07-فبراير-2017

أطفال يلعبون البنانير، في غزة

في أوقات كهذه، بين الأيّام الماطرة، وتلك التي تظهر الشمس خلالها ولو على استحياء، يتداعى الأطفال لممارسة هوايات وألعاب شعبية مفضّلة مع أقرانهم في القرى والأرياف الفلسطينية. أشهر تلك الألعاب عند الذكور من الأطفال، هي لعبة الكرات الزجاجيّة الملونة التي تُعرف بـ "البنانير" أو "القلول".

 تُسمىّ اللعبة نسبة للأدوات المستخدمة في لعبها "القلول"، أو "البنانير"، وهي تلك الكرة الزجاجية الصغيرة، متعددة الألوان 

يبدأ موسم هذه اللعبة عادة في العطلة الشتوية، حيث الأرض رطبة، ومُعبّدة نوعًا ما، الأمر الذي يُتيح ممارستها بشكل أفضل. وتُسمىّ نسبة للأدوات المستخدمة في لعبها، وهي "القلول" ومفردها "قُل"، أو "البنانير" ومُفردها "بنّورة" وهي تلك الكرة الزجاجية الصغيرة، متعددة الألوان.

هذه الألعاب الجماعية تُشيع أجواء من التحدي والمنافسة، يلعبها الأطفال في الحارات والأزقّة. وقد يبدأ اللعب عند بعضهم من شروق الشمس حتى غروبها. يقارعون أصدقاءهم، وبالطبع الصراخ والضحكات والمناوشات تظلّ حاضرة، ولا يخلو الأمر أيضًا من بكاء على الخسارة، تنتهي بذهاب كلٍّ إلى منزله، في حال لم يتطوّر الأمر لشجار بين لاعبين، قد يتوسّع ليشمل أبناء هذه الحارة أو تلك.

اقرأ/ي أيضًا: لاعبة كرة السلة زينب نصار.. If I were a boy

في بلدة نعلين غرب رام الله، وقبل بدء عطلة ما بين الفصلين، يسابق الأطفال الزمن لشراء "البنانير" ومنهم من يكون قد احتفظ بها من العام الماضي، وكل ذلك للاقتصاص من الخصوم وكسب أعداد أكبر منها.

لا تلبث الشمس أن تشرق حتى يجمع معتصم سرور (12 عامًا) فريقه المكوّن من ثلاثة لاعبين، ضدّ فريق آخر يقوده أمير غليون (13 عامًا)، لجولة جديدة من لعبة "الجورة" أو "الدحلة"؛ حيث يحفرون حفرة صغيرة بمقدار قبضة اليد أو أعمق قليلًا، ويبدأون تصويب "بنانيرهم/ كراتهم الزجاجية" نحوها من على بُعد أمتارٍ مُحددة يتفق عليها اللاعبون.

  التحدي الأبرز في اللعبة، هو المقدرة على التصويب، والنجاح في توصيل "البنّورة" إلى هدفها  

التحدي الأبرز في اللعبة، هو المقدرة على التصويب، والنجاح في توصيل "البنّورة" إلى هدفها (الحفرة)، وذلك من خلال شبك الأصبع الأوسط بالإبهام، وقذف "البنّورة". ومن ينجح في وضع "بنّورته" في تلك "الجورة" يحظى بالكرّات الزجاجية الموجودة بداخلها، ويكون له نصيب بدء الشوط التالي من اللعبة.

ومن أشكال هذه اللعبة أيضًا؛ لعبة القنص "المور" بحيث يضع اللاعبون عددًا متفقًا عليه من الكرات على الأرض، داخل شكل مثلث مثلًا ويصبّون عليها، ومن يصيب أكبر عدد من الحبّات يكون الفوز حليفًا له في هذه الجولة التي يتبعها جولات.
وقد يلعب الفتية (زوج/ فرد) حيث يتراهن اللاعبون على العدد الذي يحمله خصمه من الكرات في يده، فإن قال إن العدد الذي في يد خصمه "زوجيّ" وكانت إجابته صحيحة صارت "كُرات" خصمه من نصيبه، وإن كانت إجابته خاطئة (أي أن العدد في يد خصمه فرديّ)، فعليه أن يُعطيه عدد ما في يده من الكُرات.

ورغم أنّ أطراف اللعبة، يحرصون على وضع قوانينهم قبل بداية اللعب؛ إلّا أن ذلك لا يمنع أن ينتهي اللعب بشجار. فالفائز لا يتوانى عن التفاخر والتباهي بالعدد الذي كسبه من "البنانير/ القلول"، وهو ما يولّد حنقًا وغضبًا لدى الطرف الخاسر الذي تُعزُّ عليه أن تذهب منه "الكرات" بهذه البساطة.

 الصغار الذين كبروا وشبّوا عن الطوق، لم يلتزموا حرفيًا بقواعد اللعبة، ونقلوا أدواتها لميدان المواجهة مع الاحتلال! 

القوانين في اللعبة توضع باتفاق اللاعبين؛ فمثلًا يُحدد في البداية من صاحب الرمية الأولى بناءً على القُرعة، وكذلك بُعدُ مسافة التصويب، ومقابل إصابة "البنّورة" هل هو حبّة بحبة، أو اثنتين، أو ثلاث. ويُشار أيضًا إلى طبيعة اللعبة، هل هي جديّة فعلًا، وهناك رابح وخاسر في النهاية، أم أنّ اللعب من النوع الوهميّ، بحيث أنّه وفي النهاية تعود الكُرات الزجاجية إلى أصحابها. ولا ينسى الفتية أن يتفقوا على موعد الانسحاب من اللعبة، وماذا يترتب على المُنسحب؛ فليس من المعقول أن يتركوا لاعبًا ينسحب بينما هم يتألمون حسرة على ما خسروه!  

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. كسر حاجز الخوف من تعلم "العبرية"

ويحنّ الكبار لأجواء لعب "القلول" في طفولتهم وهم يشاهدون أطفالهم أو أحفادهم الصغار يلعبونها، وسرعان ما يجدون أنفسهم في وسط اللعبة التي تعزز الذكاء والتركيز، وتُرسي قيمًا اجتماعية محببة، كما أنّها تعوّد على الالتزام بالقانون والقواعد.

الصغار الذين كبروا وشبّوا عن الطوق، لم يلتزموا حرفيًا بقواعد اللعبة، ونقلوا أدواتها لميدان آخر، فأثناء المواجهات بين الشبّان وجنود الاحتلال في الضفة الغربية، ترى "البنانير/ القلول" حاضرة وبقوة! فالشبّان يقولون إنّها أكثر كفاءة في المواجهة مع الجنود من الحجارة؛ فحجمها أصغر، ووزنها أخف، وألمُها أشدّ.

ومع انحسار هذه الألعاب في أحياء المدن وبعض البلدات بسبب منافسة الألعاب الالكترونية واقتناء الأطفال لها، لا تزال هذه اللعبة حاضرة وبقوّة في كثير من القرى والمخيمات، بسبب التقارب الاجتماعي والأسري والمكاني، والاختلاط المباشر بين أبناء القرية الواحدة. لكن ماذا عنكم، هل لعبتم هذه اللعبة في طفولتكم؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عادل المشوخي للفلسطينيين: خلّوني أغنّي!

اندونيسيا وإسرائيل: لعب تحت الطاولة

محترفون فلسطينيون في الخارج.. تجارب ناجحة؟