02-سبتمبر-2017

طفلتان تشاهدان ذبح أضحية في الرام قرب القدس - Getty

برامج المساعدات التلفزيونية.. إنها مصيبة! أكره خطوات المذيع المتجول في منزل لا يصلح للعيش ليثبت للمشاهدين ذلك. حسنًا، أنا كارهة أيضًا للموسيقى الحزينة المرفقة بالبرنامج، واللقطة الأبشع بالنسبة لي هي عند تركيز الكاميرا على وجوه أصحاب المنزل، أكد أجزم وقتها أن المصوّر يتمنى أن تبكي الأم وهي تتحدث عن آخر مرة أكل فيها أطفالها اللحم، بينما يسعى المذيع إلى ذلك سعيًا حثيثًا من خلال الأسئلة.

لو كنت من أصحاب المنزل لما أردت أن يصورني أحد وأنا أتحدث عن وجبات الطعام الخاصة بأطفالي وغرف نومهم وعمر ملابسهم، لا أريد أن أتحول إلى فيديو مثير للشفقة؛ ولا أريد أن يكون سوء حالي وجوع أطفالي سببًا في تذكير الآخرين بوجوب شكر الله على النعم التي لديهم. لا أعتقد أن هذه وظيفتي في الحياة.

أنت فلسطيني، يتوقع الناس منك أن لا تكون هشًا هكذا، هشٌ لدرجة أن تصبح نباتيًا رأفة بالحيوانات، هذا كثير

أكره أشياء كثيرة عندما يتعلق الأمر بالخير، أو دعوني أضعه بين أقواس هكذا "الخير". فهذا الخير له مواسم وهي على الأغلب مرتبطة بمصلحة فاعله ورغباته، فإذا كانت الحسنة بعشرة أمثالها في رمضان مثلًا، فإن فاعلي الخير يتزايدون، ورغم أن حاجات الناس الأقل حظًا تظل هي هي، إلا أن التهافت على بيوتهم يخف بعد رمضان، وحتى برامج المساعدات باتت مثل المسلسلات الرمضانية، تطل بغزارة خلال الشهر وتختفي بعده.

اقرأ/ي أيضًا: الأضاحي هربت؟ اشحذوا السكاكين

أما اللحوم فأكرهها لأسباب مختلفة. أسبابي الخاصة تدفع الكثيرين للضحك أو الاستغفار وقد اعتدت على ذلك، فأن تكون نباتيًا أمر ليس بالمألوف، وأن تتحدث عن حقوق الحيوانات، أنت الذي تعيش في بلاد يُقتل الناس فيها يوميًا دون أمن يتوقف العالم لحظة لإحصاء الجثث على الأقل، حقاً تحدثني عن حقوق الحيوانات!

أنت فلسطيني، يتوقع الناس منك أن لا تكون هشًا هكذا، هشٌ لدرجة أن تصبح نباتيًا رأفة بالحيوانات، هذا كثير! ورغم أن مقارنة إزهاق الأرواح بين البشر والحيوانات ليست مقارنة سليمة لدعم فكرة أو للنيل منها، إلا أنها كثيرًا ما تستخدم، وعلى أي حال فمهما اختلفت مواقفنا تجاه أكل اللحوم؛ فإنك ربما ستشاركني الرأي عندما نتحدث عن قيمة اللحوم في حياتنا، وكيف حولناها إلى سلعة أساسية نستحق الشفقة إذا لم نحصل عليها، بل ونربي أطفالنا على أنها أساس الطعام وعموده الفقري، رغم أنها مجرد نوعُ من أنواعه وجزء بسيط منه.

"شو يعني لحمة؟" التساؤل الذي أجاب به طفل غزاوي على سؤال مؤمن شويخ حول آخر مرة تناول فيها الطفل اللحوم، كان ذلك خلال تصوير شويخ لإحدى الحلقات الخاصة بأعياد الميلاد عام 2016 في قطاع غزة. تفاعل الناس مع الحلقة بالتعاطف مع العائلة، وبلعن الاحتلال لأنه المسبب الاساسي للفقر والبطالة، بل ودعا البعض حركتي فتح وحماس للتصالح حتى تفرج الأحوال على أهل غزة، وتتوسع أبواب الرزق للعائلات المستورة في القطاع، وينعم أطفالهم بحياة تشبه حياة الأطفال الآخرين، تمامًا كما تمنى ذات الطفل أمام كاميرا شويخ. هل يبدو هذا خطيرًا بالنسبة لك؟

أن تجعل الناس يشفقون على أنفسهم، أنك عندها تقتل أشياء كثيرة في نفوسهم، فما بالك إذا كان هؤلاء الناس أطفالًا، وسبب الشفقة هو عدم أكلهم اللحوم

أن تجعل الناس يشفقون على أنفسهم، أنك عندها تقتل أشياء كثيرة في نفوسهم، فما بالك إذا كان هؤلاء الناس أطفالًا، وسبب الشفقة هو عدم أكلهم اللحوم! وزد على ذلك أن هذا الحدث يوثق في شريط مصور يظل محفوظًا ليتناوله الناس ويشاركوه متى ما شعروا برغبتهم في شكر الله لأن حياتهم مليئة بالنعم التي يتمنى آخرون الحصول على ربعها فقط! نعم ربعها، وتخيلها بالعامية، بصوت أم توبخ طفلها لأنه لم يكمل طعامه الذي يتمناه الكثير من الأطفال الفقراء حول العالم.

ليس صحيًا أن تشجّع إنسانًا على تمنّي حياة لن تكون حياته يومًا، ليس إنسانيًا أن تشجعه على أن يلعن حياته أمام الكاميرات وأن تستخدم دموعه ثم تتركه وتمضي. أنت لست فاعل خير وقتها بل أنت ماري أنطوانيت بحلة جديدة، وبينما دعت ملكة فرنسا الفقراء لأكل البسكويت بدل الخبز، فأنت تذكّر من يملك الخبز أنه ليس كغيره ممن يملكون ثمن البسكويت فتكسره فيبكي فتصوره ثم تمضي!


اقرأ/ي أيضًا:

مكالمة فائتة من البلاد

مشاهد عنصرية معتادة

قلب حب على صورة شهيد