصائحها، والعكس بالنسبة للزوجة، وأسرة أخرى الرجل فيها هو من يقرر ويفكر وينفذ، أو الزوجة هي من تفعل كل ذلك!

الارتباط الناجح هو الذي يزيدنا قوّة، ويمنحنا الاستقلالية، ويجعلنا متوهجّين في هذه الحياة، بل هو الذي يهبنا عافية العقل والنفس والجسد، بل وعافية الحب والرضى عن الذات.

 


اقرأ/ي أيضًا: 

حريتي بأن لا أكون حرة

هل الحب مخيف أكثر من الكراهية؟

غزة وبديهيات الحب في حارة العبيد