16-فبراير-2020

أثارت الأرباح التي حققتها مجموعة الاتصالات الفلسطينية خلال العام 2019، وبلغت حوالي 64 مليون دينار أردني، ردود فعل ساخطة في المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، حيث دفعت هذه الردود إدارة المجموعة إلى ما قد يفهم منه فرض سياسة تعتيم إعلامي على أرباح الشركة لهذا العام، خشية مزيد من ردود الفعل الغاضبة حولها.

تراجعت أرباح شركة الاتصالات "بالتل" هذه السنة لكنها وصلت إلى مليون شيكل يوميًا

يُدلل على هذا التعتيم أن غالبية المواقع الإعلامية امتنعت عن نشر خبر الأرباح التي حققتها الشركة. والبحث عبر محرك البحث غوغل عن أرباح الاتصالات الفلسطينية خلال عام 2019، لا يعطيك سوى نتائج الأرباع الثلاثة الأولى من العام، دون الأرباح الكاملة، على خلاف ما يعطيه المحرك من نتائج حول أرباح السنوات الماضية.

اقرأ/ي أيضًا: انترنت الفقراء.. الاتصالات والاحتكار مجددًا

اللافت للانتباه أن الضجة قد ثارت هذا العام على أرباح مجموعة الاتصالات رغم أنها تراجعت عن أرباح العام 2018، بل انخفضت بدرجة كبيرة عن أعوام سابقة، فقد بلغت أرباح المجموعة مثلاً في عام 2011 ما  يزيد عن 83 مليون دينار أردني، أي ان أرباحها تراجعت خلال هذا العام ما مقداره 19 مليون دينار أردني عن 2011، ومع ذلك يستهجن المواطن الفلسطيني الأرباح التي حققتها الشركة، وكأنها تعدت النسبة التي كانت تحققها من قبل، أو حققت هذه الأرباح للمرة الأولى.

شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، هي إحدى شركات مجموعة الاتصالات الفلسطينية، تأسست في سنة 1995، وهي المزود الوحيد لخط ADSL الأساسي للاتصال بالانترنت، وكذلك الهاتف الثابت وخدمات الأعمال والربط ونقل البيانات، تدير أعمالها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتمتد من رفح إلى جنين وتعتبر أساس البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مناطق السلطة الفلسطينية.

واصلت "بالتل" الاستثمار بشبكتها وتوسعتها بهدف إيصال خدماتها لكل بيت في فلسطين بعد أن ورثت شركة بيزك الإسرائيلية التي كانت تتولى هذه الخدمة قبل نشوء السلطة، وهي تشكل الآن المساهم الرئيسي والمشغل الأكبر في الاقتصاد الفلسطيني، وهي الخيار الوحيد حتى عام 2017 لحوالي 2.9 مليون مشترك، يقومون بدفع رسوم اشتراك ثابته للشركة.

أرباح الشركة التي نشرت وقيمتها 64 مليون دينار شكلت صدمة كبيرة للمجتمع، حيث كشفت الأرقام أن معدل الأرباح اليومية لمجمل شركات مجموعة الاتصالات يقترب من مليون شيكل يوميًا، ويعتبر هذا مبلغًا كبيرًا على شركة احتكارية تخضع لرقابة الحكومة، وتعمل بموجب اتفاق سري بين الشركة والحكومة لا تعرف تفاصيله.

يعتبر هذا مبلغًا كبيرًا على شركة احتكارية تخضع لرقابة الحكومة، وتعمل بموجب اتفاق سري مع الحكومة

