09-نوفمبر-2019

الحوار في ثقافتنا الفلسطينية فكرةٌ مرعبةٌ ومقيته، وهو وصفة سحرية لإفشال أية فرصةٍ لحل المعضلة التي نتحاور حولها، وينقل المعضلة المنوي حلها إلى مرحلةٍ أكثر تعقيدًا بدل حلها، لذا فقدت فكرة الحوار بين الناس قيمتها، وأصبحت فأل شؤم في الثقافة الفلسطينية، وأكبر دليل على ذلك ما آلت إليه جلسات حوار المصالحة وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي في الضفة الغربية وقطاع غزة بين الحركتين السياسيتين الكبيرتين اللاتي أسرن معهما الشعب الفلسطيني منذ الانقسام ولغاية اليوم، رغم مئات جلسات الحوار المتواصلة التي جرت برعاية دول متعدده، ولم تنجح في حل  أي معضلة.

مفهوم الحوار عند الشعب الفلسطيني خاطئ، ويعني أن تلتقي الأطراف المتخاصمة على الطاولة، ليسمع كل طرف الآخر رأيه ورفضه لرأي الآخر

مفهوم الحوار عند الشعب الفلسطيني خاطئ، ويعني أن تلتقي الأطراف المتخاصمة على الطاولة، ليسمع كل طرف الآخر رأيه ورفضه لرأي الآخر. وإن أراد الوصول لاتفاقٍ فعلى الآخر القبول باشتراطاته، وكأنهما سيوقعان اتفاق إنهاء حرب بين خصمين أحدهما منتصرٌ والآخر مهزوم، مع فارق واحد أن كلا الطرفين في الحالة الفلسطينية يعتقد نفسه المنتصر والآخر مهزوم، وبذلك ينتهي الحوار بالفشل، ويخرج كل  فريق إلى أنصاره ليقول إن الطرف الآخر هو سبب فشل الحوار ويحمله المسؤولية.

اقرأ/ي أيضًا: طوشة الوزراء

 بسبب هذه الثقافة الحوارية لاحظنا حالة القلق التي سادت لدى مختلف الأوساط الفلسطينية لمجرد طرح فكرة الحوار الوطني بين الفصائل فيما يتعلق بالانتخابات. وأصبحت فكرة الحوار هي اللغم الموقت لإفشال الانتخابات في اللحظة المناسبة، فالبعض يطالب أن يكون الحوار قبل صدور مرسوم الانتخابات، والبعض يصر أن يكون بعد مرسوم الانتخابات، ولكل منهما أجندته الخاصة التي يعتقد أنه بشرطه قادرٌ على  تفجير الانتخابات من خلال فكرة الحوار.

الحوار شيءٌ إنسانيٌ حميد، لكنه لا يمكن أن يكون بالطريقة الفلسطينية المعهودة. وهو وسيلةٌ يتبعها البشر للوصول إلى حل لمعضلةٍ يواجهونها من خلال الجلوس على الطاولة الدائرية، لا شروط مسبقة فيه، تعرض فيه المشاكل بتجرد، دون آراء مسبقة تتعلق بالحل، ويكون للحوار راع يثق به المتحاورون، راع له سلطة الوساطة أو سلطة التحكيم النزيهة، ويستطيع أن يتقدم بمقترحاتٍ للحل بعد أن يستمع لآراء المتخاصمين، وتحظى مقترحاته للحل بالقبول من الجميع، والنتيجة هي حل المعضلة، وحل المعضلة لا يكون فيه غالبٌ فيها ولا مغلوب، إنما يكون فيه إنهاءٌ للخلاف أو النزاع.

دعونا نعود إلى الانتخابات وفكرة الحوار، والخلاف على وقته إن كان يجب أن يكون قبل الانتخابات أو بعدها، وكيف يحاول أن يجعل منها كل طرف المطية التي يمكن أن تفشل الانتخابات. بل إن البعض  يقترحون توسيع مواضيع الحوار ليس لتشمل فقط الانتخابات التشريعية والرئاسية بل المجلس الوطني أيضًا، والإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية. هم بطريقتهم هذه يدفعون بالحوار إلى الهاوية، وإن كنت متيقنًا أن مثل هذه الآراء تحكمها النية الحسنة، فالأساس السليم هو تضييق مواضع الخلاف المتحاور عليها لا توسيعها.

أعتقد أن الحوار الوطني بين الفصائل يجب أن ينصبَّ على فرص إنجاح الانتخابات لا على فكرة إجرائها، فالانتخابات حقٌ للشعب الفلسطيني وليست حقًا للفصائل، ولا يجوز لأية أطرافٍ أن تتحاور على حق غيرها بل عليها أن تتحاور على عناصر الخلاف الواقع بينها وحلها. 

الحوار الوطني بين الفصائل يجب أن ينصبَّ على فرص إنجاح الانتخابات لا على فكرة إجرائها، فالانتخابات حقٌ للشعب الفلسطيني وليست حقًا للفصائل

أعتقد أن الأصل أن يدعو الرئيس إلى انتخابات عامة تشريعية ورئاسية، وأن لا يكون موعد الانتخابات قريبًا جدًا. مرسومٌ  يعطى فرصة عدة أسابيع تُستكمل خلالها الحوارات المحلية والدولية لإنجاح تنفيذ العملية الانتخابية، لا للتقرير بشأن حصولها. حوارٌ لا يكون على مبدأ إجراء الانتخابات أو وقتها، فكل الحوارات التي أجرتها لجنة الانتخابات منذ أن كلفها الرئيس بالتشاور حولها تكفي لأن يصدر الرئيس مرسومي الانتخابات التشريعية والرئاسية على التتابع، وأن تكون على أساس أنَّ الوطن دائرةٌ واحدة .

