30-يونيو-2021

مستوطنون في بؤرة افيتار على قمة جبل صبيح | gettyimages

يجاور جبل صبيح جنوب بلدة بيتا، أحد أهم الشوارع الاستيطانية في الضفة الغربية، وهو شارع (عابر السامرة) الذي يقسم الضفة الغربية إلى نصفين، الأمر الذي جعل الجبل مطمعًا للاحتلال لسنوات طويلة، ليصل الأمر إلى إقامة بؤرة استيطانية على قمة الجبل، ما فجَّر هبة قوية في بيتا منذ أسابيع.

بدأت محاولات الاستيلاء على جبل صبيح في الثمانينيات من القرن الماضي، حين أقام جيش الاحتلال مُعسكر "تابوحيم" على قمته

بدأت محاولات الاستيلاء على جبل صبيح في الثمانينيات من القرن الماضي، حين أقام جيش الاحتلال مُعسكر "تابوحيم" على قمته، قبل أن ينسحب منه في النصف الأول من التسعينات، مع الإبقاء على تواجده الدائم في الجبل طوال الفترة السابقة، حتى أن محيط الجبل شهد عدّة عمليات إطلاق نار على جيش الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية.1

يجاور جبل صبيح أحد أهم الشوارع الاستيطانية في الضفة الغربية

في الثاني من أيار/مايو 2021 أقام مستوطنون بؤرة على قمة جبل صبيح، أطلقوا عليها اسم "أفيتار"، نسبة للمستوطن أفتيار برووسكي الذي قتل في 30 نيسان/ابريل 2013 بالقرب من حاجز زعترة.

صورة علوية تُظهر البؤرة الاستيطانية أفيتار ومحيطها | gettyimages

 كانت المحاولة الأولى لإقامة البؤرة في اليوم السابع لمقتل "أفتيار"، أعقبت ذلك ثلاث محاولات فاشلة للاستيطان في ذات الموقع، فيما اقتصر التواجد الاستيطاني لاحقًا على  إقامة احتفالات دينية تحت حماية الجيش إسبوعيًا.

في سباق مع الزمن عملت حركة "ناحالا" الاستيطانية للسيطرة على نحو 20 دونمًا لصالح بؤرة "أفيتار" وتجهيزها بما يصلح للحياة، من مساكن وشوارع مُعبّدة وشبكة كهرباء وخط ماء ومدرسة دينية وكنيس وحضانة أطفال، وذلك خلال وقت قياسي لم يتجاوز ثلاثة أسابيع2. تم ذلك بدعم وتنسيق مع المجلس الإقليمي للمستوطنات، وتحت حماية جيش الاحتلال.

تهدف البؤرة الاستيطانية "أفيتار" لمنع الاتصال بين قرى بيتا و قبلان ويتما، ولخلق تواصل استيطاني بين مستوطنة "تبواح" ومستوطنة "مجدليم"

تهدف البؤرة الاستيطانية "أفيتار"، كما يقول المستوطنون، لمنع الاتصال بين القرى الفلسطينية الثلاثة المجاورة (بيتا شمالًا- قبلان ويتما جنوبًا) من جهة، ومن الجهة الثانية لخلق تواصل استيطاني بين مستوطنة "تبواح" ومستوطنة "مجدليم".3

وبحسب المخطط الذي كشفت عنه حركة "ناحالا" فإنهم يطمحون للاستيلاء على كامل مساحة الجبل. وبهذا تكون "أفتيار" جسرًا يُمهد لعبور حركة الاستيطان على طول طريق شارع "عابر السامرة" لتحقيق التواصل الاستيطاني بين مستوطنة "تبواح" غرب زعترة، ومستوطنة "مجدليم" في السفوح الشرقية التي تشرف على الأغوار.

 ضياع مزيد من الأرض على طول الشارع من زعترة حتى مفرق دوما لصالح الاستيطان، سيجعلنا نعيش تحت رحمة إرهاب المستوطنين أثناء عبورنا للشارع من قرانا وإليها

ومن المهم أن نعلم بأن ضياع مزيد من الأرض على طول الشارع من زعترة حتى مفرق دوما لصالح الاستيطان، سيجعلنا نعيش تحت رحمة إرهاب المستوطنين أثناء عبورنا للشارع من قرانا الفلسطينية وإليها، لأن المشروع الاستعماري يقوم على خلق نواة البؤرة، ثم البدء بتوسعتها وخلق مجتمعها المستقر والمحمي أمنيًا وعسكريًا من قبل جيش الاحتلال.

