23-سبتمبر-2018

أدخلت مواقع التواصل الاجتماعي نوعًا جديدًا من التسول بين الفلسطينيين، تزيد نسبته في قطاع غزة المحاصر، حتى أصبح يشكل مصدر إزعاج للكثيرين كونه ينطوي في حالات كثيرة على خداع، كما يشكل مصدر رزقٍ لآخرين يحترفونه، في الوقت الذي حُرم فيه محتاجون من المساعدة، ودفعت نساءٌ محتاجاتٌ ثمنًا باهظًا نتيجة طلب المساعدة من "متبرعين" تبين أن لهم "مآرب أخرى"، وفق ما علمنا به.

موقع الترا فلسطين رصد هذه الظاهرة التي يبدو لافتًا أن المتسولين فيها يستهدفون حسابات شخصية لصحافيين أو شخاص معروفين، ومن يوصفون بالـ"مؤثرين"، أو الصفحات العامة وحتى الإخبارية التي تُحقق انتشارًا واسعًا وتجد تفاعلاً كبيرًا من متابعيها. وفي هذا السياق تحدثنا مع عدد من هؤلاء للتعرف على كيفية تعاطيهم مع مثل هذه الطلبات.

متبرعون من خارج فلسطين تراجعت دافعيتهم لدعم أهالي قطاع غزة بسبب تعرضهم للنصب

الإعلامي أحمد سعيد قال: "أتلقى الكثير منها، أتعامل مع بعضها والبعض الآخر أهملها لعدم مصداقيتها، فالمبلغ المطلوب يكون مبالغًا فيه. هناك بعض الحالات التي ساعدناها من خلال الاتصال المباشر، لكن مع الأسف يوجد بعض صفحات يصعب الإفصاح عنها منتشرة على فيسبوك  بمسمى تبرعات خيرية وهي تعمل كتجارة."

اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات الشيكات البنكية

أما الشاب أحمد قديح، فقال إنه يتحقق من كل قصة تصله بالزيارة أو السؤال عنها، ويختار أكثر الحالات صعوبة. "غالبيتها تم مساعدتها من أهل الخير بمجهود شخصيٍ وبتواصلٍ من أصدقاء صفحتي خارج أو داخل فلسطين  لتسديد ديون أو شراء أدوية أو جهاز طبي المساعدات بلغت ألف دولار".

الناشطة مرام أبو شقرة أسست فريق "سنحيا" التطوعي الإغاثي لتقديم مساعدات من متبرعين خارج فلسطين. تقول: "غالبية المتبرعين كانوا قديمًا يتعاطفون بشكل كبير مع أهالي القطاع، لكن حاليًا نتيجة تعرضهم للنصب أصبحوا متخوفين من تقديم التبرعات، وتراجعت دافعيتهم للمساعدة  لأن ثقتهم بصدق المطالبات تراجعت."

وتضيف أبو شقرة أن من يطلبون المساعدة غالبيتهم يتصلون بأرقام عشوائية فتنجح محاولاتهم، والبعض الآخر يتبادلون الأرقام بينهم ليتواصلوا مع المتبرع أكثر من مرة بأسماء عدة، وقد تكون بينهم صلة قرابة أو مصاهرة لذلك يُصدموا عندما نزورهم لتقييم احتياجهم.

أشخاص تجمعهم قرابة أو نسب يتصلون بأرقام عشوائية خارج فلسطين طالبين المساعدة ويتبادلون الأرقام بينهم

وتابعت، "زيارتنا  تتم بناءً على طلب المتبرع للتأكد من صدقهم، فنجد الكثير أوضاعهم ممتازة أو جيدة جدًا لكن لديهم حالات مرضية. المتبرعون يؤكدون على ضرورة توثيق الحالة بفيديو مصور من خلال الزيارة الميدانية، لأن بعضهم كرر الطلب مرات عديدة منكرين استلامهم للمساعدات."

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. السوشال ميديا لبيع منتجات مغشوشة

وتُبين أن صفحات منتشرة على "فيسبوك" استخدمت صورًا لفريق "سنحيا" التطوعي من أجل التسول من خلالها وجلب تبرعات، وعند التواصل مع القائمين عليها وتهديدهم برفع قضية ضدهم، توقفوا عن ما يقومون به وحذفوا الصور مقابل عدم اللجوء إلى الشرطة أو القضاء.

الترا فلسطين تواصل مع متبرعين خارج فلسطين لسؤالهم عن مواقف تعرضوا لها في هذا الإطار، لكنهم رفضوا الحديث بسبب تخوفهم من تزايد المضايقات، أو وضعهم داخل دائرة المسائلة في الدول التي يقيمون فيها، مؤكدين أنهم يواجهون صعوبة في الحوالات البنكية خاصة من دول الخليج إلى غزة.

أجرينا محاولات عديدة مع جهات الإصلاح في قطاع غزة لمتابعة هذه القضية، لكن المصادر رفضت تزويدنا بتفاصيل حولها معللة ذلك بـ"سرية البيانات"، قبل أن ترشدنا إلى "المصلحة الاجتماعية" آمال عيد، التي علمنا أنها تعاملت مع حالات تسول معظمها من نساء يطلبن المال من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وبعضهن صادق بالفعل.

