31-يوليو-2018

صورة أرشيفية تظهر اعتقال فلسطينية أثناء وجودها في القدس - gettyimages

لم تكنْ فاطمة برناوي - أولُ أسيرة فلسطينية - هي الاسم الوحيد في الحكاية، فبعدها طالت الرواية، وزاد عدد بطلاتها حتى كانت بطلتا الفصل الأخير - إلى الآن - الكاتبة لمى خاطر التي اعتُقلت من منزلها فجر يوم الرابع والعشرين من تموز/يوليو، ثم كفاح حجازي الزير التي اعتقلت صباح 31 تموز، ليصل عدد النساء المعتقلات من الخليل خلال شهرين إلى خمس نساء.

وبحسب مركز دراسات الأسرى، فإنه منذ رمضان 2018 وحتى اليوم، سجل أكثر من 17 حالة اعتقال لفتيات فلسطينيات بظروف ومبررات مختلفة، و500 اعتقال منذ اندلاع "انتفاضة القدس" قبل ثلاث سنوات، و15 ألف حالة اعتقال بين الفلسطينيات منذ عام 1967.

سياسة الردع الأولى

تقول الناطقة الإعلامية باسم مركز دراسات الأسرى أمينة الطويل، إن هناك تطورًا خطيرًا في قيام الاحتلال باتباع سياسة الاعتقالات المتكررة بحق الفلسطينيات، وهذا لم يسبق له أن كان بنفس الوتيرة، "إذ كانت لدى الاحتلال مخاوف من اعتقاله لفتاة ما، وكان يتم احتساب الأمر بشكل دقيق، فلم يكن الاعتقال هو السياسة الأولى الرادعة للفتاة لمنعها من مواصلة عملها سواء في شؤون اجتماعية أو سياسية أو طلابية".

الاحتلال يُصعد سياسة الاعتقال المتكرر للفلسطينيات بشكل غير مسبوق

"إدراك الاحتلال لأهمية وتأثير المرأة في المجتمع الفلسطيني وبقدرتها على زرع الفكر المقاوم، هو ما يدفعه لفرض مزيد من الاجراءات بحقها، أو كما يظن لردعها؛ فاستهدافها يندرج تحت بند الاستهداف العام لكل ما هو فلسطيني" وفق ما يرى عبد الناصر فراونة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، مبينًا أنَّ هدف الاحتلال من وراء اعتقالها كما الأهداف المرجوة من وراء الاعتقالات بشكل عام، أي القمع والانتقام وبث الرعب والعقاب الجماعي والضغط والمساومة، كما يسعى للتأثير على توجهاتها بصورة سلبية ودفعها نحو التأثير السلبي على أبنائها ومحيطها.

اقرأ/ي أيضًا: "زهرات" تحكي كيف تقضي الأسيرات القاصرات أيامهن

وأكد فراونة أنه لا يمكن لنا الفصل ما بين استهداف المرأة واستهداف باقي الشرائح المجتمعية، لأن هدف الاحتلال واحد، "ولكن المرأة باعتبارها عامود الخيمة والمؤثر في الأسرة والجماعة، يُراد من وراء اعتقالها التأثير على الآخرين وجرحهم أو كسر معنوياتهم وإرادتهم" كما يقول.

لم يكن الاعتقال دائمًا يشمل فئة دون غيرها، بل حسب المختصين في قضايا الأسرى، فإن هناك استهدافًا لفئة القاصرات في الاعتقال ممن تقل أعمارهن عن 12 سنة، كما أن هناك اعتقالات في صفوف كبيرات السن ممن تجاوزن الستين عامًا،  وبحسب مركز دراسات الأسرى فإن نسبة من اعتقلن أو تم توجيه استدعاءات لهن زادت بنسبة 30% عن السنوات الفائتة، ويعتبر المركز الزيادة العالية والتطور في نسب الاعتقال خطيرة جدًا.

ظروف اعتقال تزداد سوءًا

تُخصص سلطات الاحتلال سجنين للفلسطينيات، هما سجن الدامون في قلعة الكرمل، وسجن الشارون، وتزامنًا مع انتفاضة القدس في تشرين الأول/أكتوبر 2015، ونتيجة ارتفاع عدد الأسيرات، فقد حدث اكتظاظ كبير في سجون النساء. تحدثنا الناطقة الإعلامية الطويل قائلة: "لكِ أن تتخيلي أن غرفة بها 17 امرأة في الدامون، ولن يتوقف التطاول على المرأة الفلسطينية إلى هنا، فهذه الغطرسة ليست عشوائية ولا ردة فعل، بل هي أوامر مدروسة من أعلى الهرم الإسرائيلي".

اكتظاظ كبير في السجنين اللذين يخصصهما الاحتلال لاعتقال الفلسطينيات نتيجة ارتفاع أعداد المعتقلات

الأمر لا يتعلق فقط بحالات الاعتقال، بل يتعدى ذلك إلى الظروف المعيشية التي تخضع لها الأسيرة وقت التحقيق وبعده، وحتى بعد الإفراج عنها، إذ يُؤكد فروانة أن "الاحتلال يسعى لبث رسالة قمع وانتقام، وبث الرعب والتأثير على الأخريات من خلال اعتقال فتاة ما، واللافت هو التصعيد في عمليات إطلاق الرصاص والإعدام الميداني، وأيضًا الاعتقال الإداري وارتفاع الأحكام الصادرة بحقهن، والغرامات المالية والإهمال الطبي، وإسراء جعابيص نموذجًا".