حلقة في سلسلة

 كي نفهم السياق الذي أوجد هذه البؤرة الاستيطانية جنوب بلدة بيتا، علينا أن نعود لقراءة الخارطة الاستعمارية في منطقة جنوب شرق نابلس (المشاريق)، ونفهم ما الذي أحدثته الخطط الاستيطانية بدءًا من خطة يغال ألون عام 1968 حتى اليوم.4

 بدأ المشروع الاستيطاني في جنوب شرق نابلس باكرًا، حيث سعى الاحتلال لخلق واقع جديد يُقسم المنطقة ويعيد ترتيبها على ضوء توزيع المستوطنات الصهيونية والطرق الالتفافية التي ستحقق رؤية الاحتلال لدولته في الأرض المُحتلة.

كانت المراحل الأولى للاستيطان في المنطقة قد تجلت بفصل قرى المشاريق عن الأغوار، حيث أقيمت عدة مستوطنات ومعسكرات للجيش شكلت نقاط عزل جغرافي. وبذا تمكنت دولة الاحتلال من السيطرة على الأغوار بعد عزلها عن التجمعات العربية، وخلقت أمنيًا ما يُعرف بـ"خط الدفاع الأول"، من خلال سلسلة مستوطنات الغور، ثم أقامت "خط الدفاع الثاني" من خلال مستوطنات التلال على السفوح الشرقية.5

كانت المراحل الأولى للاستيطان في المنطقة قد تجلت بفصل قرى المشاريق عن الأغوار، حيث أقيمت عدة مستوطنات ومعسكرات للجيش شكلت نقاط عزل جغرافي

أعقب ذلك مُصادرات لإقامة تجمعات استيطانية بين القرى العربية في مشاريق نابلس، لأجل عزلها عن بعضها، ومنعها من التواصل العمراني والجغرافي، فكان من بين هذه المستوطنات: (جيتيت 1972، معاليه افرايم 1978، كفار تفوح 1978، شيلو 1979، ايتمار 1983، مجدليم 1983، شيفوت رحيل 1991، جفعات عولم 1996،عديعاد 1998، جغعات أرنون (التلة 777) 1998، كيدا 2003)6. وخلال السنوات الماضية ظهرت على الخارطة الاستيطانية عدّة بؤر جاءت كامتداد لهذه المستوطنات محاولة فرض وجودها بقوة السلاح.

التجمعات المُحاصرة

إن المنطقة الجغرافية التي يقع جبل صَبيح ضمنها مُقسمة إلى مُربعات بشكل طولي وعرضي، من خلال الشوارع الاستيطانية التي تتحكم بها نُقاط الجيش والمستوطنات التي تعتلي قمم الجبال7.

فمثلاً لو أردنا الحديث عن الشارع الاستيطاني المُرقم بـ "505" والمُسمى "عابر السامرة" إسرائيليًا (وهو شارع يبدأ من كفر قاسم غربًا وينتهي شرقًا عند قرية فصايل بالأغوار الفلسطينية)، فإنه يقسم منطقة جنوب شرق نابلس (المشاريق) إلى ثلاثة تجمعات مُنفصلة جغرافيًا. يضم التجمع الأول: قبلان، يتما، جوريش، قصره، جالود، قريوت، تلفيت. بينما يضم التجمع الثاني: بيتا، اوصرين، عقربا، مجدل بني فاضل، يانون، عورتا، أودلا. أما التجمع الثالث فقد عُزلت فيه قرية دوما لوحدها.

أما الشارع الاستيطاني المُرقّم بشارع 60 (الذي كان يُعرف في بعض أجزائه تاريخيًا باسم شارع نابلس - القدس) فقد وضع حدًا للمنطقة من الجهة الغربية، باعتبار كل ما يقع شرق الشارع هو ضمن حدود المشاريق، وقد جعل الاحتلال نقطة الإغلاق للمنطقة على هذا الشارع في حاجزي زعترة وحوارة. وكانت مهمة حاجز زعترة قسم المنطقة إلى أربعة مُربعات، ليحول دون تواصل شمال الضفة مع وسطها أو مع الأغوار. أما حاجز حواره فإنه يُغلق نابلس عن القرى والبلدات في جنوبها، ويغلق نابلس ويعزلها عن تواصلها الفلسطيني.

أما الجهة الشرقية من مشاريق نابلس فإنها معزولة أيضًا عن امتدادها الطبيعي في الأغوار، من خلال الشارع الاستيطاني المسمى "شارع 508" ويفصل بلدة عقربا عن أراضيها في الغور. هذا الشارع كان يمتد شرقًا حتى نهر الأردن، وقد جعلت نقطة الإغلاق فيه لحاجز "معلية افرايم".

