01-نوفمبر-2015

شباب الانتفاضة في الخليل (Getty)

متى لم يكن على القضية الفلسطينية أن تدفع ضريبة ما يجري في محيطها؟ أيًّا تكن الإجابة، فقد آن الأوان لتجاوز هذه الحقيقة -أو الافتراض لدى البعض- لا سيّما بعد إقحام فلسطين، شعبًا وقضية وقيادة، في رهانات سياسية متواترة لم تكن دائمًا في صالحها.

لا يجب أن يُفهم من أيّ تهدئة محتمَلة على أنها وقفٌ للحراك الشعبي الفلسطيني، ما لم يكن القتل الرّحيم مُقدّرًا على القضية الفلسطينية

في ظروف الانتفاضة الراهنة، والتي أصبحت منهج حياة ضمن إطار الحراك الشعبي الفلسطيني، كان لا بدّ للحكومة الإسرائيلية، برغم تعكّر الأجواء السياسية مع القيادة الفلسطينية، أن تسعى إلى التهدئة على طريقتها وعبر قنواتها الخاصة، وهو مكسبٌ بحدّ ذاته للجانب الفلسطيني، عطفًا على تنصّل إسرائيل من التزاماتها ومواصلة سلسلة انتهاكاتها اللامحدودة، ودخولها في حلف مع الرّوس -والإيرانيين استطرادًا- بذريعة القضاء على الإرهاب، بينما الحقيقة الكامنة تتمثل في إمكانية حصد تقاربات دبلوماسية للتغطية على ممارساتها الإجرامية وتعزيز منظومتها الأمنية.

لكن، لا يجب أن يُفهم من أيّ تهدئة محتمَلة على أنها وقفٌ أو انحسارٌ للحراك الشعبي الفلسطيني، ما لم يكن القتل الرّحيم مُقدّرًا على القضية الفلسطينية، ولا ينبغي فوق ذلك التقليل من أهمية المكسب السّياسي الفلسطيني جرّاء التلويح بورقة الانتفاضة رغم الآمال المعقودة عليها، في مقابل وقف القتل والإعدامات وهدم البيوت واعتداءات المستوطنين، سيّما وأنّ إسرائيل أفادت من تحالفها المزعوم ضد الإرهاب كم سلف، واضعًة الفلسطينيين، شعبًا وقيادة، في سلّة الإرهاب.

وباقتراب عُمر الانتفاضة الثالثة من الشّهر، يجدر التذكير بالتداعيات والآمال التي أشعلت فتيلها، غير المبنيّة على عواطف متأججة دفعت بالبعض إلى استعادة وتضخيم الحلم بتحرير كامل التراب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. ما عدا ذلك، فقد برز صوت العقل الذي يرى أبعد من المواجهات والتّضحيات اليومية، باعتبار ما يجري جولة نضالية ضمن سيرورة المقاومة المشروعة ضد المحتل إلى أن يتحقق التحرير وبناء الدولة، حيث أن الانتفاضة خلطت الأوراق من جديد، ودفعت بنفسها إلى صدارة قضايا المنطقة، وحرّكت راكد السياسة الأمريكية ونشاطها الدّبلوماسي حيال ما يجري خشية تطوّر الأوضاع، والتي تمثلت بزيارة جون كيري الأخيرة بعد لقاء نتنياهو في برلين وتقديم مقترحات ومساعٍ من شأنها التهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات.

بالتالي، ‎ليس من المنطق رفع سقف التوقعات الإيجابية، خاصة في أعقاب الإعلان عن التوصّل إلى حزمة من الإجراءات والتدابير المتعلقة بالمسجد الأقصى تلخّصت في حفاظ إسرائيل على الوضع القائم في الحرم القدسي؛ أي السماح للفلسطينيين بالصلاة في الحرم القدسي ولغير المسلمين بزيارته، وهي حزمة لا يظهر فيها طيفٌ واضح لالتزام جاد وموقف أمريكي معتدل من قضية الحرم القدسي باستثناء الإشارة إلى حرية العبادة، ولا من سياسة التوسّع الاستيطاني وجرائم الاحتلال التي من شأن إيقافها تهدئةُ الوضع الحالي.

من المستبعد التوصل الآن إلى صيغة تهدئة سياسية تركن أساسًا وفقط إلى استئناف العملية التفاوضية لتخفيف وتيرة الانتفاضة

على الرغم من جولة كيري، التي تضمر تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات مقابل وقف الانتفاضة، فمن المستبعد التوصل الآن إلى صيغة تهدئة سياسية تركن أساسًا وفقط إلى استئناف العملية التفاوضية لتخفيف وتيرة الانتفاضة وخطّها البياني الصاعد؛ في ضوء حقيقة أن القيادة الفلسطينية - وبرغم ما تردّد خلال الأيام القليلة الماضية حول جملة شروط مرّرها الرئيس الفلسطيني إلى نتنياهو مقابل وقف الانتفاضة - لا تملك سيطرة حقيقية على مفاصل الحراك الشعبي تُـمكّنُ من احتوائه. كما أنّ تعثّر العملية التفاوضية لم يكن الباعث الأوحد أساسًا لاندلاع الانتفاضة الأخيرة، ولا يستتبع ذلك أن تؤدي معاودة استئناف المفاوضات المتعثرة من جهة إلى توقّف الانتفاضة في الجهة المقابلة؛ فموجة المواجهات اليومية تغذّيها تراكمات الإحباط لدى الإنسان الفلسطيني صاحب الحق التاريخي، ويعزّزها اليأس من حلول التسوية التي لم تكن عادلة بما يكفل استعادة الحقوق والعيش بسلام.

في المحصّلة، ثمة اختبارُ إرادات واقعية فرضته تجربة الانتفاضة الجديدة، ومن المبكّر بالتالي الحكم على مآلاتها في هذا التوقيت، بينما الأهمّ هو تبيّن جديّة وعدالة أي مبادرات سياسية مرتقبة تتولاها أو ترعاها الإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، وتضع حقوق الفلسطينيين وآمالهم المشروعة فوق أي اعتبار، وتنحاز إلى خياراتهم الاستراتيجية، لا أن تسعى بتفاؤل إلى الموازنة فقط بين تبييض صفحتها أمام الفلسطينيين والعرب من جانب، والمحافظة على علاقاتها والتزاماتها نحو الحكومة الإسرائيلية من جانب آخر.

اقرأ/ي أيضًا:

مَن للأقصى؟

صورة المثقف في ثيابه