02-ديسمبر-2017

قبلت الشابة العشرينية "ملك" من مدينة غزة طلب صداقة على حسابها في فيسبوك، من حساب يحمل اسم فتاة، تدعي صاحبته أنها صحافية من غزة، ليتحول الأمر إلى محاولة للابتزاز انتهت إلى كشف عميل تابع لجهاز "الشاباك". "كانت كل المؤشرات للوهلة الأولى تدل بأنه حساب حقيقيّ، فالمعلومات والصور على الحائط الشخصي كان لها الدور الأكبر في قبول طلب الصداقة دون ريب في بداية الأمر"، تقول "ملك" لـ"ألترا فلسطين".

تروي "ملك" أحداث قصتها قائلة: "بعد أسابيع قليلة من التعرف على صاحبة الحساب التي تدعى خلود عمر طلبتْ مني الحديث عبر تطبيق واتساب، لتخبرني بعدها بأنها تبحث لأخيها الوحيد عن عروس مناسبة، وتريد الحصول على رقمي الشخصيّ، وأنها بعد تصفحها العديد من الصور الخاصة بي قررت التقدم لخطبتي له".

عملاء لـ"الشاباك" ينشطون في الابتزاز الإلكتروني، والبحث عن عروس أحد وسائل إسقاط ضحاياهم

حاولت "ملك" بعد إخبار أهلها السؤال عن الشاب وعائلته في المنطقة التي يقطن فيها، وفقاً للعنوان الذي زوّدتها به (خلود) مستعينة بالعديد من صديقاتها في تلك المهمة، ليتضح لها بعد محاولات عديدة أنه لا وجود لهذا الاسم.

اقرأ/ي أيضاً: صفحة المنسق: مؤشر عودة الإدارة المدنية لغزة والضفة؟

بعد شعورها بالريبة، أرسلت الأخيرة رسالة لصاحبة الحساب الوهميّ، التي اتهمتها بأنها "شكاكة"، واختفت بعد ذلك مباشرة عن الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تعود بعد أيام لتخبرها أنها بحاجة للمال لإجراء عملية جراحية طارئة، مما دفع "ملك" إلى التقدم ببلاغ لدى الأجهزة الأمنية بغزة.

وبحسب قول "ملك"، فإن صاحبة الحساب التي أثارت الشكوك حولها عبر مجموعة من الأصدقاء المشتركين، حاولت بنفس الطريقة الإيقاع بالعديد من الفتيات اللواتي تعرفهن من خلال حساب آخر يحمل اسم شاب يدعي أنه عامل في أحد مصانع الدول الأوروبية.

وبناءً على هذا البلاغ، تمكنت الأجهزة الأمنيّة التابعة لوزارة الداخلية في غزة من اعتقال الشخص الذي يقف خلف هذه المحاولات، وذلك بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2017، ثم أعلنت الشرطة النسائية عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" أن هذا الشخص في العقد الثالث من العمر، وهو عميل لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي، وكان مكلفاً بجمع معلومات وأدوات يمكن من خلالها ابتزاز الفتيات اللواتي يتعرف عليهن، كأن يحاول الحصول على صور أو مكالمات غرامية أو محادثات خاصة لهن.

ويهدف المتورطون في جرائم الابتزاز الإلكتروني إلى الحصول على المال، أو إلى جر الضحايا لعلاقات جنسية، أو توريطهم في شباك التعامل مع أجهزة الاحتلال، وذلك من خلال التهديد بنشر صور شخصية، أو نشر محادثات مكتوبة أو مكالمة صوتية، وقد يتم الحصول على هذه الصور والمحادثات من خلال اختراق الحسابات، وليس من خلال حوارات مباشرة، وذلك وفقاً للتحقيقات التي أجرتها الجهات المختصة في وزارة الداخلية بغزة في قضايا الابتزاز الإلكتروني.

الشرطة في غزة تابعت قضايا ابتزاز إلكتروني كان المتورط فيها فلسطيني، والضحايا يسكنون خارج فلسطين

 وأوضح المقدم أيمن البطنيجي، مدير عام الشرطة في قطاع غزة، أن الشرطة تلقت خلال العام الجاري مئات الشكاوى على موقعها الرسمي، أو من خلال بلاغات رسمية يقدمها في حالات كثيرة أقارب الفتيات اللواتي يخشين التوجه إلى مراكز الشرطة، مبيناً أن وحدة الحاسوب تجمع المعلومات لتحديد مكان الشخص المتورط في الابتزاز عن طريق عنوان IP الخاص بجهازه.

