18-أبريل-2018

أعلنت الحكومة الفلسطينية يوم الثلاثاء (17 نيسان/ ابريل)، المصادقة على قانون الجرائم الإلكترونية، الذي أثار ضجة واسعة مؤخرًا، حيث لا يتضمن القانون فقط ملاحقة ناشطين على آراء أو مواقف، ولكنّه يفرض على الشركات المزودة للانترنت المساعدة في "كشف هذه الجرائم". وتأتي هذه الخطوة، ضمن سياق متواصل من القمع البوليسي، بدأته السلطة في الفترة الأخيرة.

  مجموعات أمنيّة مخصصة لملاحقة ما يكتبه الناس على فيسبوك. المراقبة لم تعد تقتصر على الشخصيات العامة أو الصحافيين أو الناشطين. التضييق وصل ذروته 

حملات تضييق على الصحافيين، وملاحقة للحريات الشخصية، وقوانين جديدة لتشريع المراقبة على الإنترنت، لكن القصة لا تتوقف هنا. فهناك على ما يبدو تغيير ما في طبيعة العلاقة بين المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية والسلطة إجمالًا.

لم تكن هذه العلاقة واضحة إجمالًا كعلاقة سلطة قمعية بمجتمع، إلّا في سياق ملاحقة الناشطين السياسيين المحسوبين على حماس تحديدًا وبعض الناشطين من اليسار، خاصة أنّ نسبة غير قليلة من فلسطينيي الضفة لا يعيشون تحت إدارة السلطة الوطنية أصلًا، أي مناطق (ج) وفقًا لاتفاق "أوسلو"، ونسبة من العمالة الفلسطينية تعمل في إسرائيل أو المستوطنات، ولا ترتبط  في مؤسسات رسمية ولا مؤسسات القطاع الفلسطيني الخاص أو غير الحكومي، وتحتاج الأجهزة الأمنية إلى تنسيق مع إسرائيل من أجل الوصول إليهم أو اعتقال شخص منهم، وهناك قرى منقطعة بشكل كامل عن المدينة الفلسطينية، تُكتب فيها لافتات المحلات بالعبرية.

هذه الظروف جميعها، إضافة إلى أنه لم يكن عند السلطة نزعة واضحة نحو التدخل في شؤون الناس اليومية، جعلت العلاقة مع الأجهزة الأمنية لا تبدو تقليدية، خاصة أنّ أعداد العاملين في الأجهزة الأمنية كبيرة مقارنة بعدد السكان، وليس هناك أبعاد طائفية أو مناطقية في التوظيف كما هي الحال في دول عربية أخرى، وبالتالي فإن موظفي هذه الأجهزة لا يشكّلون فئة ذات حدود واضحة، وإنما مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى كافة فئات المجتمع، وحتى يكون المرء صادقًا، فإن الخوف الجماعي من الأجهزة الأمنية ومن يعملون معها، لم يكن موجودًا إلى درجة كبيرة.

في السنوات الأخيرة، يُمكن المجادلة في أنّ هناك شيئًا تغيّر في هذه العلاقة؛ صارت هناك مجموعات أمنيّة مخصصة لملاحقة ما يكتبه الناس على فيسبوك أو ما يقولونه في الشارع والأماكن العامة، ولم تعد هذه المراقبة تتعلق بالشخصيات العامة أو بالعاملين في الصحافة أو الناشطين فقط. التضييق على الكتاب والصحافيين وصل ذروته. حجب مواقع بالجملة، وإغلاق مكتب العربي الجديد في رام الله، وربما مكاتب أخرى لم نعرف عنها. حظر وسحب نسخ رواية جريمة في رام الله واعتقال الناشر ورفع قضية وأمر اعتقال ضد الكاتب، في خطوة غير مسبوقة من فترة طويلة. تدخّلٌ في الشؤون اليومية للناس، وتهديدهم بأرزاقهم كما حدث مع المعلمين الذين فُرض عليهم التقاعد المبكر، والفرض على موظفين التعبير عن مواقف مؤيدة للرئيس أو لجماعته وإلا ستتم إقالتهم. من يعمل في مؤسسات في الخارج، يعرف أيضًا أنّ موظفًا بسيطًا في الأمن الوقائي يمكنه أن يعرف راتبه، ومكافآته المالية، وسيستفسر منه عن سبب الزيادة على المرتب إذا وجدت.

 حتى يكتمل المشهد بوضوح، ولتكتمل صورة السلطة التي تتدخل في حياة الناس اليومية، مثل أي سلطة في أي دولة عربية، ظهرت حملة بايعناك 

أخيرًا حتى يكتمل المشهد بوضوح، ولتكتمل صورة السلطة التي تتدخل في حياة الناس اليومية، مثل أي سلطة في أي دولة عربية، ظهرت حملة بايعناك، لمبايعة الرئيس- الخليفة محمود عباس. وبالضرورة فإنّ التدخل في الشأن اليومي للناس، يستدعي استخدام المجاز الديني طبعًا. ولم تعد هناك مفارقة في القول إن فتح وسلطتها تستخدمان المجاز الديني أكثر بكثير من الإسلاميين. الأهم أنّ من يبايع الرئيس هُنا، أو يجدد له البيعة، ليس مؤسسات أو أحزاب، ولكن ولأن العلاقة مع السلطة دخلت إلى مناطق غير مسبوقة، فإن جولة سريعة في شوارع رام الله وشوارع مدن فلسطينية أخرى، ستطلعك على عائلات وأفراد ومجالس قروية وحمائل تعلّق لافتات كبيرة تعلن فيها الولاء.

تتوسع إجراءات التدخل الأمني في الفترة الأخيرة، إلى درجة بدا فيها أنّ هناك نقلة واضحة باتجاه التضييق على جميع فئات المجتمع، وإقحام السياسية في تفاصيل المجتمع اليومية، وإشعار كل الناس بأنهم تحت الضغط والتهديد، ومتهمين حتى يثبتوا ولاءهم واحدًا واحدًا وعائلة عائلة. وهذه على ما نعرف، ميزة الدولة البوليسية.


اقرأ/ي أيضًا:

المنظومة الأمنية.. أداة للقمع أم للإحساس بالأمان

عن موظف الدعم الفني: المقموع والقامع

تعامل السلطة مع الإعلام.. محاولة لفهم الجنون!