12-مايو-2019

الترا فلسطين | فريق التحرير

كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن تفاصيل قالت إنها تُنشر لأول مرة حول عملية "ربيع الصبا" الاستخبارية - العسكرية التي أسفرت عن اغتيال عددٍ من قادة حركة فتح عام 1973 في العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك في تقريرٍ نشرته الثلاثاء الماضي مدعومًا بصورٍ تظهر أماكن إقامة القادة الثلاثة، كانت قد استخدمتها إسرائيل في التخطيط للعملية.

"يديعوت أحرنوت" تنشر لأول تفاصيل عن اغتيال قادة كبار في فتح داخل بيوتهم في بيروت

وقال التقرير، إن العملية "حُفرت في وعي الإسرائيليين كواحدةٍ من أكثر عمليات الكوماندوز بريقًا على مر العصور. أجيالٌ من المقاتلين تعلموا كيف تنكر إيهود بارك مرتديًا تنورة وشعرًا مستعارًا أسود، فيما كان رجاله يُصفُّون في قلب بيروت عددًا من أكبر الإرهابيين الفلسطينيين".

ووفق التقرير، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك غولدامير صادقت صادقة على عملية عسكرية لاغتيال قيادات فلسطينيين، فبدأ جيش الاحتلال وجهاز "الموساد" بجمع المعلومات والاستعداد لتنفيذ اغتيالاتٍ في قلب بيروت.

وقال: "جاء الحل لمعضلة غياب معلوماتٍ دقيقةٍ عن قادة حركة فتح تسمح بالتخطيط لعمليات الاغتيال في رسالةٍ عاجلةٍ مشفرة وصلت إلى قاعدة سرية لجهاز الاستخبارات العسكرية -أمان- عام 1972، طلب فيها الجاسوس المُرسل إجراء لقاءٍ عاجلٍ معه، والحديث يدور عن واحد من أهم الجواسيس الذين استخدمتهم إسرائيل في الشرق الأوسط وخدموها بإخلاص على مدار عقود كثيرة، وهو الآن لم يعد على قيد الحياة".

يقول معد التقرير رونين برغيمان إنه التقى هذا الجاسوس في منتصف العقد الماضي، "وعندما يطلب مثل هذا الجاسوس لقاءً فإن حدثًا كبيرًا على وشك الوقوع".

وبيّن التقرير، أن الجاسوس أحضر في اللقاء العاجل عناوين بيوت أربع قياداتٍ في منظمة التحرير هم يوسف النجار رئيس جهاز أمن المنظمة، وهو ضالعٌ في التخطيط لعملية ميونخ، وكمال عدوان مسؤول العمليات السرية لفتح داخل فلسطين، وكمال ناصر المتحدث باسم منظمة التحرير، وخليل الوزير "أبو جهاد".

في البناية بيت كمال ناصر

وأضاف أن عدوان وناصر والنجار كانوا يسكنون في بنايتين متجاورتين في شارع فيردان، وقد أفادت المعلومات أن صلاح خلاف "أبو إياد" كان يقضي جزءًا من وقته في  إحدى شقق هاتين البنايتين.

هذه المعلومات تم تحويلها إلى بورات قائد الوحدة التنفيذية في "الموساد" واسمها "قيساريا"، وبعد سلسلة اجتماعاتٍ لدراسة المعلومات بحضور قادة أقسام الوحدة تبين أنها غير كافية لتخطيط عملية اغتيالٍ. ومن أجل سد فجوات المعلومات، قرر "الموساد" إرسال مقاتلة تابعة لوحدة "قيساريا" إلى بيروت تدعي ياعيل، وهي يهودية كندية تجندت في صفوف "الموساد" وخضعت لتأهيل "مُضنٍ" وفق وصف التقرير.

وصلت ياعيل إلى بيروت بحجة أنها تكتب قصة لمسلسل تلفزيوني، وأقامت في منزلٍ داخل بنايةٍ في الجهة المقابلة للبنايتين حيث يسكن قادة المنظمة، وصوّرت بيوتهم والطريق من ناحية البحر التي تقود إلى المكان، والطرق التي تصلح للانسحاب منها، وأعدت خارطة بخطوط الهواتف التي يجب قطعها لمنع استدعاء النجدة، ونمط الحراسات، وصوّرت حارس كمال عدوان، ثم في النهاية أعدت ملفًا مفصلاً عن المستهدفين.

