03-نوفمبر-2016

ثمة جدل يدور حول مفهوم ومضمون مصطلح البرجوازية الوطنية في العالم العربي عامةً وفلسطين خاصةً، ويتناول طبيعة وتركيبة تلك الطبقة التي أصبحت تُسيطر على كافة مناحي المُجتمع، تجاه المشروع الوطني الفلسطيني.

تلك الطبقة الرأسمالية التي تُعزز من نفوذها في ظل الاستعمار

فالكاتب الافريقي المُناهض للاستعمار الفرنسي، فرانز فانون، ضمن كتابه "معذبو الأرض" الصادر في عام 1961؛ وصف البرجوازية الوطنية بأنها تلك الطبقة الرأسمالية التي تُعزز من نفوذها في ظل الاستعمار، وأنها "مُهمة تاريخية" كوسيط بين شعبها والاستعمار. فهو يصف تلك الطبقة بالغير مُنتجة وطنيًا، وهي ترتبط برأس المال العالمي، فبالتالي هي معادية من حيث المبدأ تجاه مشروع التحرر الوطني.

لن أتطرق لخصائص البرجوازية التي تطرق لها التاريخ بعمق عبر حُقب زمنية مُختلفة، بل سنتطرق في مقالنا حول البرجوازية الوطنية الفلسطينية؛ تلك الطبقة التي ظهرت إلى السطح ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو في التسعينات، بين منظمة التحرير وإسرائيل، والتي غيرت من أهدافها التحررية الوطنية في مرحلة ما بعد وجود السلطة الفلسطينية في الأراضي المُحتلة عام 1967.

وبالانتقال من مرحلة التحرر الوطني (الثورة) إلى مرحلة ما بعد الثورة والاستقلال الوهمي، ظنَّ البعض أنه قد أصبح في مرحلة "الاستقلال الوطني"، وبدء بتولي الوظائف التي كانت تقوم بها البرجوازية السابقة في ظل الاستعمار المُباشر، وبدأت بذلك حالة التفريغ لطاقات الشعب التابعة لرأس المال الدولي (الاستعماري).

بالانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة ما بعدها، والاستقلال الوهمي، ظنَّ البعض أنه قد أصبح في مرحلة "الاستقلال الوطني"

الجدل حول طبيعة وتركيبة البرجوازية الوطنية الفلسطينية تمحورت في طرح الكاتب ابراهيم العبسي حول (اعتبار البرجوازية الوطنية شريحة لها مصالح مع الاحتلال، وعدم جواز اتهامها بالخيانة الوطنية فهم شركاء في مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها، وإلا لما تم المناداة بالوحدة الوطنية الفلسطينية لكافة القوى على أساس البرنامج الوطني الموحد)؛ فذلك الجدل الذي أثاره العبسي هو ذات الجدل الذي يشغل التفكير الفلسطيني تجاه البنية الاجتماعية للمجتمع، فأي برجوازية كان لابد لها من وجود أساس اقتصادي واجتماعي مع مصالح الرأسمالية والامبريالية، ولكن من أجل مصلحة قضيتها وليس العكس.

فالطبقة البرجوازية الفلسطينية التي تعيش في الأراضي المحتلة عام 1967، هي الطبقة التي انتقلت فكريًا من مرحلة التحرر إلى مرحلة الاستقلال، دون وجود استقلال حقيقي للأرض الفلسطينية، فهي قوة طبقية تسعى إلى زيادة نفوذها من خلال إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وإجهاض أي عملية تغيير قد تجعلهم ونفوذهم في تراجع أو زوال.

اقرأ/ي أيضًا: يسار فلسطيني.. متآمر على الفلسطينيين!

فمع قيام السلطة في التسعينات، تغيّرت ملامح البُنية الطبقية الاجتماعية والسياسية في المجتمع الفلسطيني، ما أدّى إلى تراجع مفهوم وتأثير الأهداف الوطنية التي جسدتها الانتفاضة الأولى في الشعب الفلسطيني، لصالح مصالح شرائح حاكمة في المجتمع ضمن سلطة الحكم الذاتي. فتلك التغييرات ترافقت مع سلوكيات وأفكار اقتصادية وسياسية مُغايرة ونقيضة لتلك الأفكار الوطنية التي شهدها المجتمع ما قبل وجود كيان فلسطيني في الأراضي المٌحتلة عام 1967.

فلا يُمكن لتلك الطبقة المُجتمعية (البرجوازية الوطنية) أن تمتلك قرارًا سياسيًا مُستقلًا في ظل حالة التبعية للمجتمع الدولي والبنك الدولي، وسياسة التمويل المشروط التي قبلت بها كأساس بنيوي للكيان الفلسطيني الذاتي من أجل إنمائه.

