30-سبتمبر-2021

صورة توضيحية: الشرطة التركية تقول إنها تبذل قصارى جهدها بحثًا عن المفقودين | gettyimages

تتوالى الأخبار من تركيا حول اختفاء 7 فلسطينيين في ظروف غامضة، وفي حوادث منفصلة بدأت بعد أيامٍ من بداية شهر أيلول/سبتمبر الجاري، وسط تفاوتٍ في الأنباء حول خلفيات هذه الحوادث، بين الخطف، والاعتقال لدى جهات أمنية، والهجرة إلى دولٍ أخرى، وكذلك احتمالية اختطافهم من قبل جهات تابعة للاحتلال الإسرائيلي.

تعتقد عائلة سلهب أن هناك تقصيرًا أو إخفاءً للمعلومات من طرف السلطات التركية رغم توفر كاميرات مراقبة في المنطقة

الحادثة الأولى في هذا الملف سُجلت يوم الجمعة 3 أيلول، عندما كان طالب الطب في جامعة سلجوق بمدينة قونيا محمد عماد سلهب (27 سنة) من الخليل متوجهًا لصلاة الجمعة، حيث تم اختطافه من قبل 6 أشخاص بعد حدوث عراك طفيف بينهم، وفق ما علمت عائلته.

شقيق محمد ووالده وزوج أخته توجهوا -قبل قرابة أسبوعين- إلى مدينة قونيا لمتابعة هذا الملف، وقال في حديث صحافي إن كاميرا مراقبة وثقت لحظة الاختطاف، ولكن التسجيل بحوزة الشرطة وحتى اللحظة لا يوجد تقدم في هذا الملف رغم تواصل العائلة مع السفارة الفلسطينية في أنقرة، والسفارة التركية في القدس المحتلة.

تعتقد العائلة، أن هناك تقصيرًا أو إخفاءً للمعلومات يحدث من طرف السلطات التركية، فهي لا تدلي بأي معلومات رغم توفر كاميرات مراقبة في المنطقة بإمكانها تتبع المركبة التي نفذت عملية الخطف.

حالة اختطاف ثانية وقعت في وقتٍ مقارب، والمختطف هذه المرة رائد عاشور من غزة، وقد اختفت آثاره في منطقة قريبة من مسجد الفاتح الشهير في اسطنبول. وهو، بحسب العائلة، مقيمٌ مع عائلته منذ أربع سنوات في تركيا.

بعد أكثر من أسبوع على هذه الحادثة، اختفى شابٌ ثالث تربطه صلة قرابة بعاشور، وهو ناهض صابر الكفارنة (29 سنة) فمتزوج وأب لثلاثة أطفال، وهو من مواليد بيت حانون وموجودٌ في تركيا منذ سنة 2018، حيث يعمل في مجال التكييف والتبريد، وله محلٌ متخصصٌ في صيانة هذه الأجهزة منذ ثلاث سنوات.

تقول عائلة الكفارنة، إن ناهض خرج من محله عند الساعة 11:45 من ظهر يوم الثلاثاء 14 أيلول لكنه لم يعد إليه. بعد أربع ساعات اتصلت به زوجته ولم يُجب على الاتصال، ثم أصبح هاتفه مغلقًا، مؤكدة أن إقامته سارية المفعول حتى شهر شباط/فبراير من السنة المقبلة.

في اليوم التالي، سُجلت حالة "اختفاء" رابعة، وهذه المرة كان الشاب عبد الرحمن أبو نوى (29 سنة) الذي انتقل من الخليل إلى تركيا سنة 2013، حيث كان طالبًا في جامعة الخليل يدرس تخصص الفقه والتشريع. بعد وصوله تركيا بدأ دراسة إدارة الأعمال، ثم بعد سنة أسس "مجموعة الجابري" في منطقة الفاتح في اسطنبول.

صباح يوم الأربعاء 15 أيلول، تحدث عبد الرحمن مع والدته وأخته هاتفيًا، وعند الساعة 11:15 غادر مكتبه لمقابلة صاحب شركة عقارية يحمل الجنسية المصرية في مجمع تجاري، لكن بعد دخول المجمع اختفت آثاره.

