23-يناير-2017

سيّدة فلسطينية تنزف بعد إطلاق جنود الاحتلال النار عليها

لا تزال قضية إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف برصاصةٍ في رأسه دون أن يشكل خطرًا على أحد، محل جدلٍ داخل إسرائيل، وسط مطالباتٍ بالعفو عن الجندي الذي أُدين بالقتل غير العمد، وهي القضية التي أخذت اهتمامًا أكبر من جرائم إعدام أخرى، بعد أن وثقها بالفيديو ناشطٌ فلسطينيٌ ونشرتها على ناطقٍ واسعٍ جمعيةٌ حقوقيةٌ إسرائيليةٌ تدعى "بتسيلم".

ولا تعد هذه الجريمة هي الأولى التي تكشف عنها جهةٌ حقوقيةٌ إسرائيلية، بل سبق أن وثقت جهاتٌ مماثلةٌ اعتداءات للجيش وللمستوطنين، تنوعت بين القتل، والتعذيب، والتنكيل على الحواجز، والاعتداء على الأراضي، والاعتداءات الجسدية، ما يطرح تساؤلاتٍ حول أهداف هذه الجمعيات المرخصة داخل إسرائيل، وخلفياتها، وكذلك عن قيمة نشاطاتها، والتعاون معها فلسطينيًا.

وتشير معطياتٌ أفادنا بها المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب، إلى أن عدد المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، والمنظمات الحقوقية الدولية، التي تنشط في الأراضي الفلسطينية المحتلة يزيد عن 15 منظمة، إلا أن خمسةً فقط منها تنشط بشكلٍ فعليٍ وتقوم بدورٍ ملحوظ.

وثقت منظماتٌ حقوقيةٌ إسرائيليةٌ آلاف الانتهاكات لكن أغلبيتها أُغلقت قبل تقديمها للقضاء أو بعد بت المحاكم فيها دون إدانة المجرمين

منظمة “ييش دين” التي بدأت عملها عام 2013، تؤكد أنها وثقت بين عامي 2013 و2015  413 "مخالفة" وقعت على خلفية أيديولوجية، وقد صرّح نحو 30% من الضحايا، وهم فلسطينيون، بشكلٍ واضحٍ بعدم رغبتهم في تقديم شكاوى للشرطة الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

وتفيد مسؤولة الإعلام في المنظمة نجوى حجازي لـ"ألترا فلسطين"، أنه تم عام 2015 التحقيق في 186 قضيةٍ، 120 قضيةً منها تم إغلاقها، وأفضت سبع قضايا أخرى إلى اتّخاذ إجراءاتٍ تأديبيةٍ، في حين قُدّمت 15 لائحة اتّهامٍ فقط ضد جنودٍ إسرائيليين بتهمة الاعتداء على فلسطينيين.

وتضيف حجازي، أن قرار عدم التحقيق في 55 "حادثًا" يثير شكوكًا حول حقيقة تطبيق سياسة التحقيقات في "الحوادث" التي تسفر عن قتل مدنيين، كما أعلنت عنها إسرائيل.

مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد"، جهةٌ إسرائيليةٌ أخرى تأسست عام 1988، "بهدف معالجة قضايا المواطنين الفلسطينيين المتضررين من سياسة العظام المكسورة، وقضايا المواطنة والترحيل الصامت لسكان القدس والتصاريح وإعادة المبعدين، وتسجيل الأبناء بالسجل السكاني وقضايا العنف من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين وهدم البيوت ومنع الحق في التنقل"، حسب ما تعرّف بها نفسها على موقعها الإلكتروني.

ووثق "هموكيد" أكثر من 80 ألف شكوى في مجالاتٍ مختلفةٍ. وانتهت ثلث الإجراءات القضائية 33.3% بإدانة المتّهمين بشكل تامٍ أو جزئي، وربعها 22.8% ألغيت أو تم شطبها، في حين وصلت 24.6% منها إلى أروقة المحاكم، وانتهت بالامتناع عن إدانة المتهمين رغم الأدلة التي تؤكد ارتكابهم "المخالفات" المنسوبة إليهم.

وبالعودة إلى جريمتي إعدام الشريف، فإن منظمة "بتسيلم" التي وثقت الجريمة، تُعتبر الأكثر شهرةً بين الفلسطينيين، ويتطوع فيها عدد كبيرٌ من النشطاء، وكان مما وثقته أيضًا العام الماضي استهداف جنود الاحتلال لأطفال القدس بالرصاص الاسفنجي، والتركيز عند إطلاق الرصاص على إصابتهم في عيونهم، وإعدام الشهيد رمزي القصراوي بطريقةٍ مشابهةٍ لإعدام الشريف.

ويؤكد ممثل "بتسيلم" في جنوب الضفة الغربية موسى أبو هشهش، أن 95% من القضايا التي رفعتها المنظمة لوزارة القضاء الإسرائيلية تم رفضها، بذريعة السياسة الأمنية الخاصة بالجانب الإسرائيلي.

ويوضح أبو هشهش لـ"ألترا فلسطين"، أن آلاف الدعاوى تم رفعها إثر العدوان على قطاع غزة عام 2012، لكن وزارة القضاء نظرت في شكوى واحدةٍ ضد جنديٍ إسرائيلي سرق هاتفًا من مسنٍ فلسطيني، على الرغم من وجود إفادات وشهادات وصور تدين جنود الاحتلال في بقية الشكاوى.