لم يعد الفكر اليساري الحالي الذي يُمثله قيادات اليسار الفلسطيني هو ذلك الفكر الماركسي اليساري التحرري المُعارض للرأسمالية والامبريالية

إن تلك الطبقة لم تُختصر فقط على أحزاب دون أخرى، بل امتدت داخل الأحزاب والحركات التحررية الوطنية التي تأسست في الستينات والسبعينات، وصولاً إلى حركات الإسلام السياسي التي خاضت غمار السلطة بعد حقبة من الزمن. وامتدت لكي تُمثل تلك الأحزاب اليسارية التي طالما هاجمت البرجوازية واعتبرتها جزءًا من الامبريالية الاستعمارية العالمية، وأصبح اليسار في المجتمع الفلسطيني هو جزء من البرجوازية الوطنية عبر سلوكياته المُختلفة، فلم يعد الفكر اليساري الحالي الذي يُمثله قيادات اليسار الفلسطيني هو ذلك الفكر الماركسي اليساري التحرري المُعارض للرأسمالية والامبريالية الاستعمارية.

إن الانحدار السياسي الفلسطيني نحو البرجوازية الوطنية يجعلنا نتنبأ، ولو بشكل جزئي، انحدار مُستقبل المشروع الوطني الفلسطيني ضمن تلك الأفكار والسلوكيات التي ينتهجها من يمثّل فصائل العمل الوطني الفلسطيني، الوطنية واليسارية والإسلامية، فالفارق بين الأحزاب الوطنية والإسلامية؛ في كون الأخيرة تعقب الأولى بعشرين عامًا أو أكثر لتحذو حذوها نحو الانحدار في المطالب السياسية والوطنية تجاه الشعب الفلسطيني.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: المدينة الغائبة

لعلّ انشغال البرجوازية الوطنية الفلسطينية بالمصالح الاقتصادية لها، ورسم الأهداف السياسية للمشروع الوطني الفلسطيني من خلال ثقب تلك المصالح، جعلنا في تراجع كبير تجاه مسيرة نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر.

ولم يقتصر الأمر سياسيًا ووطنيًا، بل امتدّ ليُشكّل تراجعًا على جميع المناحي الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها أفراد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فتلك الطبقة لم تُعزز من صمود شعبنا على أرضه كأهم ثابت من ثوابتنا الوطنية، بل عززت من التراجع الاقتصادي والاجتماعي له من خلال عدم وجود برنامج شامل يسعى للنهوض والرقي بالمجتمع الفلسطيني -مدنًا وقرى ومخيمات- وازدادت نسب الفقر والبطالة، وتراجعت الخدمات الانسانية لمُعظم أفراد الشعب، في ظل ازدياد الخدمات المُقدمة لتلك الطبقة البرجوازية الوطنية المُتحكمة في كافة مصادر الحياة للمجتمع.

لعلّ الإدراك الفكري لدى تلك الطبقة بأننا انتقلنا من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة الاستقلال كان له الدور الأكبر في تعزيز تلك السلوكيات والأفكار "المُنحرفة وطنيًا" عن مشروعنا الوطني الفلسطيني الذي نصت عليه (م.ت.ف) في مبادئها. وساهمت تلك الطبقة في إفراغ الحركات التحررية والفصائل الثورية من مضمونها عبر تخليها عن أهدافها الوطنية من أجل أهدافها السياسية والاقتصادية التابعة للمجتمع الدولي ولصندوق البنك الدولي، وأصبحت القرارات السياسية والوطنية تتشكّل من خلال قناة التمويل الدولي التي ترعى الكيان الفلسطيني.

إن تلك الطبقة تسعى بشكل مُستمر لخلق "عدو وهمي" من أجل مُعاقبة المُعارضين لسياستهم وسلوكياتهم، عبر اتهامهم -أي المُعارضين- بالخروج عن الصف الوطني، وحياكة مؤامرة كونية ضد شرعية تلك "النخبة" الحاكمة عبر وصفهم لأنفسهم بروّاد المشروع الوطني وحدهم، واحتكارهم للريادة في الحُكم والضحية من المُؤامرات لأنفسهم دون غيرهم.

اقرأ/ي أيضًا: 

أساطير فلسطينية

صحيفة الجهاد الإسلامي تحتفي بدحلان!

هجوم إعلامي مصري على أبو مازن.. ببصمات دحلانية