فيما تولت مستوطنة "ايتمار" والبؤر التي ولدت من رحمها (جفعات عولم، جغعات أرنون)8 دورها لفصل المنطقة من جهة الشمال، حيث وضعت حدًا يعزلها عن قرى شرق نابلس (بيت فوريك، بيت دجن).

أطماع ومخاوف

 بات واضحًا أن حركة الاستيطان التي تنشط في منطقة جنوب شرق نابلس تسعى لخلق واقع جديد تكون فيه الكلمة على الأرض للفعل الاستيطاني المتواصل. نقرأ ذلك من متابعتنا لتواصل شق الطرق الاستيطانية التي تُعيد وصل البؤر مع المستوطنات الكبرى، وإغلاق كل الطرق الزراعية التي يصل من خلالها المزراعون الفلسطينيون لأراضيهم الواقعة في محيط  شارع "عابر السامرة"، وكذلك من تسارع إقامة بؤر جديدة، كما يحدث في محيط قرية يانون وجنوب قرى دوما وقصرا.

الأطماع الصهيونية في سرقة مزيد من الأرض لا تتوقف، بل تمضي بشكل مُتسارع ومخيف، كما يحدث على قمة جبل صبيح

ولعل الفعل الأخطر هو الاستيلاء على مزيد من الأراضي الزراعية كما حدث مؤخرًا شرق قرية قصرا (جَبل النَّجَمِة)، وشرق بلدة عقربا (قَطْعِة الحَيَّة)9. ولا يُمكن أن نغفل الدور المُرعب الذي تُمارسه المجموعات الصهيونية المنظمة: فتية أو شبيبة التلال، وعصابات تدفيع الثمن.

الأطماع الصهيونية في سرقة مزيد من الأرض لا تتوقف، بل تمضي بشكل مُتسارع ومخيف، كما يحدث على قمة جبل صبيح، لأنها تجد قوة تسندها وتوفر لها الحماية وما يلزم لجعل المتغيرات على الأرض واقعًا لا يُمكن تغييره.

كل ذلك يُثير مخاوفنا وقلقنا من الآتي، خُصوصًا مع قراءتنا المتأنية للمشهد الفلسطيني الذي يمر بحالة من الضعف وغياب القدرة على الاستمرار بالفعل الاحتجاجي والنضالي، كنتيجة لفكفة بنية المقاومة في الضفة الغربية وملاحقة النُشطاء طوال سنوات من قبل السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.


المصادر والمراجع:

1مقابلات شفوية: فتحي صالح بدير، مواليد 1959، بيتا 26/6/2021.  صالح معالي ابو مصعب، مواليد 1968، بيتا 23/6/2021.  فواز أحمد حمايل، مواليد 1975، بيتا 23/6/2021.

2-   אביתר  מאחז )افيتار عن ويكبيديا باللغة العربية) الرابط:    https://cutt.us/WdBjA

3-  المصدر السابق

4تاريخ الاستيطان اليهودي في منطقة نابلس1967-1998، محمد عودة غلمي. ط 1، دار الريان - نابلس 2001، ص 132-141.

5-  المصدر السابق

6لتفاصيل أكثر انظر: موسوعة المستوطنات الصهيونية في فلسطين 1870-2012، ترجمة  واعداد: علي نجم الدين. 2014.

7هذه وما بعدها: جغرافيا الصراع على الأرض: خربة الطويل مثالًا- حمزة ديرية 2011 (بحث غير منشور)

8بدأت ظاهرة جديدة للاستيطان تنتشر في الضفة الغربية وهي ظاهرة (المستوطنون الرُعاة) وقد بدأت هذه الظاهرة في المستوطنات المقامة على جبال وأرضي قرية يانون، ومنها انتشرت في تلال الضفة الغربية.

9جبل النجمة: إلى الشرق من قرية قصرا، قام الاحتلال بمصادرتها عام 2020 ، وقد تمت زراعتها بأشجار العنب، وتم توفير خط ماء وكهرباء للمستوطن الذي استولى عليها.// قطعة الحيّة: إلى الشرق من سهول خربة الطويل التابعة لبلدة عقربا وتقع شرق الشارع الاستيطاني 508، وهي جنوب مستوطنة جيتيت وتمت مصادرتها بداية هذا العام 2021، وتمت زراعتها من قبل شركة استيطانية.


اقرأ/ي أيضًا: 

مدرسة بيتا النّضالية

المقاومة جدوى مستمرة: بيتا نموذجًا