وأعلنت "بتسيلم" مؤخرًا عن توقف تقديم الشكاوى أمام القضاء الإسرائيلي بخصوص اعتداءات الجيش على الفلسطينيين، معللةً ذلك بأن الغالبية العظمى من الشكاوى يتم إغلاقها دون فتح تحقيقٍ أو توجيه لوائح اتهامٍ بحق الجنود.

وتعرضت "بتسيلم" لهجومٍ مباشرٍ أواخر العام الماضي من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أواخر العام الماضي، بعد مشاركة رئيسها في جلسة مجلس الأمن التي تناولت الاستيطان، ودعوته إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

ووصف نتنياهو عبر صفحته على "فيسبوك" منظمة "بتسيلم" بأنها تنظيم "زائل وغير واقعي"، واتهمهما بالانضمام إلى "جوقة التشهير بإسرائيل، وتكرار الادعاء الكاذب بأن الاحتلال والمستوطنات هي سبب الصراع". 

ولم يكن هجوم نتنياهو إلا جزءًا من ضغطٍ حقيقيٍ تعرضت له منظماتٌ حقوقيةٌ إسرائيلية، حسب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أبو عرقوب، بدءًا من شيطنتها واتهامها بالخيانة ثم قطع تبرعات الإسرائيليين عنها، وعدم احتساب التطوع لديها من الخدمة المدنية، الأمر الذي يحرمها من عشرات المتطوعيين الذين لا يرغبون بتأدية الخدمة العسكرية.

ويعلق أبو عرقوب، بأنه رغم كل ذلك فإن هذه المنظمات تنطلق من دوافع صهيونية، أي أنها تسعى للحفاظ على صورة إسرائيل بوصفها "دولة طبيعية فيها نشطاء يحافظون على حقوق الإنسان".

رئيس منظمة حقوقية إسرائيلية مناهضة للاستيطان يؤدي خدمته كحارس مستوطنة، وآخر أدى خدمته العسكرية كضابط استخبارات

ويوضح، أن جزءًا من هذه المنظمات يؤدي كبار قادتها خدمتهم العسكرية في الأراضي المحتلة، وفي حراسة المستوطنات. فمثلاً أجرت القناة العاشرة لقاءً مع يريف أوبهايمر رئيس منظمة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان وهو يحرس مستوطنةً مقامةً في شمال الضفة الغربية، في حين أدى رئيس منظمة "بتسيلم" الحالي خدمته العسكرية كضابط استخبارات.

اقرأ/ي أيضًا: "النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

ويؤكد أبو عرقوب، أن إسرائيل تستفيد من هذه المنظمات بأنها تقدم نفسها كدولةٍ تعطي الحرية لمنظماتٍ تفضح انتهاكات حقوق الإنسان، وأجهزة قضائيةٍ قادرةٍ على التحقيق في الانتهاكات، وذلك في إطار فيما يعرف في إسرائيل بـ"القبة الحديدية القضائية".

وتعني "القبة الحديدية القضائية" توجيه ضربةٍ استباقيةٍ قضائيةٍ لتحاشي ملاحقة مسؤولين وضباطًا إسرائيليين أمام محكمة الجنايات الدولية، وأمام محاكم دولٍ يتيح قانونها المحلي محاكمة أشخاصٍ ارتكبوا جرائم ضد أشخاصٍ آخرين حتى لو لم تكن هذه الجرائم على أراضيها.

وتضم هذه المنظمات في صفوفها عشرات النشطاء الفلسطينيين، ما يثير تساؤلاتٍ أخرى لا تأخذ حيزًا واسعًا من النقاش، يتمثل في سلامة التعاون مع هذه الجهات، وإن كان يندرج في إطار التطبيع مع الاحتلال.

"ألترا فلسطين" توجه إلى حملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل (BDS) في فلسطين سائلاً عن الموقف الذي تتبناه الحركة من هذه المؤسسات، ليكون الرد بأن الموقف مبنيٌ على التزام المؤسسات الإسرائيلية بشرطين أساسيين.

أول الشرطين، هو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي، وفي الحد الأدنى بالحقوق الثلاثة الواردة في نداء المقاطعة، وهذا ما تمتنع المنظمات الإسرائيلية عن إعلان اعترافها به، وتكتفي باعترافٍ عامٍ أحيانًا بهذه الحقوق وفقًا للقانون الدولي.

أما الشرط الثاني فهو أن يكون المشروع نفسه يندرج تحت إطار النضال المشترك لإنهاء أشكال الاضطهاد الإسرائيلي المختلفة للشعب الفلسطيني، "وهذا ما يتوفر نسبيًا بسبب طبيعة عمل مؤسسات حقوق الإنسان الإسرائيلية من حيث التركيزه على توثيق و/أو فضح انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية".

ودعت (BDS) إلى الانفكاك عن أي مشاريع يشترط تمويلها العمل مع مؤسساتٍ إسرائيلية، حتى لو كانت مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني، مؤكدة، أن التمويل المشروط سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مرفوض مبدئيًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟

بالوثائق.. "مقام يوسف": عندما يعبث السياسي بالديني

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: تحرش ومخدرات وأكثر