اقرأ/ي أيضًا: إجهاض الانتخابات.. أي خيبة ستحل بنا؟

الحوار يجب أن لا يكون على أساس شروط مسبقة، وله سقفٌ زمنيٌ محدد، لا يحتكر أي طرف من الأطراف نتائجه، فهو وسيلةٌ لإنجاح عملية الانتخابات وليس وسيلة لإفشالها. في هذا الحوار يجب الاستماع إلى آراء الجميع كاملة، وعلى لجنة الانتخابات بمساعدة بعض الأطراف النزيهة من الشركاء المحليين والدوليين أن تقود هذا الحوار، وأن تخلص بمقترحات حلول ملزمة تأتي في إطار تحكيمي.

أمورٌ وأسئلةٌ عديدةٌ يجب أن يفتح بها النقاش، وأن تخرج لجنة الانتخابات والفريق الذي يساعدها بحلولٍ ملزمةٍ  لها، من أبرزها:

- كيف سيتمكن الفلسطينيون من ممارسة حقهم بالترشح والتصويت وتنظيم الدعاية الانتخابية في الضفة الغربية وقطاع وغزة دون إعاقةٍ أو ملاحقةٍ من أي طرف من طرفي الانقسام؟

- هل لدى جميع الأحزاب والفصائل السياسية الجاهزية لقبول نتائج الانتخابات؟ وتسليم الحكم لمن تفرزه نتائج الانتخابات؟

- هل ستمتنع الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن التدخل في العملية الانتخابية؟ أو أي شكل من إشكال التأثير على نتائجها؟

- هل ستمتنع المجموعات والفصائل المسلحة عن التدخل في الانتخابات؟ وتختفي في ثكناتها طيلة فترة الانتخابات؟ وتمتنع عن أي تدخل مهما كان من شأنه أن يعيق إجراء الانتخابات؟

- كيف يمكننا أن نشكل محكمة انتخابات نزيهة وحيادية تتولى النظر في كافة الطعونات التي تقدم اليها من لحظة صدور المرسوم إلى لحظة إعلان نتائج الانتخابات؟ وأن تحترم قرارات هذه المحكمة؟

- كيف يمكننا ان نحصن الانتخابات من اي سطوة للمحكمة الدستورية، وشل قدرة المحكمة في التدخل في نتائج الانتخابات الى ان يعاد تشكيلها بطريقة تحمي القانون الاساسي لا تهدده؟

- كيف يمكننا تحييد الإعلام الرسمي وجعله يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف المتنافسة، وأن يكون دوره داعمًا لنزاهة الانتخابات؟

- هل ستتعهد كل الأطراف المشاركة في الانتخابات باحترام وحدانية تمثيل منظمة التحرير في المحافل الدولية؟ واحترام أي التزاماتٍ دوليةٍ تعهدت بها؟ والقبول بالانخراط الفوري في عملية دمقرطة المنظمة وإصلاحها لتكون إطارًا جامعًا لكل الفلسطينيين؟

دعونا نرسي طريقة جديدة للحوار، الكل يبدي رأيه لكن لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه

أعتقد أن هذه بعض الأسئلة التي يتوجب على جلسة الاستماع الحوارية أن تناقشها بعد صدور مرسوم الانتخابات لا قبله، وأن يتاح لكل فصيل فلسطيني أن يبدي وجهة نظره فيها بحريةٍ تامة، وأن يتاح  في جلسة الحوار الاستماع إلى آراء خبراء، وآراء مؤسسات المجتمع المدني، وأن تكون التوصيات التي تخرج بها اللجنة المشرفة ملزمة، فجلسة الحوار  ليست جلست تفاوض بين الفصائل بل جلسة استماع .

دعونا نرسي طريقة جديدة للحوار، الكل يبدي رأيه لكن لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه. طريقة يصبح فيها الحوار وسيلة للاتفاق لا للخلاف، فالحوار هو وسيلة التعايش الوحيده بين المختلفين، لكننا يجب أن نتعلم أصوله.

نريد حوارًا منظمًا معلنًا تُبَثُّ كل وقائعه مباشرة إلى الجمهور عبر وسائل الإعلام، حوارًا يُدعا إليه مراقبون دوليون نزهاء.

 أعتقد أن دولة مثل تونس ورئيسها المنتخب قيس سعيد يمكنه أن يلعب دورًا هامًا في الرقابة والمساهة في إنجاحه، وهي نموذجٌ يجب أن يُحتذى به في التحول السلمي نحو الديمقراطية. كذلك يمكن دعوة الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة لحضور الحوار ومراقبته، وتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاحه. وبلا شك يقع على مؤسسات المجتمع المدني الضغط لرسم حدود مساره، فالحوار وطنيٌ وليس فصائلي، فيه ستتحق مصلحة الجمهور وسيرى الحقيقة بعينه.


اقرأ/ي أيضًا: 

ممالك الطوائف الفلسطينية

الديموكتاتورية نظام حكم فلسطيني

سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق