06-يوليو-2019

نظريًا، نتوقع من كل جماعةٍ تناضل لتفكيك استعمارٍ ما -الفلسطينيون، أفترض- أن تقف إلى جانب كافة الحراكات الحقوقية الأخرى ضد الاضطهاد والعنصرية حول العالم، وإلا كان نضال تلك الجماعة اعتباطيًا وخاليًا من مضمونه، على اعتبار أن مجابهة الاستعمار تنطلق من مفهوم جوهري معين ينبغي تطبيقه على كافة الحالات المشابهة.

لكن في منطقة فلسطين/إسرائيل، قد يكون اتخاذ تلك المواقف مسألة أكثر صعوبة وتعقيدًا، نظرًا للتراكمات والطبقات التي خلقتها حالة الاستعمار الاستيطاني في البلاد.

العلاقة بين الفلسطيني والأثيوبي اليهودي هي علاقة مستعمَر بمستعمِر. عند الوصول لتلك النتيجة، يجد الفلسطيني صعوبة في إبراز تعاطفه مع من يشتكي من العنصرية في هذه الحالة

مما لا شك فيه أن موجة الاحتجاجات الأخيرة التي نفذها اليهود الأثيوبيين داخل المجتمع الإسرائيلي هي نتيجةٌ طبيعيةٌ ومتوقعةٌ للممارسات العنصرية الممارسة بحقهم من قبل الأغلبية من ذوي البشرة البيضاء، على المستويين الاجتماعي والرسمي، يعي الفلسطينيون.

اقرأ/ي أيضًا: قصص قصيرة عن عنصرية يسار إسرائيل ضد العرب

لكن السؤال الصعب هنا: كيف على الفلسطيني (المستعمَر) أن يتعامل مع حالة اضطهاد تشتكي منها شريحة من المستعمرين؟

 العنصرية هي عنصرية، لا جدال هنا. لكن وفي نفس الوقت، ينبغي أن يراعى السياق السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي خلال عملية معالجة حالةٍ عنصريةٍ ما. في حالتنا تلك، العلاقة بين الفلسطيني والأثيوبي اليهودي هي علاقة مستعمَر بمستعمِر. عند الوصول لتلك النتيجة، يجد الفلسطيني صعوبة في إبراز تعاطفه مع من يشتكي من العنصرية في هذه الحالة، بل ويفضل استقبال ما يحدث على أنه شأنٌ داخليٌ يحدث ضمن إطار مجتمع المستعمِرين نفسه. إن أي طريقةٍ مغايرة للاقتراب من الحالة قد تعد نظرة "ما بعد استعمارية" مشينة.

هذا الكم الكبير من التعقيد، وطبقات الاضطهاد الهرمية تلك، نتجت أساسًا عن المشروع الاستيطاني الاستعماري في منطقة فلسطين والذي وجد عام 1948، على الأقل. تدفع تلك الحقيقة الفلسطينيين لإدخال مزيد من السياسة على السياسة خلال كل عملية معالجة لحدث ما يجري في البلاد.

هاجرت الغالبية العظمى من اليهود الأثيوبيين، أو الفلاشا كما يعرفون، إلى البلاد في آواخر القرن العشرين، ليصبحوا مواطنين بحقوق كاملة في الدولة اليهودية الوليدة، وفقًا لقانون حق العودة الإسرائيلي الذي يعطي الحق لأي يهودي في العالم بحمل المواطنة الإسرائيلية. منذ ذلك الحين، دخل اليهود الأثيوبيين دائرة المستعمرين، بل وباتوا مستعمرين فاعلين للغاية لنشاطهم في الوحدات الإسرائيلية العسكرية والشرطية المختلفة: من الجيش إلى وحدة حرس الحدود. يعيش هؤلاء مكان آخرين ألقي بهم في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار.

يعرفهم فلسطينيو الضفة الغربية جيدًا نتيجة لاحتكاكهم اليومي معهم على الحواجز العسكرية و خلال الاقتحامات وقمع التظاهرات هنا وهناك.

لم يصدر رد الفعل الفلسطيني هذا دعمًا للعنصرية، بل كان نتيجة طبيعية متوقعة بعد معاينتهم للطبيعة الوجودية لليهود الأثيوبيين في البلاد، والعلاقة القائمة بين الطرفين

على وسائل التواصل الاجتماعي، بدا معظم الفلسطينيين غير مكترثين بما يجري، في حين عبر بعضهم الآخر عن سعادته للفوضى الحاصلة في مجتمع المستعمرين. لم يصدر رد الفعل الفلسطيني هذا دعمًا للعنصرية، بل كان نتيجة طبيعية متوقعة بعد معاينتهم للطبيعة الوجودية لليهود الأثيوبيين في البلاد، والعلاقة القائمة بين الطرفين.

اقرأ/ي أيضًا: مجندة الاحتلال المحجبة

خلال التظاهرات في مصر وسوريا والجزائر وغيرها، وحتى في جنوب أفريقيا ما قبل تفكيك الاستعمار، استقبل الفلسطينيون مشاهد رفع العلم الفلسطيني بطريقةٍ أبعد من إبراز تلك الشعوب لتعاطفها. العلم الفلسطيني بات رمزًا لحركة تفكيك الاستعمار، وأيقونة لمفهوم الحرية المنشودة التي يمكن اقتباسها لكافة الحراكات الحقوقية حول العالم.

إن من السذاجة أن نتوقع عملاً مماثلاً في مجتمع اليهود الأثيوبيين، ولا حتى أفكارًا مماثلة في أدمغتهم. إن نضالهم متناقضٌ مع ذاته لدرجةٍ كبيرة. قد ينهي هؤلاء تظاهراتهم قريبًا، وسيعودون -إن كانوا قد توقفوا أصلاً- لممارستهم العسكرية النشطة ضد الفلسطينيين، ولدورهم الاستعماري الاستيطاني الوجودي في البلاد.

رصدت صحيفة جيروزاليم بوست (إسرائيلية تنشر بالإنجليزية) ردود فعل العرب والفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاحتجاجات اليهود الأثيوبيين، كما وعبر بعض الأثيوبيين الداعمين للفلسطينيين (في أثيوبيا) عن استيائهم من عدم اكتراث الفلسطينيين بنضال الفلاشا، بل رؤوا فيه تناقضًا لجوهر نضال الفلسطينيين أنفسهم.

قد يكون الفلسطينيون من أكثر الجماعات تعاطفًا ومناصرة للحراكات الحقوقية المختلفة حول العالم، نظرًا للواقع المرير الذي يعيشونه منذ 71 عامًا على الأقل. لكن وفي نفس الوقت، ينبغي الانتباه أن بعض اللاعبين الأساسيين في حراكات حقوقية هنا وهناك قد يكونوا منخرطين -وجوديًا- بالمشروع الاستعماري الاستيطاني القائم في البلاد.

أن نرى فلسطينيًا يقف إلى جانب الأثيوبي اليهودي هي مسألة قد تحدث فقط بعد تفكيك الاستعمار يومًا ما، وبعد أن يحصل جميع سكان المنطقة بين النهر والبحر على حقوق كاملة ومتساوية.


اقرأ/ي أيضًا: 

الشباب الدرزي: لن أخدم محتلي

الإرهابي جلعاد اكتشف أصوله فتحوّل لـ"رجل سلام"

فلسطينيون ضربوا إرهابيًا فتخلى عن العنف