تُبين آمال لـ الترا فلسطين أنها تعرضت لمخاطر أمنية ومجتمعية خلال عملها في هذا الإطار، موضحة أن بعض السيدات يحترفن التسول لجمع المال بعد إخفاء هوياتهن الحقيقية، فيما أُخريات كُنَّ بحاجة ودفعن ثمنًا باهظًا مقابل مساعدتهن من قبل أشخاص استغلوا هذه المساعدات.

تروي آمال سيدة أرملة كانت تبحث عن فرصة عمل عبر الإنترنت لتكتشف أن من تواصل معها بمسمى شركة يريد ابتزازها أخلاقيًا. وأخرى تعرضت للإسقاط الأمني بعد تقديم مساعدات مالية بدأت بسيطة ثم تطورت. نساء أخريات يطلبن مبالغ كبيرة بحجة الفقر فيعملن على تغيير أسمائهن وأماكن السكن  ليصعب معرفتهن، ويأخذن التسول حرفة عن طريق المحادثات الصوتية في "فيسبوك" لسهولة وسرعة الوصول للمتبرع في الخارج.

نساء غزيات يحترفن التسول ويستخدمن الرسائل الصوتية في "فيسبوك" لهذا الغرض، وأخريات تعرضن للابتزاز من "متبرعين"

وخلال بحثنا في هذا الموضوع، رفض محامون الاستجابة لطلباتنا الحديث في التفاصيل، قبل أن تستجيب  المحامية زكية كريم، التي بيّنت أن التسول "شكل من أشكال الكسب غير المشروع" وفقًا للقانون الفلسطيني، وعقوبته هي الحبس لمدة شهر عند ممارسته للمرة الأولى، وعند تكراره قد يصل الحكم  إلى سنة وفقًا لسلطة القاضي التقديرية.

واعتبرت المحامية زكية هذه العقوبة غير رادعة للمتسولين، مبينة أن نقابة المحامين نفذت حملة توعية موجهة لفئات المجتمع المختلفة، دعت فيها إلى عدم التعامل مع المتسولين "لأن الميول العاطفي المجتمعي للمساعدة يشكل سببًا في استمرار الظاهرة التي تفتح باب الجريمة".

اقرأ/ي أيضًا: عسل مغشوش لمرضى السكر والأطفال في غزة

وأضافت، "تتعرض النساء وخاصة الفتيات الصغار إلى الاستغلال، فغالبية الحالات يتم فيها تشغيل الأطفال مقابل 5 شواقل وأقل، وتتزايد أشكال التسول لغياب دور فاعل للشرطة. أما التسول الرقمي فلم نتعامل رسميًا مع حالات مماثلة."

الناطق الإعلامي للشرطة الفلسطينية أيمن البطنيجي قال لـ الترا فلسطين إن دور الشرطة في قضايا التسول "يتركز كجهة تنفيذية لقرارات النائب العام المتوقفة بسبب تراجع الوضع الاقتصادي، مما أعاق متابعة المتسولين الذين يتزايدون بشكل ملحوظ ويتخذونه مهنة لهم".

أما بخصوص التسول الرقمي، فإن البطنيجي يؤكد أن الشرطة لم تتلقَّ أي شكاوى في هذا السياق لملاحقتها.

لا يوجد شكاوى لدى الشرطة تخص التسول الإلكتروني، أما التسول التقليدي فملاحقته متوقفة بأمرٍ من النائب العام

وبلغت نسبة الفقر المدقع في سنة 2017 في قطاع غزة، 53%، وفق ما ورد في تقرير الوضع الاقتصادي والاجتماعي بمناطق السلطة الذي أصدره جهاز الإحصاء المركزي.

يُبين الخبير الاقتصادي عمر شعبان أن أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني يعيشون بأقل من دولارين يوميًا (مستوى الفقر النسبي)، فيما حوالي خمس المجتمع يعيش بأقل من دولار واحد يوميًا (مستوى الفقر المدقع)، مبينًا أن أزمة رواتب موظفين الحكومة أوصلت قطاع غزة إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، كون موظفي الحكومة يعيلون من ياقرب مليون فلسطيني، أي 40% من إجمالي السكان.

ويؤكد شعبان لـ الترا فلسطين أن تعطيل عشرات آلاف العمال وأزمة الرواتب شكل خللاً في بنية العلاقات الاقتصادية و منظومة القيم والأخلاق التي تحكم العلاقات الإنسانية والسياسية و الاجتماعية للمجتمع، إلى جانب تدهور منظومة الضمان الاجتماعي التي تعمل على مساعدة الطبقات الفقيرة.


اقرأ/ي أيضًا:

عملة مزورة في غزة.. ظاهرة أم تحت السيطرة

سرقات في شوارع غزة

منتجات "1 شيكل".. جودة ضعيفة وغش خفي