ياعيل مجندة إسرائيلية راقبت كمال عدوان وكمال ناصر ويوسف النجار متنكرة بشخصية كاتبة سيناريو

بعد دارسة المعلومات الواردة من ياعيل توصل قادة "قيساريا" إلى أنهم لن يكونوا قادرين على تنفيذ عملية الاغتيال لوحدهم، لأن الجيش وحده الذي يملك الموارد والقدرات البشرية الكافية لتنفيذ العملية.

المجندة ياعيل

وبين التقرير أن المقترح الأول لتنفيذ عملية الاغتيال كان يقوم على أن تنفذ قوة من 100 جندي اقتحامًا تسيطر فيه على المباني وتخلي سكانها ثم تعدم القادة، وقد حول "الموساد" المخطط إلى رئيس أركان جيش الاحتلال دافيد أليعاز الذي أرسله إلى إيهود باراك قائد وحدة النخبة "سيرت متكال".

بعد أن اطّلع باراك على كامل الملف الاستخباري الذي أعده "الموساد"، رأى أن دخول قوةٍ كبيرةٍ وإخراج سكان المباني من شققهم يستغرق وقتًا طويلاً قد يسفر عن اشتباكٍ مع الفلسطينيين وربما يسقط خلاله قتلى في صفوف القوة المهاجمة. لذلك اقترح باراك خطة جديدة تقوم على أن تنفذ العملية قوة خاصة مكونة 15 جنديًا بعد أن تحصل على تأكيدٍ أن القيادة موجودةٌ في منازلها، بحيث تستغرق العملية عدة دقائق بالاعتماد على عنصر المفاجأة.

العلامة تُشير لشرفة منزل كمال عدوان

بدأت القوات الإسرائيلية بالتدرب على العملية في شواطىء "تل أبيب"، فيما كانت ياعيل تواصل جمع المعلومات الاستخبارية في بيروت، واختارت النقطة التي ستدخل منها القوة عبر البحر من ناحية فندق سندس.

المسار المخطط له من ساحل بيروت
أحد الشوارع المؤدية للحي

في السادس من نيسان/إبريل غادر ستة مقاتلين في وحدة "قيساريا" إلى بيروت من دولةٍ أوروبيةٍ حاملين جوازات سفرٍ مزيفة، وأقاموا في فندق سندس واستأجروا سياراتٍ أمريكية كبيرة، ثم التقى احد المقاتلين بياعيل في فندق "انتركوتننتال" وسلمته المعلومات المُحدثة عن المستهدفين.

ظهر يوم التاسع من نيسان ظهرًا، انطلقت القوات المشاركة في العملية في قاعدةٍ لسلاح البحرية في حيفا، وعند الرابعة عصرًا أبحرت البوارج العسكرية التي تقل الجنود.

انطلق 19 زورقًا مطاطيًا من البوارج العسكرية، كانت تُقل 21 جنديًا من "سيرت متكال" و34 جنديًا من الكوماندوز البحري، و20 مقاتلاً في وحدة المظليين، وفي النهاية شارك في العملية حوالي 3 آلاف جندي من أجهزة مختلفة دون أن يكونوا على علم بتفاصيل العملية، وهؤلاء كانوا قوات احتياط واستطلاع واتصالات.

مركبتان استخدمهما المهاجمون

حرص جنود البحرية مع وصولهم إلى الشاطىء ليلاً على عدم تخريب الشكل التنكري لجنود "سيرت متكال"، تحديدًا أولئك الذين تنكروا بزيٍ نسائي وكان رجال "الموساد" ينتظرونهم في مرآب الفندق، حيث بدأت السيارات بالسفر لتنفيذ العملية. وفي اليوم التالي، 10 نيسان، وقعت عملية اغتيال القادة الثلاثة، كمال عدوان وكمال ناصر ويوسف النجار، أما "أبو جهاد" فلم يكن موجودًا في البناية، و"أبو إياد" غادرها قبل ساعاتٍ من التنفيذ، وبذلك نجى الرجلان من الاغتيال إلى حين تمت تصفيتهما في عمليتين منفصلتين لاحقًا.


اقرأ/ي أيضًا: 

نافذة أولى على تأريخ لم يدون بعد

فيديو | يعلون: هكذا قتلنا أبو جهاد

آخر وقائع اغتيال عمر النايف