14-يوليو-2018

صورة تجمع الأسير رائد السعدي بوالده قبل أن يفقد بصره، ووالدته قبل وفاتها

"متأملين رائد يطلع؟ رائد رح يسكر السجن ويجيب المفتاح وييجي عندكم، ما رح يطلع أبدًا". بهذه الكلمات هدد جهاز مخابرات الاحتلال قبل سنوات عائلة عميد أسرى محافظة جنين الأسير رائد محمد شريف السعدي (52 عامًا) من بلدة سيلة الحارثية غرب جنين المعتقل منذ 29 سنة.

رائد اعتُقل مرتان؛ الأولى لمدة 6 شهور عندما كان في الـ17 من عمره؛ بسبب رفعه علم فلسطين أعلى مدرسة البلدة. والثانية عام 1989، وهو يقضي منذ ذلك الحين حكمًا بالسجن المؤبد مرتين، بتهمة مقاومة الاحتلال وتنفيذ عمليات في مدينتي حيفا والعفولة أدت إلى مقتل جندي وإصابة آخرين.

رائد السعدي اعتُقل مرتان، الأولى بسبب رفعه علم فلسطين، والثانية بسبب عمليات في حيفا والعفولة، وحُكِم بالسجن المؤبد مرتين

"شو بدي أقول عن رائد؟ توقفت ذكرياتنا معه لحظة اعتقاله عندما كان عمره 23 (..) كل شيء في حياته مطبوع في ذاكرتي الثمانينية، طفل مميز، جريء وشجاع، قيادي، يحب الوطن والجميع منذ طفولته وحتى الآن" يقول والده محمد السعدي.

أما شقيقه فيقول، "لو يشوفني رائد بالشارع ما رح يعرفني، آخر مرة شافني كنت ولد صغير قبل 20 سنة، بس صورته هو ثابتة من لما كان بينا، جبل ومقاوم وعنده استعداد يحارب العالم كله علشان فلسطين (..) هون وقفت الصورة ومستحيل تتغير".

يستذكر والده بداياته في مقاومة الاحتلال؛ عندما انضم لحركات النضال العربي عقب سفره لإحدى الدول لمرافقة شقيقته خلال عملها. يقول والده: "لم يستطع العيش خارج فلسطين، وأرسل لي رسالة: سأعود ولن أخرج من فلسطين مرة أخرى، واختفى لعدة شهور قبل أن تصلنا أخباره من الناس".

أنهى رائد دراسته الثانوية قبل اعتقاله بسنوات، وحاول الالتحاق بجامعة الخليل، إلا أن ملاحقة الاحتلال له ثم اعتقاله حالت دون ذلك. ظل الاحتلال لسنوات طويلة عقب اعتقاله يمنعه من الالتحاق بالجامعات العبرية، فأعاد الثانوية العامة في سجون الاحتلال مرتين، مرة في الفرع الأدبي وأخرى في الفرع العلمي.

اقرأ/ي أيضًا: رومانسية أسرى وزوجاتهم على عينك يا سجان

وخلال اعتقاله حفظ القرآن الكريم كاملًا تلاوة وتجويدًا، و استطاع مؤخرًا أن يتخرج من معهد في إحدى جامعات غزة، ثم بدأ دراسة البكالوريوس في تخصص التاريخ بجامعة القدس المفتوحة.

الأسير السعدي واحد من 30 أسيرًا اعتقلهم الاحتلال قبل اتفاقية أوسلو، ورفض الإفراج عنهم بعد توقيعها، كما رفض الإفراج عنهم ثانية في إطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية أبرمته حكومة نتنياهو، تضمَّن الإفراج عن جميع أسرى ما قبل اتفاق أوسلو مقابل استئناف المفاوضات، وهو الاتفاق الذي كان يُفترض تنفيذه على أربع دفعات، لكن الدفعة الرابعة أُلغيت من قبل حكومة الاحتلال، وبالتالي بقي السعدي أسيرًا.

"لم يخرج مع ربعه الذين اعتقلوا معه، كان اسمه معهم وكنا نستنى ونسهر ونصلي طوال الليل ولكنه لم يخرج (..) في الدفعة الثالثة ذهبت إلى النوم مبكرًا وقلت للأولاد لن يخرج اليهود غضبانين عليه" يقول والده أبو عماد.

يخبرنا شقيقه أمجد أن والدته التي انتظرته في جميع الدفعات، وطوال سنوات اعتقاله، أُصيبت بجلطة بعد أيام من إلغاء حكومة الاحتلال الإفراج عن الدفعة الرابعة، وتوفيت بعدها، مضيفًا أن لحظة وفاتها كانت الأكثر صعوبة على رائد، حيث توفيت وهو يحدثها على الهاتف "كانت تسمع كلامه بدون ما تجاوب قلت له أمي توفت فقال، حط التليفون حدها عشان أقرأ قرآن عليها".

والدة الأسير رائد السعدي فارقت الحياة عندما كانت تتحدث معه هاتفيًا، نتيجة جلطة أصابتها بعد إلغاء الإفراج عنه

كما فقد رائد شقيقه عماد أيضًا دون أن يتمكن من وداعه، إذ أُصيب بالسرطان ورفض الاحتلال خلال تلك الفترة السماح بالحديث معه عبر الهاتف، أو من خلال إصدار تصريح زيارة بحجة أنه مرفوض أمنيًا، لكن شقيقه أرسل له قبل وفاته بأيام رسالة صوتية عبر برنامج إذاعي للأسرى.

يعلق أبو عماد صور رائد وشهاداته ودروع التكريم من الفصائل المختلفة في جميع أنحاء الغرفة التي استقبلنا بها، وعلى الرغم من أنه فقد بصره قبل عام من الآن، إلا أنه يحفظ الصور بجميع تفاصيلها.

"هذه الصورة التقطت قبل وفاة الحجة بفترة قصيرة، يحتضننا رائد وأمه محتارة هل تنظر إلى وجهه أم إلى الكاميرا، وهذه صورتي الأخيرة معه بعد أن فقدت بصري، كنت أحاول الوصول إلى لحيته لتقبيلها" يقول أبو عماد.

ملامح رائد تتغير مع كل صورة جديدة تصل عائلته، يزداد الشيب في صورة، وتزداد التجاعيد بأخرى، يبدو عليه المرض في واحدة والتعب في ثانية. الإرادة هي الشيء الوحيد الثابت في عينيه والذكريات التي جمعته بعائلته خلال 23 عامًا عاشها بينهم.


اقرأ/ي أيضًا:

هدده المحققون بزوجته وقطعوا خلفه ولم يرضخ

كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

نادر العفوري.. الجنون حين يُصبح خلاصًا