14-أكتوبر-2015

مهدي سعيدي/ إيران

حفظتُ ملفًا للشتائم والنصح والتهديد المبطّن، أو التلميح إلى إيذاء الأهل حيث هناك أيادٍ يمكن أن تطالهم، في حال أنْ تلك الأيادي رأتني بعيدًا بحكم الجغرافيا والقانون والحماية التي أتمتع بها في" بلاد الغرب"، وللأمانة "بلاد الغرب" أستعيرها من معجمهم الفضفاض شتيمة أو نصحًا أو غيره.

علاقتي مع الله علاقة شخصية، ليست خاضعة للإعلان والمجانية اللتين يمارسهما البعض لتلميع نفسه

وذلكَ بسبب بوست كتبته على الفيسبوك، أتبرّم فيه وأشكو عجزي وقلة حيلتي أمامَ هولٍ يتعرضُ له السوري، كأن تكون الصورة موضوعَ الألم لأطفال قضوا في قصف أو غرق أو على وشك النهاية من جوع يفتك بهم، فذهبَت أنظار الناصح و"العالم بالدين، المحبّ لله" أكثر مني إلى البوست بتركيبته ومناجاته الواضحة أكثر مما تذهب العين إلى الموضوع، لتنهال عليَّ اللعنات مع علمي، أنا "اللا متدين" بحسبهم، أن اللعنات ترتفعُ إلى الأعلى فإن كان من ذهبت اللعنة إليه لا يستحقها تحولت إلى مرسلها، لأنَّ الله حق وهذا لا جدال فيه، وهو ما يؤكد فرضيتي القائمة على جهل من تناولني بتلك السذاجة والحدية اللا مبررة من حيث موضوعي مبحث النقاش وكذلك علاقتي مع الله، وهي بالتأكيد علاقة شخصية ليست خاضعة للإعلان والمجانية اللتين يمارسهما بعضهم لتلميع نفسه، أو وسم خطابه بالأخلاقي حين إفلاس.

"الرجاءُ" عادةً خطابٌ يوجّهُ من الأدنى إلى الأعلى، والهرمية الرمزية التي يفرضها لفظ الجلالة تَسم الأدنى بالضعف واستلاب الإرادة بحكم القوة الجبرية لتكون مناجاتهُ إيمانًا مطلقًا، وليس مناكدة أو مشاكلة أو خوضًا في شأن من شؤونه. 

الله قطع على الوسطاء الطريق وبعث النبيين وأوحى لهم بتحطيم الأصنام، ومنحهم تعاليم صارمة وواضحة في تنظيم العلاقة بينه وبين مخلوقه، وبين المخلوقات أنفسها، بحسبِ الموضوعة الدينيةِ المؤسَّسة على البيّنات والنصوص التي قُرأت خطأً ربما فخلقت جيلًا مَسخًا لا يحاور وإنما يقتلُ لو توفرّت له الفرصةَ، كونهُ المُهدى ومفتاح جنته برقبته والآخرون في ضلال يعمهون، والمثال على "وعيهم" النقدي الجديد: الشتيمةُ حجةٌ. تشييء القدرة الجبرية هذه هو مساهمة فعالة/ دونية في زعزعة مفهوم الهرمية وإنزال الرمزية من العلو إلى مصاف يمكن انتهاكه بوصفه مقدسًا أرضيًا لاسماويًا، وبالتالي توصيفه كما لو أنه سلطة دنيوية وليست آخروية وهو ما ساهم في تعويم الحاكم الجائر في ضديته وانتهاكهِ لحقوق الرعية، وذلك بمساندة أئمة وعلماء "دين" أخذوا بفكرة "الخروج على الحاكم معصية" وسوقوها ليتلقفها بعض السذج فيكونوا سدنةَ لمرحاض الحاكم الذي يأكلهم.

إن بوستًا يؤلبُ الدبابير عليك، يعني أن تضعَ عقلك في ثلاجة الموتى قبل أن تذهب جثتك وروحك صاعدة إلى بارئها، فالعتاب الذي وجهته لمن وجدته قويًا لم يكن شتيمة أو نقيصةٍ بحق من شكلَ وجداننا الفطري صورته وتكونت قناعاتنا وفق تلك الصورة والنصوص الناظمة لحياتنا كقانون وضوابط تؤسس لعلاقتنا مع بعضنا البعض بوصفنا كائنات اجتماعية أولًا، ومن ثم إنسانيين من الأنس والألفة في مخالفة واضحة للغريزة الحيوانية وانفلاتها، وما يبدو في بعضها نزوعًا إلى الإفتراس الذي هو الشر. الأديان جميعها تتقاطع خطوطها البيانية في نقطة الدعوة إلى الخير والتسامح ودحر الشرور. الأقوال هي ما دون الفعل، كذلك الأقوال دون ما تضمر القلوب خيرًا أو شرًّا، وقد قالها الإمام علي بن أبي طالب في "نهج البلاغة": "تمنيت لو كانت لي رقبة بعير" أن جملة الإمام تعني أن الأخطاء ممكنة، في إشارة شخصية إلى أن صاحب الخطأ يمكن أن يكون الأقرب إلى من خصّه الله بحمل رسالة الإسلام محمد بن عبد الله (ص) فكيف بي ويفصلني عن ذلك العهد 1400 عام؟!

تتقاطع الأديان جميعها في نقطة الدعوة إلى الخير والتسامح ودحر الشرور

في البوست الذي أورد فيه جزءًا من قصيدة الشاعر راشد حسين" الله أصبح غائبًا" لامستُ الروح المحبطة للشاعر الفلسطيني -ليس عمداً وإنما مصادفة- وقد اغتصبت أرضه ممن يجدهم أعداءً لله، ورأيتُ في القصيدة التهكمية "غداة أعطيتَ إبراهام عرش محمد" حاملًا لي نحو قول يختصرُ الكثير، وأعتقد أني والشاعر صاحب القصيدة لولا إيماننا بـ"الله" الكبير والقادر على كل أمر، لكُنا وجهنا نداءنا المارق قليلًا إلى حاكمٍ ما وربما إلى الشيطان.

أخيرًا انقسمَ الجمع إلى فريقين، أحدهم يجرمني ويكفرني، ويضعني في صفِ نصر حامد أبو زيد وسيد القمني والصادق النيهوم، وآخر يتلمس تشوّفي لله وإيماني بقدرته وماخروج القول(الخطأ) إلاَّ عتبًا صوفيًا وتعبيرا عن يأس. وأقول إن توصيفَ المقدس بالضرورة توصيف للضد المدنّس في المقابلة. 

اقرأ/ي للكاتب:
ميليشيا الثقافة.. مقهورو الأمس قاهرو اليوم
ليس داعش وحده داعش