اقرأ/ي أيضاً: مستوطنون زبائن في ورشات ومتاجر فلسطينية

وبين البطنيجي في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، أن الشكاوى التي تلقتها الشرطة لم تقتصر على المستوى المحلي، بل إن هناك شكاوى كانت من فلسطينيات مغتربات عن طريق الموقع الإلكتروني تفيد بتعرضهن لمحاولات ابتزاز من أشخاص يقيمون في غزة، حيث كان هناك ما يقدر بثلاث قضايا العام الماضي 2016 تم حلها وإلقاء القبض على الجناة.

وسبق أن أطلقت الشرطة النسائية في قطاع غزة "حملة صحوة" لمواجهة الابتزاز الإلكتروني، وذلك في منتصف شهر حزيران/يونيو من العام الجاري. تقول المقدم ناريمان عدوان، مدير الشرطة النسائية، إن الانترنت يمثل ساحة خصبة لعمل المخابرات الإسرائيلية، وقد أصبح من أهم ميادين الإسقاط وسحب المعلومات، وتعزو ذلك للواقع السياسي الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، والذي أدى لهروب الشباب نحو العالم الافتراضي في مواقع التواصل، كأداة للتعايش ونسيان المشاكل اليومية.

وأكدت المقدم ناريمان لـ"ألترا فلسطين"، أن "العنصر النسوي" أهم الفئات المستهدفة في عمليات الابتزاز، خاصة تلك التي يقف خلفها الاحتلال الإسرائيلي، مضيفة أن الجهاز يحاول توفير مسارات آمنة، وحاضنات أمنية ونفسية للنساء اللواتي يتعرضن للابتزاز.

النساء أكثر الفئات المستهدفة في عمليات الابتزاز الإلكتروني، خاصة تلك التي تقف خلفها مخابرات الاحتلال

وأشارت إلى أن مكاتب الشرطة النسائية في محافظات القطاع هي إحدى قنوات التواصل، بالإضافة إلى مكاتب المباحث العامة، وتحديداً قسم المصادر الفنية، وهو القسم المختص بالجرائم الإلكترونية.  

ووفق معطيات أصدرتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية أواسط العام 2016، فإن 48.3% من الأسر في الضفة الغربية وقطاع غزة لديها اتصال بالانترنت، ونحو 63.1% منها تمتلك أجهزة حاسوب، وأن 53.7% من الأفراد (عشر سنوات فأكثر) يستخدمون الانترنت، و75.1% من هؤلاء يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي.

وبحسب قانون العقوبات الفلسطيني، رقم 3 لسنة 2009 معدل لقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة، فقد حددت المادة رقم 3 عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سنة، لكل من اقتحم نظاماً لمعلومات حاسوب خاص بالغير أو بقى فيه دون وجه مشروع، إضافة لغرامة لا تتجاوز ألف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وإذا نتج عن ذلك تعطيل تشغيل النظام أو محو المعلومات التي يحتوي عليها أو تعديلها، تكون العقوبة الحبس، وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وكان الرئيس محمود عباس قد صادق على قرار بقانون للجرائم الإلكترونية، بتاريخ 25 تموز/يوليو الماضي، يتضمن عقوبات مشددة على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة بقيمة 5 آلاف دينار أردني، إلا أن هذا القانون لقي احتجاجات واسعة بسبب تضمنه كذلك بنوداً تمس بحرية العمل الصحافي، وتجيز معاقبة صحافيين بسبب عملهم، وتسمح أيضاً بانتهاك خصوصية مستخدمي الانترنت من قبل الشركات وأجهزة الأمن، وفق ما أفاد به خبراء ورصده "ألترا فلسطين" في تقارير عديدة سابقاً.


اقرأ/ي أيضاً:

السلطة تخبئ قانوناً أسود للصحافيين

قانون الجرائم الإلكترونية: السلطة تشرعن قمع الحريات

قانون الجريمة الإلكترونية: الأخ الأكبر يراقبك