في مقارنة بسيطة بين أرباح مجموعة الاتصالات الفلسطينية وشركة "lone star" لتوزيع الغاز في في مدينة دالاس بولاية تكساس الأمريكية، طلبت الشركة المذكورة -التي تقوم بتزويد خدماتها إلى 1.1 مليون مشترك- في عام 1978 أن ترفع أسعارها لتزيد أرباحها، فقامت اللجنة المخولة بمراقبة الأسعار على شركات الغاز في فحص إن كان يتوجب السماح للشركة المذكورة بزيادة أسعارها، وبعد حساب تكلفة الرأسمال لأسهم الشركة العادية والممتازة والمؤجلة وغيرها الى رأسمال الشركة، وبعد تقييم هذه الأسهم، كانت النتيجة هي 11.1% للأسهم، عندها قررت اللجنة السماح للشركة بأن تحصل على ربح يساوي هذه النسبة من رأسمال الشركة ومقداره 185 مليون دولار، أي أصبح بإمكان الشركة تحقيق ربح مقداره 20.5 مليون دولار سنويًا، بعد أن كانت أرباحها السنوية لا تصل 9.8 مليون دولار، وهذه نسبة ربح عالية لرأسمال أية شركة.

اقرأ/ي أيضًا: شركة الاتصالات.. السلطة الرابعة

المقارنة، وإن كنت لست على الإطلاق خبيرًا اقتصاديًا، إلا أنني أعتقد أن الأرباح التي تحققها شركة الاتصالات -وهي شركة امتياز- عالية جدًا مقارنة مع شركات تنافسية تعمل في بلد منتعش اقتصاديًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أرباح جنونية لا يمكن أن تكون في بلد يعيش تحت الاحتلال، ولا يمكن لأية شركةٍ أخرى أن تحققها.

اللافت للانتباه بأن شركة الاتصالات الفلسطينية قد نجحت في التمكن من الحكومة ومن وسائل الإعلام أيضًا، وبالتالي شلت أية قدرة يمكن أن تواجه سطوتها، فلا توجد أية قوة قادرة على التأثير عليها، ولا تكترث مؤسسات حماية المستهلك لما تقوم به الشركة، كما لا تحظى أسعارها العالية باهتمام المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وبالتالي تعمل الشركة بعيدًا عن الضغوط التي يمكن تؤثر في سياستها أو في أسعارها.

نجحت شركة الاتصالات في التمكن من الحكومة ومن وسائل الإعلام أيضًا، وبالتالي شلت أية قدرة يمكن أن تواجه سطوتها

أعتقد أن على الحكومة الفلسطينية أن تعلن بنود الاتفاق الذي وقعته مع شركة الاتصالات الفلسطينية، وأن تلغي هذا الاتفاق، وبالدرجة الأولى تلغي شرط احتكار هذه الشركة لخط النفاذ. وعلى الحكومة أن تعيد فرض رقابتها على هذه الشركة، وتمكن شركات أخرى من المنافسة في تزويد خط النفاذ للتخلص من الاحتكار. وأقترح أن تشكل لجنة وطنية تنظيمية للإشراف على قطاع الاتصالات والرقابة عليه بعد أن فشلت كل الحكومات المتعاقبة في ذلك، وأصبحت تابعة للاتصالات في سياساتها.

أعتقد أن الإبقاء على معدل الربح المذكور أعلاه يُنافي أبسط قواعد العدالة في المجتمع، ويجعل من المواطن أداة ضعيفة مستغلة، وهذا يتنافى مع حق مجتمع يعيش تحت الاحتلال، ومطلوبٌ منه أن يتصدى إلى سياسات تهدد وجوده، فمثل هذه السياسات الاقتصادية الوطنية تهدد وجود المواطن الفلسطيني أكثر من سياسات الاحتلال بذاتها.

وعلى الحكومة أن تعلن اليوم قبل غد عن سياسات جديدة  تتعلق بالاتصالات، كما على باقي القطاعات -خاصة القطاع الحقوقي وجمعيات حماية المستهلك وباقي مؤسسات المجتمع المدني- أن تحدد موقفها من الاستغلال الذي يتعرض له المواطن، وأن تدفع باتجاه سياساتٍ فيها عدالةٌ أكبر وحماية للمستهلك من كل أشكال الاستغلال البشع الذي تتعرض له، وهذا لا يلغي وجوب أن تتحرر وسائل الإعلام من سيطرة القطاع الخاص على سياستها، فللمجتمع أيضًا حقٌ أن يدافع الإعلام عن مصالحه.


اقرأ/ي أيضًا: 

لا شفافية في تجديد السلطة عقود بالتل

شركات الاتصالات أهدت زبائنها لإسرائيل وهاجمتهم