01-مايو-2019

رافقها الحرّاس حتى المنصة، قاسوا مسافة مترين بينها وبين زملائها، انتشروا بينهم، همسوا في آذانهم بكلمات لم يسمعها أحد، لكنّها غير مفهومة للطلاب، الحرّاس بدوا متجهمين، تتدلى من خصورهم المسدسات، ارتبك الجمهور، نظر المعلمون باستغراب إلى وجوه بعضهم البعض، وقفت ابنة وزير الخارجية مع الطلاب والطالبات الفائزين في مسابقة أفضل لوحة للمرحلة المرحلة الاعدادية في مدارس الوطن. انتشر حرّاسها في أرجاء القاعة، أحدهم كان يراقب الشارع من خلال النافذة.

أعلن عريف الحفل نتائج مسابقة أفضل لوحة، كانت ابنة وزير الخارجية هي الفائزة الأولى، وأعلن عن فوز آخرين بجوائز ترضية، صفّق الحضور، لكنّ الحراس كانوا أشدّ الموجودين تصفيقًا وتصفيرًا، قال العريف كلامًا جميلًا عن لوحة البنت التي كانت تقف على بعد مترين من زملائها ناسبًا الكلام إلى لجنة تحكيم لم يذكر أسماء أعضائها: إن هذه الموهبة العظيمة تؤكد بأن الحياة في كوكب المريخ، لم تؤثر كما توقّع علماء النفس على حساسية الطفل البشري، وتضامنه الهائل الفطري مع ألم الإنسان، وأنّ مغادرة كوكب الأرض كان قرارًا حكيمًا، لبدء حياة أخرى بهواء نظيف ومقاربات ذكية لهموم البشر. طلب العريف من ابنة وزير الخارجية النزول لاستلام جائزتها، جاءت البنت مسرعة، تعرقلت بكرسي، وقع الكرسي على الأرض، عادت لترفع الكرسي لكن حارسين ضخمين أسرعا ووصلا قبلها للكرسي ورفعاه.

همس الرسّام ومدرّس الفن في إحدى المدارس المشاركة في المسابقة لصديقه معلم التاريخ: "إنهم يبالغون في حماية البنت، ألا تتفق معي؟ أكثير عليها أن ترفع كرسيًا عن الأرض؟ يا لتعساتنا! ما زالت الأفكار الأرضية تعشش فينا، سنوات طويلة مضت على مغادرتنا كوكب الأرض اللعين ولم يتغيّر شيء".

انتهت الحفلة، عاد الجميع إلى البيوت، أعلنت الصحف في اليوم التالي عن فوز ابنة وزير الخارجية بجائزة اللوحة.

رنّ موبايل وزير التربية والتعليم، كان وزير الخارجية في وطننا المريخي الجديد يرفع صوته بشكل هستيري: هناك فنان فاشل همس لمعلم فاشل ساخرًا من حماية الحرّاس لابنتي، أرجو أن أسمع قرارًا بمعاقبة الهامس الفاشل.

رنّ موبايل مدير التربية والتعليم، كان وزير التربية يرفع صوته بشكل هستري: هناك فنان فاشل همس لمعلم فاشل ساخرًا من حماية الحراس لابنة وزير الخارجية، أرجو أن أسمع قرارًا بمعاقبة الهامس الفاشل.

رنّ موبايل مدير المدرسة التي يعلّم فيها الرسام معلم الفن: كان مدير التربية يهزّ الهواء بصوته: هناك فنان فاشل همس لمعلم فاشل ساخرًا من حماية الحراس لابنة وزير الخارجية، أرجو أن أسمع قرارًا بمعاقبة الهامس الفاشل.

رنّ موبايل المعلم الفنان، كان مدير المدرسة يصيح: من أنت حتى تسخر من حماية ابنة وزير الخارجية؟

في صباح اليوم التالي، عاقب المدير المعلم بأن جعله يرفع كراسي صفين كاملين على الطاولات تمهيدًا لتنظيفهما من قبل الطلاب.

رنّ موبايل الرسام الذي استقال من مهنة التعليم "مقررًا أن يتفرغ لرسم لوحة مجنونة عن كراسي صف مدرسي مرفوعة على الطاولات". كان صوت معلم التاريخ (الفاشل) على الطرف الآخر: أريد أن أفشي لك سرًا، أعرف أن كلامنا مراقب، لكن لا يهم، اسمع: زارني جار لي رسام عبقري لكنّه فقير جدًا، وهمس في أذني بأنّ اللوحة التي فازت بها ابنة وزير الخارجية هي لوحته، رسمها قبل أسابيع بناءً على طلب صديق له، ليهديها لابنه بعيد ميلاده ولا يعرف كيف وصلت لابنة وزير الخارجية، وحين سألتُ الرسام الفقير العبقري عن مهنة صديقه أجاب بأنه لا يعرف، لكنّه لاحظ أنه يغيب عن بيته أيام طويلة ودائمًا يرى مسدّسًا يتدلى من خاصرته.


اقرأ/ي أيضًا: 

قصص قصيرة لتقوية عضلة القلب

رصيف المدينة: حيّز للجنون

الحق في المجهولية