09-أكتوبر-2016

صورة تعبيريّة

يحدث أحيانًا، أن تضيق العائلة ذرعًا بأحد أبنائها، بعد أن "طفح الكيل" بأفعاله، فتلجأ إلى ما يُعرف "عشائريًا" في مناطق الخليل جنوب الضفة الغربيّة، بـ "التشميس"، كي تتجنّب ما يترتّب على أفعاله من شجارات يعقبها التزامات وغرامات ماليّة.

"نعلن نحن الموقِّعون أدناه، أبناء (***)، نُعلن براءتنا الكاملة من أخينا (***)، أمام الجميع، من أيِّ تبعات والتزامات ماليّة وعشائريّة وقانونيّة، وعليه فإنّه يتحمَّل وحده كلّ ذلك، والله من وراء القصد"، بهذا النصّ، قررت إحدى العائلات "تشميس" أحد أبنائها، بعد أن وَجّهت له إنذارات عديدة بالتوقف عن افتعال المشاكل والتورط في قضايا مالية وغيرها، ما اضطرهم كثيرًا للمثول أمام القضاء العشائري تجنبًا لتطور المشاكل التي يختلقها الابن، وترتّب عليها "سمعة سيئة" للعائلة، أرهقتها بالالتزامات المالية.

يعرف "التشميس" بأنّه إخلاء لمسؤوليّة العائلة عن الشخص الذي تمس تصرفاته بكرامة وشرف العائلة

يقول (ح.ع) إنّ عائلته عقدت اجتماعات متواصلة ومشاورات امتدت لأيام، لمحاولة وقف شقيقهم "ب.ع" عن سلوكه المزعج، وفي النهاية كان قرار وضعه موضع "التشميس"، وإعلان العائلة براءتها من تصرّفات ابنها، بشكل رسميّ وعشائريّ، ما يحول دون تحمّلها تبعات تصرفاته ومشاكله.

"التشميس" كان الحلّ الأخير والوحيد أمام العائلة، يشير (ح.ع) لـ "الترا فلسطين"، مضيفًا أنهم قاموا بنشر إعلان البراءة في أحد الصحف المحليّة، وقد وقّع عليها "مخاتير" وكبار العائلات، والأقارب من الدرجتين الأولى والثانية.

اقرأ/ي أيضًا: غزة.. و"بديهيات الحب" في "حارة العبيد"

وفي العرف العشائري يعرف "التشميس" بأنّه "إخلاء لمسؤوليّة العائلة عن الشخص الذي تمس تصرفاته بكرامة وشرف العائلة ولا يلتزم بتعليمات كبارها"، وخاصة أولئك الذين يتورّطون بقضايا مالية أو خيانة وطنية، أو اجتماعية أو قضايا متعلّقة بالشرف.

وظهر مصطلح "التشميس" وفقًا لمدير مركز السنابل للتراث الشعبي، إدريس جرادات، بعد انتهاء العهد العثماني، وعُني به آنذاك، وضع الشخص في الشمس للحرق والحرارة، وإبعاده عن ظلّ العائلة بحيث يصبح أمره مكشوفًا للناس، ولا يحق لها أن تحميه.

وتتبع العائلات التي تتضايق من تصرّفات أحد أبنائها، عدّة خطوات تحذيريّة قبل القرار النهائي بـ "التشميس"، فيتم تحذيره أولًا، وإعلامه بضرورة الالتزام بتعليمات العائلة والحرص على المحافظة على سمعتها. وفي حال لم يستجب لذلك، يجتمع كبار العشيرة وأقاربه للإعلان عن البراءة منه، ضمن وثيقة تُدعى لها كبار العشائر للتوقيع والإعلام بذلك، على مأدبة غداء من اللحم.

اقرأ/ي أيضًا: خطف الرصاص والدته وشقيقه وأشياء أخرى!

ويتحدّث جرادات لـ "الترا فلسطين" أنّ إعلان البراءة يترتب عليه عدم المسؤولية العشائرية والقانونية والعرفية، ولا يشمل أسرته إلّا في حال أيّدت الشخص المعاقب (المُشمّس)، فتدخل معه في البراءة. ولا يعود الشخص إلى عشيرته إلا بطلب منه، بعد أن يقرر الالتزام بتعليماتها أو يبقى خارجها مدى الحياة، ولا يحق لعائلته الثأر أو المطالبة بديته في حال قتله.

وارتفعت وتيرة "التشميس" في فترات معيّنة، أبرزها قبل مجيء السلطة الفلسطينية، في محاولة لوضع حدّ لظاهرة "العملاء"، حيث أقدمت العشائر على "تشميسهم" لوضع حدّ للتجنّد ولعمل لصالح الاحتلال. وتراجعت الظاهرة تدريجيًا، في ظل إحكام السلطة الوطنية الفلسطينية سيطرتها على مدن الضفة الغربية.

يرى عديدون أنّ أسلوب "التشميس" يُعدُّ ضابطًا اجتماعيًا وعُرفيًا، للحد من تمرد البعض على العائلة، لكنّه يحمل بعض المخاطر

ويرى عديدون أنّ أسلوب "التشميس" يُعدُّ ضابطًا اجتماعيًا وعُرفيًا، للحد من تمرد البعض على العائلة، لكنّه يحمل بعض المخاطر في التسرع بالإعلان، لما ظهر من بعض "المشمسين" بالتورط في عصابات منظمة، أو اللجوء للاحتلال.

أمّا في الوقت الحالي، ورغم انحسار الظاهرة نوعًا ما، إلّا أنّ "الشيكات والخلافات الماليّة" هي السبب الأبرز لإعلان البراءة وتشميس شخص ما، وفق ما يقول الحاج زياد جابر، أحد كبار رجال الإصلاح والعشائر في الخليل. لافتًا إلى أنّ "رجال الإصلاح" يشهدون ما معدّله حالة "تشميس أو اثنتين، شهريًا في محافظة الخليل.

ويشترط –حسب جابر– أن يكون لدى العائلة أسبابًا وبراهين لإقناع كبار العائلات بقرار البراءة، وحضور ممثل لكل عشيرة في الإعلان، لكنّه يشير إلى أنّ الصحف لم تعد تنشر إعلان البراءة بسبب زيادة المشاكل والمزاودات نتيجة ذلك.

وبالرغم من ذلك، لا يستطيع الشخص "المُشمّس" تغيير اسم عائلته، ولا يمكن لعائلته إعلان براءتها منه قبل إنهاء قضاياه العالقة، قبل الإعلان، وإن حدث ذلك، فلا تعتبر البراءة سارية. 

اقرأ/ي أيضًا: 

عنب الخليل في مهرجانه السادس.. ندرة وتنوع

حكاية "مأساة" تعبئة "اسطوانة غاز" في الخليل

عملية "كريات أربع".. المقاومة ممكنة