اقرأ/ي أيضًا: المحررة عطاف عليان والفدائي الذي قتلها عشقًا

ويشير فراونة إلى أن اعتقال القاصرات يشهد تصاعدًا أيضًا، مبينًا أن الاحتلال طوّر أساليب التعذيب والحرمان من العلاج، واقتحام الغرف، وهو يتعمد إيذاء الأسيرات وإهانتهن معنويًا ونفسيًا.

تحكي لنا الأسيرة السابقة بشرى الطويل أن اعتقالها تم في ظروف سيئة وتخللته معاملة قاسية، "خاصة أن الاعتقال كان صادمًا وغير متوقع ومختلفًا عن الاعتقالات السابقة، فلا يمكن أن أستوعب أن يتم اعتقالي ثلاث مرات دون مبرر، المرة الأولى اتهمت بالتأثير الميداني والثانية كانت تكملة للحكم لأن الإفراج الأول عني كان في صفقة وفاء الأحرار، بينما الاعتقال الأخير كان ظالمًا وقاهرًا بكل ما تعنيه الكلمة إذ كان اعتقالاً إداريًا".

منى قعدان، تعرضت للاعتقال أربع مرات أولها كانت سنة 1999، وعن هذا الاعتقال تحدثت لنا مبينة أنها لاقت أصناف التعذيب النفسي والجسدي كافة، وأهمها الشبح لساعات طويلة، وكذلك الشبح تحت الأمطار في الأجواء الباردة، والحرمان من النوم لساعات طويلة جدًا حتى يُنهك الجسد، وتقييد القدمين واليدين للخلف أثناء التحقيق، ووضع الكيس الأسود في الرأس ذو الريحة النتنة، والتحقيق لساعات طويلة".

ومن أساليب التعذيب النفسي التي تعرضت لها منى، كان وضعها في سجون جنائية يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع مع سجينات متهمات بقضايا جنائية ومُدمنات. وتُضيف، "وضعتُ مع العصافير داخل الزنزانة لعدة أيام، وتم اعتقال إحدى الصديقات من أجل الضغط علي للاعتراف، وكذلك جمعوني مع معتقلين أقارب داخل غرفة التحقيق من أجل الضغط للاعتراف، وحرمتُ من أبسط الحقوق مثل الاستحمام أو إدخال الملابس لي، وكذلك منعوا زيارة المحامي لي خلال فترة التحقيق".

الاحتلال يستخدم أساليب تعذيب نفسي وجسدي في انتزاع الاعتراف من الأسيرات، منها الشبح والضرب والاعتقال مع سجينات جنائيات

وتُبين أن الحال لم يتغير خلال الاعتقالات التالية إلا للأسوأ، إذ اتُّبِعت وسائل وأساليب أكثرُ قهرًا في كل مرة، مثل الضخ بالماء والضرب بالهراوات في حال الاعتراض على سياسة إدارة السجون، وكذلك تجديد الاعتقال بعد التحضُر للإفراج، إضافة للعزل الانفرادي.

في قربة مثقوبة كان الصوت

بيانات استنكارية، تقارير  وإحصاءات توثيقية تخرج بين حين وآخر، أو كلمات ومواقف في الهواء، دون حراك حقيقي وفاعل، وردة فعل جمودية خالصة، هكذا هو حال قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال. "إسراء الجعابيص مثلاً شهِد جميع العالم اعتقالها، وهي من أصعب الحالات في سجون الاحتلال، ويعلم الجميع كيف تم التعامل معها في التحقيق، وإهمال علاجها الطبي في السجون، فهل تحرك أحد منذ تاريخ اعتقالها حتى اليوم لإنهاء معاناتها؟ أو حتى الضغط على الاحتلال لمراعاة صحتها؟" وفق الإعلامية الطويل.

وتضيف، "يوجد أسيرات بين أعوام 12، و13، و14 عامًا، لم يتحرك أحد لأجلهن، وأخذنَ أحكامًا عالية، ودفعن غرامات باهظة، واعتقل عدد من أفراد أسرتهن، أمور كثيرة تتعرض لها الفتاة الفلسطينية ولا تجد من يقف في صفها، هذا يعطي الضوء الأخضر للاحتلال للزيادة في غطرسته، وفي حال لم يكن هناك حراك قادم فالأرقام والمعاناة ستزداد".

وانتقدت الطويل مؤسسات حقوق المرأة التي اعتبرت أنها "تدافع عن حقوق المرأة في العالم وليس عن حقوق امرأة فلسطينية تعيش ظروفًا مختلفة، وهي لا تقدم شيئًا من النفع، ولا تتعدى كونها أوراق ومكاتب وأجهزة" وفق تعبيرها.

يوافق فراونة، الطويل، في رأيها بأن ضعف ردة الفعل وتراجع مستوى النشاط والاحتجاج يساعد سلطات الاحتلال على التمادي والتصعيد، ويؤكد أن "غياب المحاسبة والملاحقة من الأسباب التي شجعت الاحتلال وتشجعه على الاستمرار في جرائمه بحق الاسيرات، وبحق كل الفلسطينين".


اقرأ/ي أيضًا:

أدب السجون.. كيف يرى النور؟

الشتاء يقرع أبواب السجون: برد في كل مكان

معارك الأمعاء الخاوية.. البداية من "عسقلان"