الأمن الخاص في المجمع قال إن جزءًا من الكاميرات معطل، وبالتالي لم يتم التقاط لحظة اختفاء عبد الرحمن

بحسب العائلة، فإن عددٌ من أصدقاء عبد الرحمن توجهوا برفقة شرطي تركي -أراد مساعدتهم بشكل شخصي- إلى المجمع التجاري حيث كانت السيارة، وطلبوا مساعدة الأمن الخاص في المجمع فكان الرد بأن جزءًا من الكاميرات معطل، وبالتالي لم يتم التقاط لحظة اختفاء عبد الرحمن.

تُضيف العائلة، أنها وكلت محاميًا تركيًا لمتابعة الملف وإبلاغ النيابة، لكن حتى اللحظة ماتزال الأمور "غير واضحة إطلاقًا" كما تقول.

وتنفي العائلة احتمالية أن يكون اختفاء نجلها سببه نيته الانتقال إلى بلدٍ آخر، فأموره مستقرة وإقامته سارية المفعول، ولا يمكن أن يترك مكتبه ومركبته بهذه الطريقة من أجل الانتقال لبلد آخر.

ومساء يوم الأربعاء 22 أيلول، سُجلت حالة اختفاء جديدة، لكن هذه المرة كان طالبٌ جامعيٌ وابن أسير في سجون الاحتلال، وهو الشاب علاء الدين عبد اللطيف حمادة (21 سنة) من برقين في جنين، وقد وصل تركيا سنة 2019 للدراسة في جامعة "بينكيت" في اسطنبول، إضافة إلى العمل في القطاع السياحي.

توضح العائلة، أن الاتصال بنجلها فُقِد منذ مساء يوم 22 أيلول، بعد خروجه عند الساعة 6:30 مساءً من منزل صديقه عائدًا إلى بيته، مضيفة أن صديقه اتصل به عدة مرات حتى الساعة التاسعة دون أن يتلقى أي رد، قبل أن يتم إغلاق الهاتف.

أحدث الحالات التي جاء اختفاؤها في ظروف مشابهة هو الشاب أحمد القيشاوي (29 سنة) من غزة، حيث انقطع الاتصال به عند الساعة الثامنة من مساء يوم السبت الماضي، بعد 4 سنوات من وصوله إلى تركيا وإقامته فيها. تقول عائلته، إن ابنها مقيم بشكل شرعي في تركيا وإقامته سارية لسنة ونصف، وقد عمل في السياحة ثم في التسويق الإلكتروني لمنتجات فلسطينية، مؤكدة أنه طوال إقامته لم يواجه أي مشاكل قانونية ولم تُحرر له حتى مخالفة سير.

وتتهم العائلة السفارة الفلسطينية في أنقرة والقنصلية في اسطنبول بعدم التعاون مطلقًا وأنها لا تمارس أي ضغوط على الحكومة التركية.

وأضيفت حديثًا حالة جديدة إلى سجل حالات الاختفاء، لكن يبدو، بحسب رئيس الجالية الفلسطينية حازم عنتر، أن ظروفها مختلفة، فالشاب فُقدت آثاره قرب الحدود التركية - اليونانية، ويُرجح أنه كان يحاول التسلل إلى اليونان للوصول منها إلى دولة أوروبية، وليس من الواضح مصيره إن كان قد تم اعتقاله أو نجح في التسلل.

يوضح عنتر، أن وجود الشبان لدى الأمن التركي أمرٌ وارد، مبينًا أن الأمن التركي يلتزم الصمت في مثل هذه الحالات حفاظًا على سرية عملية التحقيق.

تم تسجيل ثلاث حالات اختفاء مشابهة سابقًا وتبين أنهم معتقلون لدى الأمن التركي

وأشار إلى تسجيل ثلاث حالات مشابهة، اثنتان كانتا قبل سنوات باختفاء تاجرين ثم تبين أنهما معتقلان لدى الأمن التركي بتهمة الانتماء لحزب سياسي "معادي لتركيا"، والثالثة كانت قبل شهور، حيث اختفى معلمٌ ثم تبين لاحقًا أنه معتقلٌ لدى الأمن التركي.

الرَّد الرسمي الوحيد من السلطات التركية جاء على لسان القنصل أحمد رضا ديميرير، الذي نفى أن يكون الشبان السبعة معتقلون لدى الأمن التركي، وقال إنهم ليسوا موجودين في المستشفيات التركية ولا في المراكز الرسمية.

وخلال لقائه بالسفير أحمد الديك في رام الله، الأربعاء، بعد وصول عدد الحالات إلى سبع حالات، أضاف ديميرير، أن السلطات التركية تبذل قصارى جهدها للوصول إلى معلوماتٍ حقيقية بشأن اختفائهم.

من جانبه، يقول السفير الفلسطيني فائد مصطفى، إن السلطات التركية تؤكد أنها تقوم بجمع كل المعلومات وتفرغ كل الكاميرات، وتجري اتصالاتها لأجل تحديد مصيرهم، "ونحن لا نستطيع إلا أن ننتظر ما ستتوصل له التحقيقات"، مضيفًا أنه لا يستطيع نفي أو تأكيد شكاوى عائلات مفقودين بأن السلطات التركية تخفي تسجيلات الكاميرات.

يقول السفير الفلسطيني إن السلطات التركية تؤكد أنها تقوم بجمع كل المعلومات وتفرغ كل الكاميرات، وتجري اتصالاتها لأجل تحديد مصيرهم

ورفض مصطفى في حديثه لـ الترا فلسطين الاتهامات بأن السفارة تُقصر في متابعة الملف، داعيًا إلى عدم تحويل الموضوع لخلاف داخلي، مشددًا أن عدد المفقودين المسجل لدى السفارة هو 7 أشخاص.

ورغم النفي التركي لاحتمالية الاعتقال، إلا أن فرضية يتم تداولها داخل الجالية الفلسطينية في تركيا وعلى مواقع التواصل، وهي أن الشبان تعرضوا لعمليات اعتقال لدى جهاتٍ أمنية تركية على خلفية ارتباطهم بأنشطة تابعة للفتحاوي المفصول محمد دحلان، المعروف بخلافه مع السلطات التركية التي طلبت سابقًا من الشرطة الدولية اعتقاله.

سألنا ديمتري دلياني، المتحدث باسم "تيار الإصلاح لحركة فتح" -التابع لدحلان- حول هذه الفرضية، فأجاب بأن "كل الشعب الفلسطيني يتواصل مع التيار الإصلاحي، ونحن على تواصل مع كل طلاب الفلسطينيين في الجامعات الخارجية وغير الطلاب في جميع أنحاء العالم".

وبدا واضحًا أن دلياني لا ينفي أو يؤكد وجود هذا الاحتمال، بل اكتفى بالقول إن تركيا "معادية للشعب الفلسطيني بالشراكة مع الاحتلال"، مضيفًا، "هناك كُثر قتلتهم سياسة تركيا الشُرطية". وتابع، "نحمل المسؤولية الكاملة للحكومة التركية عن حياة الفلسطينيين".

في هذه الحالة لعدم وجود نزاع في دولة اختفاء الشبان والشبان يقيمون بشكل رسمي فإن الصليب الأحمر لا يمكنه القيام بأي شيء

فرضيةٌ أخرى تمثلت بأن يكون الفلسطينيون قد تعرضوا للخطف من قبل جهات تابعة للاحتلال الإسرائيلي. عائلتا اثنين من المخطوفين في الخليل توجهتا إلى الصليب الأحمر من أجل الحصول على إجابة حول هذا الموضوع، بحسب ما أفادنا به الناطق باسم الصليب الأحمر في الأراضي المحتلة يحيى مسودة.

وقال مسودة، إن الصليب لا يعمل عندما تكون ظروف الاختفاء غامضة، ولكنه قام بتوجيه عائلة سلهب إلى كيفية التعامل في هذا الوضع، وأن عليهم التواصل مع الهلال الأحمر التركي.

وأكد، أن الصليب جاهزٌ لتقديم المساعدة وتوجيه العائلات، ولكن في هذه الحالة لعدم وجود نزاع في دولة اختفاء الشبان والشبان يقيمون بشكل رسمي فإن الصليب الأحمر لا يمكنه القيام بأي شيء، إلا في حال ظهور أخبار مؤكدة حول مصير الشبان فإنه يُمكن التحرك.


اقرأ/ي أيضًا: 

ذهبوا لزيارة قبور أطفالهم فوجدوها منبوشة

مؤتمر في غزة تحضيرًا لاستلام البلاد بعد التحرير

دلالات: